مقبرة الكرخ ببغداد.. ملاذ الخائفين من الاعتقال

مقبرة الكرخ

 

undefined

ناظم الكاكئي-بغداد

عادل شاب عراقي يحمل بكالوريوس هندسة زراعية عاطل عن العمل، يسكن في منطقة تدعى "حصوة أبو غريب" قريبة من مقبرة الكرخ، ويلجأ إلى الأخيرة استجابة  لطلب أسرته عندما تتردد أنباء في المنطقة عن عزم القوات الأمنية شن حملة اعتقالات بحثا عن مطلوبين.

الطريق إلى مقبرة الكرخ عبر الطريق السريع الرابط بين بغداد ومحافظة الأنبار غربي العراق،  تنتشر فيه الحواجز الأمنية وتخضع جميع المركبات -حتى التي تحمل نعوش الموتى- لتفتيش دقيق.

ويقول عادل (26 سنة) للجزيرة نت إنه والعشرات من أهالي منطقة الحصوة، وخصوصا الشباب يلجؤون إلى المقبرة تحت ضغوط أسرهم خشية التعرض للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية بحملاتها العشوائية التي تضاعفت بعد حادثة هروب السجناء من معتقل "أبو غريب" مشيرا إلى أن المعلومات حول شن الحملات يحصل عليها من معارفه في مناطق أخرى تعرضوا لها.

المقبرة أصبحت ملاذ الخائفين من الاعتقالات العشوائية (الجزيرة)
المقبرة أصبحت ملاذ الخائفين من الاعتقالات العشوائية (الجزيرة)

ويمر الوقت طويلا ثقيلا -يتابع عادل- خلال وجوده بالمقبرة، وبين الشعور بالقلق وزيارة  قبور الأقارب وقراءة سورة الفاتحة على أرواحهم تنتابه المخاوف من التعرض للاعتقال، ويتصل بأهله كل ثانية تقريبا لمعرفة آخر الأخبار، وما يبدد مخاوفه أن عشرات الشباب يشاركونه المعاناة نفسها، على الرغم من حرصهم على أن  يكون وجودهم في المقبرة منفردين مبتعدين عن إقامة تجمعات صغيرة خشية إثارة الشبهات، وفق ما قال عادل.

اعتقال تعسفي
الطريق الفرعي المؤدي إلى المقبرة يمر بمنطقة "خان ضاري" وهو المكان الذي شهد مقتل الضابط الإنجليزي لجمن على يد الشيخ ضاري الزوبعي مطلع عقد العشرينات من القرن الماضي، وكان الحادث سببا في اندلاع  ثورة العشرين العراقية ضد الاحتلال البريطاني.

ويقول شاب ينتمي إلى عشيرة الشيخ ضاري -اعتاد هو الآخر اللجوء للمقبرة- إنه يتشرف بأنه قاوم الاحتلال الأميركي بعد غزو العراق وشارك في معركة الفلوجة الأولى والثانية، وأمضى سنوات في معسكر "بوكا" بناحية أم قصر (جنوب) وقبل انسحاب القوات المحتلة تم إطلاق سراحه.

ويتابع للجزيرة نت أنه اعتقل ثانية من قبل الجيش العراقي، وأفرج عنه بالتوقيع على تعهد بموجب مشروع المصالحة الوطنية. ويضيف أن شباب المنطقة ومعظمهم من أحفاد الشيخ ضاري وعشيرته يشعرون بالقلق وتنتابهم المخاوف من الاعتقال بعد تنفيذ عملية تفجير عبوة أو مقتل مسؤول. علما أن منطقة "أبو غريب" الخاضعة لسيطرة فرقة عسكرية كاملة اعتقلت المئات من الشباب دون صدور أوامر قضائية، ولذلك لم يبقَ له سوى اللجوء إلى المقبرة التي أصبحت ملاذ الخائفين من الاعتقالات العشوائية، وفق وصفه.

الجبوري: بلغ عدد المعتقلين نحو 438 شخصا تم إيداعهم بثكنات عسكرية (الجزيرة)
الجبوري: بلغ عدد المعتقلين نحو 438 شخصا تم إيداعهم بثكنات عسكرية (الجزيرة)

مئات المعتقلين
ويكشف رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب النائب سليم الجبوري أن اللجنة لديها معلومات تفيد بأن أعداد المعتقلين من منطقة "أبو غريب" بعد حادث فرار السجناء تجاوز المئات.

وقال الجبوري للجزيرة نت إن معلومات اللجنة استندت إلى شهادات الأهالي والشكاوى التي تصل من ذويهم، فضلا عن لقاءات مباشرة أجراها بعض أعضاء اللجنة خلال زياراتهم لمناطق حزام بغداد.

وبلغ عدد المعتقلين نحو 438 شخصا تم إيداعهم في ثكنات عسكرية، وحتى الآن لم تتم إحالتهم إلى هيئات التحقيق، الأمر الذي يعد خرقا لحقوق الإنسان والدستور العراقي بخصوص عرض المعتقل أمام قاضي التحقيق بعد مرور 24 ساعة على اعتقاله.

وأشار النائب إلى أن اللجنة تواصل جهودها لإحالة المعتقلين للأجهزة  القضائية، مستدركا أن العقبة التي تواجه اللجنة تتمثل بالإجراءات الروتينية الطويلة وقلة قضاة التحقيق وصعوبة الوصول إلى المعتقلين لكونهم موجودين في مراكز غير خاضعة لوزارة العدل التي أبدت استعدادها لمساعدة اللجنة في زيارة المعتقلين في سجونها بعد تقديم طلب رسمي، وفق ما أفاد الجبوري. 

يُذكر أن مقبرة الكرخ أنشئت عام 1970 بعد أن غصت مقابر بغداد بالموتى ولم تعد تتسع للكثير منهم، ودفن في مقبرة الكرخ الكثير من المسؤولين منهم الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر.

المصدر : الجزيرة