حكاية صحيفة هندية أسستها نساء الداليت عن الديمقراطية.. تقاريرهن تحقق العدالة للناس

تعد صحيفة "خبر لاهريا " ومعناها بالهندية "موجات الأخبار" أول شبكة إخبارية ريفية رقمية على منصة يوتيوب، ووثقت حكايتها بالفيلم الوثائقي "الكتابة بالنار".

فيلم "الكتابة بالنار" توثيق لعمل ريفيات الهند بالصحافة الاستقصائية (مواقع التواصل)

عملت نساء من الداليت في الهند، وهي جماعة كانت معروفةً سابقًا باسم "المنبوذين"، على كتابة نشرة إخبارية يدويًا حول القضايا التي تهمهنّ بدءا من مضخات المياه المكسورة وصولًا إلى الطرق غير المعبدة. وأسسن عام 2002 صحيفة "خبر لاهريا " التي غطت كل القضايا من التعدين غير القانوني إلى جرائم القتل.

ولأن الداليت يُشكّلون حوالي 20% من سكان ولاية أوتار براديش، بدأ بعض المسؤولين الحكوميين توجيه اهتمامهم نحو هذه الأقلية المضطهدة، ونتيجة لذلك تم تعبيد الطرق وبناء المراحيض وتزويد المستشفيات بالأدوية.

هذا ما تخبرنا به صحيفة هندية أسستها نساء الداليت عن الديمقراطية India, Gujarat, Kutch, Ludia village, woman from Harijan ethnic group غيتي إيميجيز
امرأة من مجموعة هاريجان العرقية (غيتي)

موجات الأخبار

وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (nytimes) الأميركية، قالت الكاتبة فرح ستوكمان إن كافيتا ديفي، رئيسة تحرير الصحيفة، أخبرتها في رسالة بريد إلكتروني مكتوبة بالهندية أن "تقاريرهن تحقق العدالة للناس كل شهر تقريبًا".

وتعد "خبر لاهريا " التي يعني اسمها بالهندية "موجات الأخبار" أول شبكة إخبارية ريفية رقمية تعرض برامجها الحوارية الخاصة، وتمتلك حوالي 550 ألف مشترك على منصة "يوتيوب".

واجهت الصحيفة العديد من العقبات المألوفة التي يمكن أن تجعل جمع الأخبار مهمةً صعبة ولكنها ضرورية لتعزيز الديمقراطية. فقد تعرّضت المراسلات للترهيب والاحتقار. وكان من الصعب أن تُؤخذ مبادرتهن على محمل الجد في بلد يقوم فيه عمالقة وسائل الإعلام في كثير من الأحيان بتعيين رجال من الطبقات العليا من المدن الكبرى والموالين للحزب الحاكم.

بالنسبة للنساء اللواتي كان يُنظر إليهن على أنهن عاجزات بسبب جنسهن والطبقة التي ينحدرن منها، كانت الصحافة خيارهن الوحيد. وتوضح لنا قصتهن أن الديمقراطية لا تتطلب الشجاعة والعمل الجاد فحسب، بل أيضًا اليقظة المستمرة والابتكار في مواجهة التغيير.

هذا ما تخبرنا به صحيفة هندية أسستها نساء الداليت عن الديمقراطية MUMBAI, INDIA OCTOBER 3: Shiv Sena young party workers protesting outside the Shiv Sena Bhavan against the brutal gang-rape of a Dalit woman in Hathras district of Uttar Pradesh, on October 3, 2020 in Mumbai, India. (Photo by Satish Bate/Hindustan Times via Getty Images) غيتي إيميجيز
عضوات من حزب شيف سينا ​​بهافان يحتججن على الاغتصاب الجماعي الوحشي لنساء الداليت (غيتي)

الكتابة بالنار

تم توثيق قصة عمل الريفيّات المتعلمات كصُحفيات استقصائيات في فيلم وثائقي جديد بعنوان "الكتابة بالنار". ووصل لقائمة أفضل فيلم وثائقي ورشح لجائزة الأوسكار هذا العام، المتوقع إعلانها في مارس/آذار المقبل، وفي حالة فوزه فسيدخل التاريخ باعتباره أول فيلم عن الهند من إخراج محلي يحصل على هذه الجائزة.

ومن شأن ذلك أيضًا أن يُشجع أنصار الديمقراطية في وقت تتعرض فيه المعايير الديمقراطية للتهديد في جميع أنحاء العالم.

في بداية الفيلم، تظهر ميرا كبيرة المراسلين تُجري مقابلة مع امرأة تروي قصة تعرضها 6 مرات للاغتصاب بمنزلها في شهر واحد، وحاول زوجها تقديم شكوى لكن ضباط الشرطة رفضوا تتبع القضية.

وفي الفيلم، طلبت ميرا من مركز الشرطة توضيحًا حول هذا الأمر. وتقول "الصحافة جوهر الديمقراطية. وعندما يُطالب المواطنون بحقوقهم، فنحن الصحافيين بإمكاننا أن نرفع مطالبهم إلى الحكومة".

بدأ المخرجان الهنديان (ليسا من الداليت) وهما سوشميت غوش ورينتو توماس، في تصوير لقطات من الفيلم عام 2016، وهو العام الذي بدأ فيه مراسلو صحيفة "خبر لاهريا" بتغطية الأخبار الرقمية.

