شاهد حكاية أمّ الغضنفر.. اجتازت السياج لتدعو عند رأس ابنها الأسير الفلسطيني المنهك

تفقدت الأم جسد ابنها المنهك، وقرأت القرآن ودعت له عند رأسه وهو يلامس يديها.

بيت لحم- كانت التجربة الأولى لأم الأسير الغضنفر أبو عطوان باجتياز السياج الفاصل بين الضفة الغربية والداخل المحتل عام 48، لتصل إلى ابنها الأسير داخل مستشفى "كابلن" بعد تدهور حالته الصحية نتيجة استمراره في الإضراب عن الطعام.

أمُّ الغضنفر (52 عاما) تعاني من مرض القلب، وتحتاج رعاية صحية خاصة، ولكنها آثرت على نفسها عندما سنحت لها فرصة الوصول إلى ابنها المضرب عن الطعام منذ 57 يوما ضد الاعتقال الإداري، وبعد إعلان نيابة الاحتلال العسكرية مؤخرا تعليق اعتقاله الإداري، من دون الإفراج عنه مع إبقائه في المستشفى، وفك قيوده بسريره وإزالة الحراسة عنه.

لحظة انهيار

لم تنتظر أم الغضنفر أن تصدر سلطة الاحتلال الإسرائيلي تصريحا لها لدخول إسرائيل، وزيارة ابنها في المستشفى المعتقل فيه، وحملت أمتعتها من بيتها في دورا بالخليل (جنوب الضفة الغربية)، وبمساعدة بعض الشبان الذين يعرفون الثغرات في الجدار الفاصل اجتازته، لتقول عن ذلك "أعانك الله يا شعب فلسطين على ما تعيشه".

كادت تنهار عندما رأت ابنها (28 عاما) على سرير المستشفى للمرة الأولى منذ اعتقاله بداية أكتوبر/تشرين الأول 2020؛ وفقد كثيرا من وزنه، وأصبحت حالته الصحية غاية في الصعوبة، ولكنها تمالكت نفسها، وبدأت رفع معنوياته لدعمه في إضرابه المستمر عن الطعام لتحقيق حريته. وتقول عن هذه اللحظة للجزيرة نت "قلبي تقطّع عندما رأيته، وكدت أنهار، ولكن أردت دعمه في إضرابه كي يحقق انتصارا ويتحرر".

تفقدت الأم جسد ابنها المنهك، وبدأت قراءة القرآن والدعاء له عند رأسه وهو يلامس يديها. شعرت بحرارة شديدة داخل الغرفة؛ التي وصفتها بأنها أبعد ما تكون عن غرفة مستشفى، وهي أشبه بشرفة فيها نافذة مغلقة بقطعة بلاستيكية. تحركت في المحيط ووجدت أن هناك قرارا بعدم تشغيل مكيف الغرفة، دفعها ذلك لاستخدام مفتاح حديدي نزعت القطعة البلاستيكية وفتحت نافذة الغرفة ذات الحرارة العالية لتهويتها.

الأسير الغضنفر أبو عطوان المستمر في الإضراب عن الطعام في سجن"كابلن" الإسرائيلي (مواقع التواصل)

احتساب لله

بقيت أم الغضنفر 12 ساعة في زيارتها الأولى لنجلها، ولم يكن حديثها معه إلا دعما له في إضرابه، رغم علمها أن حالته الصحية تزداد سوءًا، وأن استمرار الإضراب سيؤثر على صحته مستقبلا، ولكنها قررت منذ بداية إضرابه أن تحتسبه لله تعالى، كما وصفت.

تقول والدة الأسير الغضنفر للجزيرة نت إنها رفضت في البداية إضراب ابنها؛ كونها عاشت معه في إضراب سابق عن الطعام استمر 28 يوما، وعاشت ويلات القلق والتوتر طوال ساعات الإضراب، وتصف ذلك قائلة "قلبي كان يتقطع كل يوم، ولكن بعد أن اقتنعت بأن إضرابه عن الطعام قد ينهي سياسة الاعتقال الإداري بحقه، ويحقق نصرا للمعتقلين إداريا وافقت على ذلك".

اعتقل الغضنفر 4 مرات، وبما مجموعه 6 سنوات ونصف السنة، أولاها في عمر 19 عاما، وكان حديث ضابط المخابرات الإسرائيلي الذي اعتقله في المرة الأخيرة مستفزا، عندما أخبره وقتها أنه سيحوله للاعتقال الإداري 6 أشهر ويزيدها 6 و6 أخرى؛ بحجة أنه "خطر على أمن إسرائيل".

ولكن الغضنفر، وبعد تجديد حكمه الأخير 6 أشهر أخرى قرر الدخول في معركة الأمعاء الخاوية، وأخبر إدارة السجن أنه إما أن يثبتوا عليه تهمة، أو أن يطلقوا سراحه، ولكنهم رفضوا الخيارين؛ مما دفعه لإعلان إضرابه، الذي رافقه عزل داخل السجن مباشرة.

شبح وضرب

تقول والدته للجزيرة نت إن نجلها تعرض للضرب المبرح والشبح والتنكيل، ونقل إلى عدة سجون وزنازين، وهو أمر لم يحصل مع أسير مضرب عن الطعام، وكان يستمر في كل مرة في الإضراب، رغم وضعه في زنازين تحت الأرض وصفها بأنها لا تصلح للحياة الآدمية.

استخدمت بحق الغضنفر ضغوط كثيرة؛ فشقيقه أصيب في حادث سير، ودخل عليه ضابط المخابرات وقال له "إن شقيقك بين الحياة والموت، ويجب أن توقف الإضراب"، ولكنه رغم القلق الشديد على شقيقه استمر، فاستفزهم ذلك، فضربوه.

قررت محكمة الاحتلال قبل عدة أيام تعليق اعتقاله الإداري، ولكن من دون الإفراج عنه أو تحديد موعد لذلك، ونقلوه إلى مشفى "كابلن" الإسرائيلي، ولكنه أراد الحرية. وأرادوا عندما سمحوا لأهله بزيارته أن ينهار، وأن يضغطوا عليه لفك إضرابه، ولكن ذلك لم يحصل.

وكان الأطباء في مشفى "كابلن" الإسرائيلي قالوا في بيان مقتضب بعد 56 يوما من إضرابه "إن الغضنفر يواجه 3 خيارات طبية؛ إما الإصابة بالشلل، أو مواجهة مشكلة صحية مزمنة يصعب حلها لاحقا، أو خطر الوفاة بشكل مفاجئ".

تصف كل ذلك والدته بالقول "إن الذي يصبرنا فقط الإيمان بالله وبنصره؛ فكيف لك أن تتخيل أمّا تنظر إلى ابنها يموت في كل لحظة، ولكنها الحرية؛ حريته وحرية شعبه الفلسطيني، الذي كتب الله عليه مجابهة هذا المحتل الغاصب للأرض، وندعو الله أن نكون من الصابرين لأن لنا الأجر والثواب".

المصدر : الجزيرة