"العصيدة" تجمع الجالية الأفريقية بالقدس

القدس- أفراد من الجالية الأفريقية بالقدس يتناولون وجبة العصيدة
ما زالت بعض العائلات تحافظ على علاقاتها بأصولها الأفريقية وذوي القربى في البلدان التي قدمت منها (الجزيرة نت)
                                                                             هبة أصلان-القدس

تجتمع عائلات الجالية الأفريقية في القدس بشكل أسبوعي أو في مناسباتها الاجتماعية حول طبق "العصيدة" أو "الويكة" الذي أحضره الأجداد الأفارقة من أوطانهم إلى المدينة قبل عشرات ومئات السنين.

حافظت هذه العائلات على تقليدها، لكنها أجرت عليه بعض التغييرات وتم استبدال اللحم المجفف والذرة باللحم المفروم والسميد، إضافة إلى البامية المجففة والمطحونة، والطماطم المطبوخ، مع الإكثار من الفلفل الحار المجفف.

و مازالت بعض العائلات الأفريقية في القدس تحافظ على علاقاتها الاجتماعية بأصولها في أوطانها الأصلية وخاصة العائلات التي قدمت من السودان.

ويبلغ تعداد الأفارقة داخل البلدة القديمة اليوم حوالي 350 شخصا، لهم في القدس ما لأبنائها ولهم من معاناتها قسط ونصيب -وفق المرشد السياحي الأفريقي الأصل محمود جدة- حيث إن المجموعة الأولى من الأفارقة وصلت فلسطين أواخر القرن الـ19 ومع بداية القرن العشرين.

جدة: أغلب الأفارقة وصلوا القدس من تشاد ونيجيريا والسنغال والسودان (الجزيرة نت)
جدة: أغلب الأفارقة وصلوا القدس من تشاد ونيجيريا والسنغال والسودان (الجزيرة نت)

حبس العبيد
ورغم الظروف الصعبة، حافظت الجالية الافريقية -التي قدم أغلب أفرادها إلى القدس من تشاد ونيجيريا والسنغال والسودان، على متانة العلاقات الاجتماعية التي تربط أبناءها ببعضهم، فيساعدون المحتاج منهم بعادة اجتماعية تسمى "الحطيطة".

ومركز وجود الجالية بالقدس هو باب الناظر أو المجلس (أحد أبواب المسجد الأقصى) وهناك يعيش أبناء الجالية في مساحة صغيرة يطلق عليها محليا "حبس العبيد" وتقع ضمن رباطين هما رباط علاء الدين البصير والرباط المنصوري اللذيْن يستخدمان اليوم منازل لأبناء الجالية.

ويشير جدة إلى أن وجود الجالية في فلسطين عموما مرده إلى سببين: الأول ديني حيث وصلوها في طريق العودة من أداء مناسك الحج كحجاج مسلمين على اعتبار المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، فكانوا يباركون حجتهم بزيارة ثالث أقدس بقاع الأرض لدى المسلمين.

أما السبب الثاني فهو جهادي، حيث وصل جزء منهم القدس مع حملة إبراهيم باشا عام 1829 وكانوا جزءا من الجيش المصري، ففضلوا البقاء فيها، وصاحب الآخرون الجيش البريطاني في حينها لكنهم انفصلوا عن الجيش وانضموا للمسلمين.  

ويمكن تمييز أبناء الجالية الأفريقية بالقدس من خلال بشرتهم السوداء الداكنة التي تعود إلى أصولهم الأفريقية، لكنهم نجحوا في الاندماج بالمجتمع المقدسي خاصة والفلسطيني عموما، لغتهم هي العربية بلكنة مقدسية، يتشاركون وأبناء القدس مختلف تفاصيل الحياة اليومية وعلى رأسها معاناة العيش تحت الاحتلال.

وقضى المرشد السياحي في الأسر 18 عاما، إثر اتهامه بالمشاركة في عملية "أبطال العودة" والتي وجهت تهمة القيام بها لعناصر الجبهة الشعبية، وهذا غيض من فيض مما قدمه أبناء الجالية الأفريقية من ثمن صمودهم في المدينة المحتلة حالهم حال أبنائها الأصليين.

‪مدخل الرباط المنصوري حيث يقيم أفراد من الجالية الأفريقية‬ (الجزيرة نت) 
‪مدخل الرباط المنصوري حيث يقيم أفراد من الجالية الأفريقية‬ (الجزيرة نت) 

سكن ضيق
ويقول جدة الذي نشأ في الرباط البصيري "كنا ثمانية أفراد نعيش في مساحة لا تزيد على ثمانية أمتار، موضوع صعب تصديقه، لكن لم تكن هناك حلول أخرى".

وحال أبناء الجالية اليوم لم يتغير، فهم يعيشون كمعظم أهل المدينة المحتلة في ظروف سكنية صعبة، في غرف صغيرة وبعضها لا تدخله الشمس، وتغيب عنهم الخصوصية، فالرباطان خصصا قديما استراحة للحجيج، واستخدمتهما الحكومة العثمانية لاحقا مراكز توقيف للمجرمين.

وإلى جانب القدس، يعيش جزء من أبناء الجالية في عدة مدن فلسطينية، في أريحا وجنين ورام الله، لكنهم فلسطينيو الانتماء، ولم يعد الجيل الحالي يتذكر جذوره الأفريقية، فهم يعرفون على أنهم فلسطينيون أولا وأخيرا.

وكانت فاطمة البرناوي أول أسيرة تسجل رسميا في سجلات الحركة النسوية الأسيرة في الثورة الفلسطينية المعاصرة، من الجالية الأفريقية، فقد ولدت في الرباط المنصوري بالقدس، ولا يزال منزل عائلتها هناك، لكن الاحتلال أبعدها إلى غزة حيث تقيم اليوم.

المصدر : الجزيرة