عمّان الأغلى عربيا.. وسط فقر وحرمان

من وسط البلدة القديمة
عمّان تصدرت قبل أيام أغلى المدن بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من ناحية التكلفة المعيشية (الجزيرة نت)

الجزيرة نت-عمّان

في شارع السلط المتفرع من وسط البلدة القديمة شرق العاصمة عمّان، كان السبعيني أحمد يجرّ حاله الثقيل، باحثا عن قوت يومه، بملامح جامدة وعينين خاليتين من التعبير.

"غلاء الأسعار بدد آمالنا في عيش كريم" حرص الحاج أحمد على القول، متحدثا بألم ومرارة عن قسوة الحياة في بلده، الذي صنفته دراسة حديثة مؤخرا بأنه الأغلى عربيا.

وفي ذلك الشارع الذي حمل لعقود ذكريات معاناة مستمرة لفقراء، تأبط الرجل بين ذراعيه أواني بلاستيكية ودمى للأطفال، علّه يبيعها فيظفر بدنانير معدودة، تُعيله وزوجته التي أنهكها المرض.

الحاج علي: الحياة في غلاء مستمر والبيع في تراجع ولا مساعدات من الحكومة أو وزارة التنمية (الجزيرة نت)
الحاج علي: الحياة في غلاء مستمر والبيع في تراجع ولا مساعدات من الحكومة أو وزارة التنمية (الجزيرة نت)

قال للجزيرة نت بصوت خافت حزين ومبحوح "تكاليف الحياة في ارتفاع مستمر، والعمل من سيئ لأسوأ (…) بالكاد أستطيع توفير ثمن الدواء لزوجتي المقعدة، وقليل الطعام، مع دفع أجرة الغرفة التي نسكنها في أحد الأزقة".

وأضاف والدمع في عينيه "لم نعد نقوى على غلاء المعيشة (…) في هذه المنطقة عائلات تتضور جوعا ولا تجد الملح".

وعلى بعد خطوات من سوق البخارية، الذي تختزل جدرانه وزقاقه قصص الفقر والجوع، قضى الحاج علي عمره في نفس المكان باحثا عن لقمة الخبز، حاملا بين ذراعيه ملابس وقطع قماش للبيع.

مشاهد البؤس والحرمان فعلت أفاعيلها في وجه علي، الذي أحرقته الشمس وربما ضنك العيش.

هذه المشاهد كان كفيلة في قصّ فصول معاناته. فهو كما قال لا يتقاضى أي معونات من صندوق التنمية الاجتماعية (اللافتة الرسمية التي يقصدها الفقراء) رغم حاجته الماسة.

قال متحسرا على حاله، وقد أسند ظهره إلى عكاز معدني بعد أن ذوّب الفقر أجزاء من جسده النحيل "الحياة في غلاء مستمر، والبيع في تراجع، ولا مساعدات من الحكومة أو وزارة التنمية".

طبقتان
وما من شك أن غلاء العيشة مس أيضا الطبقة المتوسطة في البلاد، والتي يقول خبراء اقتصاديون إنها باتت تتلاشى خلال السنوات الماضية، لصالح طبقتين واحدة غنية وأخرى معدمة فقيرة.

وكانت عمّان قد تصدرت قبل أيام أغلى المدن في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، من ناحية التكلفة المعيشية، وذلك استنادا إلى التقرير السنوي لوحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU) لعام 2015، وهي الوحدة التابعة لمجلة إيكونومست البريطانية.

وأشار التقرير إلى أن العاصمة الأردنية تقدمت أربع مراتب في لائحة المدن الأغلى بالكلفة المعيشية لتحتل المرتبة الـ48 عالمياً للعام 2015، من المرتبة 52 للعام 2014، لتصبح بذلك ضمن قائمة أغلى خمسين مدينة على مستوى العالم، من بين 133 مدينة شملها التقرير.

وتلت عمّان في غلاء المعيشة، على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مدينة نيروبي وأبو ظبي، ثم دبي، والدار البيضاء، وأبيدجان، ودكار، والمنامة، فالقاهرة ثم الدوحة، بينما صنفت الرياض وجدة من بين المدن الأقل تكلفة.

إصلاحات
ولم يعلق فريق الحكومة الاقتصادي على هذه الدراسة، لكنه غالبا ما يؤكد سعيه إلى تحقيق إصلاحات اقتصادية بما فيها مراجعة نظام الضرائب المفروض على المواطنين، وتوفير الدعم اللازم للشرائح الفقيرة، عبر فواتير الدعم المخصصة للسلع الضرورية.

سلامة الدرعاوي لا يرى أن نتائح دراسة إيكونومست جاءت مفاجئة (الجزيرة نت)
سلامة الدرعاوي لا يرى أن نتائح دراسة إيكونومست جاءت مفاجئة (الجزيرة نت)

ولا يرى المحلل الاقتصادي، سلامة الدرعاوي، أن نتائج دراسة إيكونومست جاءت مفاجئة، فالأردنيون "يعانون ويكتوون بنار الأسعار منذ سنوات".

يقول للجزيرة نت "هناك ما يقارب 450 ألف عراقي دخول غالبيتهم مرتفعة، ساهموا إلى حد كبير برفع الإنفاق".

ويضيف "الوجود السوري ساهم أيضا في غلاء المعيشة، فعمليات الضخ المالي من قبل المانحين ساعدت على مزيد من الاستهلاك ورفع الأسعار والإنفاق بشكل أكبر من الضروري".

وتحدث الدرعاوي أيضا عن عوامل داخلية، وقال "رغم الخفض الذي جرى مؤخرا على أسعار المحروقات، فإن سعر المنتجات حافظ على مستويات مرتفعة، بسبب ضعف الرقابة الحكومية والتشريعات عوضا عن عامل الاحتكار".

وذهب للقول إن "الضرائب التي تفرضها الحكومة هي أحد أهم أسباب الغلاء".

يُشار إلى نسبة البطالة بالأردن تصل قرابة 13%، اعتمادا على آخر دراسة حكومية.

ووفق هذه الدراسة الصادرة عن وزارة التخطيط، فإن جيوب الفقر ارتفعت من عشرين جيبا عام 2007 إلى 31 جيبا عام 2012.

المصدر : الجزيرة