ميرا وزميلاتها يستخدمن هواتفهن المحمولة في تغطياتهن الصحفية (مواقع التواصل)

وفي الفيلم، تقوم النساء اللاتي تعيش بعضهن في منازل ليس فيها كهرباء بفتح علب الهواتف المحمولة الجديدة بحذر شديد. وبحلول نهاية الفيلم، كانت ميرا وزميلاتها يندفعن وسط الحشود بالتجمعات السياسية حاملات هواتفهن المحمولة.

ورغم أن المراسلات ينحدرن من طبقات اجتماعية مهمشة، على غرار الداليت والقبائل وما يسمى الطبقات المتخلفة، فإنهن لا ينتمين إلى أي حركة سياسية. وهن صحفيات يدعمن الموضوعية والاستقلالية باعتبارها قيمًا أساسية.

الشجاعة الجنونية

تقول المخرجة رينتو توماس "يتساءل الكثيرون: من أين حصلن على هذه الشجاعة الجنونية؟ أليس لديهن ما يخسرنه؟".

وتضيف "لا أرى الأمر على هذا النحو، كل واحدة منهن تدرك تماما مدى صعوبة الوصول إلى التعليم وما يعنيه ذلك للذين يتكلمن نيابة عنهم. إنهن يعلمن أنه إذا لم تُنشر تلك القصة، فلن يفعل شخص آخر ذلك".

ويعتبر "الكتابة بالنار" نوعا ما خارطة طريق لكيفية الدفاع عن الديمقراطية حتى في مواجهة خطر كبير. عام 2017، تولى الراهب يوغي أديتياناث رئاسة الوزراء بولاية أوتار براديش.

وقام أعضاء منظمة "لواء الشباب الهندوسي" التي أسسها أديتياناث بالتلويح بالسيوف في الشوارع متوعدين بمعاقبة المسلمين وحماية الهندوس. وقد وضع مراسلو "خبر لاهريا" خطة لتغطية صعود القومية الهندوسية. وكانوا يتقدمون بحذر، لذلك كلفوا المراسلين الأكثر خبرة بتغطية الحدث.

اغتصاب النساء

وفي الفيلم، تجري ميرا مقابلة مع قائد منظمة "لواء الشباب الهندوسي" الذي شرح رؤيته للبلاد، وأخبرها أن أولويته المطلقة تكمن في حماية أبقارهم المقدسة.

لم تكن ميرا بحاجة إلى إضافة تعليق لإظهار الحقيقة، ذلك أنه في الوقت الذي يتعين فيه على النساء التوسل لحماية أنفسهن من الاغتصاب، كان السياسيون الطموحون يعززون شعبيتهم من خلال التعهد بحماية الأبقار.

وأعرب بعض الصحفيين من الطبقة العليا عن صدمتهم من سرعة تحول الثقافة السياسية بالهند. ففي غضون أعوام قليلة فقط، أصبح الذين كانوا يعتبرون متطرفين يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد.

ولكن المراسلات في "خبر لاهريا" تنبأن بذلك مسبقًا. ويقول المخرج غوش "يبدو أنهن يعرفن كيف يستجبن للأوقات التي نعيش فيها". ربما يرجع ذلك إلى حقيقة أن مراسلات الصحيفة بالفعل اعتدن العيش تحت التهديد، مثل الذين يكتبن عنهم.

هذا ما تخبرنا به صحيفة هندية أسستها نساء الداليت عن الديمقراطية Police detain women during a protest organized by the main opposition Congress party and people of India's low-caste Dalit community against what they say are increasing atrocities against the Dalit community, in Gandhinagar, India, August 23, 2016. REUTERS/Amit Dave TPX IMAGES OF THE DAY رويترز
الشرطة تحتجز نساء من طائفة الداليت ضد ما يقولون إنه فظائع متزايدة ضد هذا المجتمع (رويترز)

قصص الناس

وفي سؤالها عن النصيحة التي تقدمها للصحفيين الأميركيين القلقين بشأن تآكل الأعراف الديمقراطية بالولايات المتحدة، أوصت ميرا بالحرص على سرد قصص العاديين. وأخبرتها في رسالة صوتية بالهندية "إذا كنت ترغبين في إدارة مجلة موضوعية عن القصص المهمة، فعليك بنقل قصص الناس في أسفل الهرم".

يأتي الفيلم الوثائقي -الذي يحتفي بشجاعة "خبر لاهريا" في تغطية أخبار الأقليات المضطهدة- في وقت قررت فيه العديد من المؤسسات الإخبارية بالهند التزام الصمت بعد أن كانت تدافع عن مبادئ العلمانية والتعددية في مواجهة الاغتيالات والتهديدات.

وفي بلد يُمنع فيه الداليت حتى يومنا هذا من الشرب من الآبار المخصصة للطبقات العليا، أو تناول الطعام من نفس الأطباق، فإن لهم تاريخًا في الدفاع عن الأعراف الديمقراطية.

وقد وفر بيمراو رامجي أمبيدكار، الباحث القانوني الذي ينحدر من الداليت وساعد في صياغة دستور الهند، الحماية للأقليات الدينية والمواطنة المتساوية للجميع.

وبينما انضم بعض سياسيي الداليت إلى الحزب الحاكم على أمل أن يتم احتضانهم أخيرا من قبل الطبقة العليا من الهندوس، لا يزال بعضهم يقاوم بقوة الهجمات التي تُشن ضد المسلمين وغيرهم من الأقليات.

ومن الطبيعي أن يشكك من عانوا من الإذلال في ظل النظام الطبقي الهندوسي بالقومية الهندوسية. وإذا كُتب للديمقراطية الليبرالية في الهند عمر جديد، فسيكون ذلك بفضل الداليت.

المصدر : نيويورك تايمز