أمامهن طريق طويل.. كيف غيرت المجندات طريقة عمل القوات المسلحة؟

نساء جنديات مشاركات مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (شترستوك)

لعبت الأمم المتحدة دورا رائدا في مناصرة المجندات، وقد تعهّدت بزيادة نسبة النساء في القوات العسكرية من 1% عام 1993 إلى 15% بحلول عام 2028، وفي وحدات الشرطة بحوالي 20%.

وفي عام 2019 قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "هذه المسألة ليست مجرد مسألة أرقام، ولكن تتعلق بفعاليتهن في تنفيذ المهام الموكَّلة لهن".

وقالت مجلة "إيكونوميست" (economist) البريطانية إن راشيل غرايمز خدمت في أيرلندا الشمالية ضابطة في الجيش البريطاني. ومنذ انضمامها، لاحظ زملاؤها في شرطة أولستر الملكية أن الكثير من الأمور تغيّرت، وكانت المرأة الوحيدة في الفريق.

وقد تغير سلوك الفريق منذ انضمام راشيل غرايمز؛ حيث تصرف زملاؤها الجنود بمزيد من ضبط النفس. وعند نقاط التفتيش كان السكان المحليون يقفون لفترة أطول مع الجنود. وأكدت غرايمز أنه عندما عملت مستشارة معنية بالشؤون النسائية لقوات الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ شاهدت نساء وأطفالا يتجمعون على أطراف إحدى القرى؛ حيث كانوا من ضحايا الاغتصاب الذين طردتهم مجتمعاتهم، إذ لطالما كان يرتكب فيها الجنود جرائم الاغتصاب.

وفقا لغرايمز، فإن "آخر شيء تريد امرأة كونغولية رؤيته هو رجل يرتدي الزي العسكري رغم أنها تنظر بشكل مختلف للجنديات".

مجندات في الجيش

وذكرت المجلة أنه بين عامي 1957 و1989 عملت 20 امرأة فقط جنديات في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لكن عدد المجندات تزايد مؤخرا، حيث تشكل النساء خُمس الضباط في الجيش الأميركي في الوقت الراهن. وفي 16 دولة -بما في ذلك بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة- بات يُسمح لهن بتولي أدوار قتالية كانت في يوم من الأيام حكرا على الرجال.

وأكدت المجلة أنه تم إرسال 103 نساء هنديات إلى ليبيريا في عام 2007؛ ليكنَّ أول وحدة شرطة نسائية بالكامل. وفي وقت لاحق، نُشرت وحدات شرطة نسائية بالكامل من بنغلاديش في هايتي والكونغو.

وفي الحروب الحديثة، عندما تتفاعل قوى يهيمن عليها الذكور مع النساء؛ غالبا ما تتّخذ الأحداث منعرجا سيئا. وفي عام 2011، أجرى الجيش الأميركي دراسة أشارت إلى أن المجندات الأميركيات "كان يُنظر إليهن على أنهن يتمتعن بمواقف أفضل ويحترمن أكثر حرمة النساء".

وقالت الكابتن ليزي ميلواتر -الضابطة البريطانية التي تقدم المشورة لبعثة الأمم المتحدة في مالي- "كونكِ مجندة يعني أنه يمكنك التعامل مع النساء والأطفال دون أن يُنظر إليك على أنك تشكّلين تهديدا لهن".

جنديات في القوات المسلحة الماليزية المشاركة مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (الأوروبية)

سيدتي، نعم سيدتي

تقول غريتشن بالدوين -من معهد السلام الدولي في نيويورك- إن الضغط لتوظيف المزيد من جنديات حفظ السلام دون التعامل مع القضايا التي تمنعهن من أداء وظائفهن بشكل جيد يمكن أن يشكل خطرا على كل من النساء والبعثة؛ ففي حال ظل وجودهن يقتصر على ملء المقعد فحسب، سيستمر الرجال -الذين تم نشرهم معهن- في معاملتهن على أنهن مجرد رموز، لا يصلحن للمشاركة في القتال.

ووجدت جورجينا هولمز -من كلية "كينجز كوليدج لندن" (Kings College London)- أن جنديات حفظ سلام من رواندا أُرسلن إلى دارفور قُلن بعد ذلك أنهن عانين من التوتر والإجهاد نظرا لأنهن لم يتلقين تدريبا كافيا للتعامل مع ضحايا العنف الجنسي.

أدوار قتالية

أظهر استطلاع للرأي -شمل القوات الأميركية والمحاربين القدامى وأُجري خلال يناير/كانون الثاني عام 2019- أن 70% منهم يوافقون على مشاركة النساء في أدوار قتالية، في حين أن 30% يرفضون ذلك. ونقلا عن أحد الضباط الأوربيين، يشكك زملاؤه الرجال في مدى فعالية الجهود المبذولة لزيادة عدد النساء في قوات حفظ السلام. وفي الواقع، غالبا ما تصبح هذه الجهود -الرامية لإحداث تغيير حقيقي- رهينة حروب ثقافية واسعة النطاق.

وتعد كندا من الدول التي حققت أداء جيدا بشكل خاص، حيث أشارت دراسة الجيش الأميركي نفسها -التي ركزت على سوء معاملة القوات الأميركية للنساء الأفغانيات- إلى أن القوات الكندية "محترمة وتعامل الآخرين باحترام أكثر". ويعكس ذلك ثقافة عسكرية أوسع نطاقا تم فيها التعامل مع القضايا الإنسانية على محمل الجد.

ولأكثر من عقد من الزمان، اتبعت الحكومة الكندية أسلوبا يحمل اسما غير مألوف وهو "التحليل القائم على النوع الاجتماعي"، والذي يتطلب تقييم كيفية تأثير أي سياسة أو مبادرة على الرجال والنساء بشكل مختلف. وأسهم هذا الأسلوب في عدد من التغييرات، وذلك وفقا لأقوال ليزا فانديهي التي تقود "مديرية المساواة بين الجنسين والتحليل متعدد الجوانب" في وزارة الدفاع الكندية.

جندية في قوات حفظ سلام في البحرية الماليزية التابعة اللأمم المتحدة (الأوروبية)

تغييرات تناسب المرأة

وأعادت البحرية الكندية مؤخرا تصميم زي العمل الخاص بها للتأكد من أنها تناسب النساء بشكل أفضل. كذلك تبحث القوات الجوية عن كيفية تعديل مقاعد الطرد على طائرات التدريب لخفض الحد الأدنى لوزن الجسم المطلوب للاستخدام الآمن، ويتم الآن تصميم طائرات أخرى مع أخذ قياسات جسم المرأة بعين الاعتبار. وتشير فانديهي إلى أنه حتى أجهزة الكشف عن الأسلحة الكيميائية -التي تم تصميمها وفقا لأجسام الرجال الثقيلة- هي قيد الفحص لمعرفة ما إذا كانت بحاجة للتغيير.

ولا يعد تغيير قيم المؤسسات المحافظة التي يهيمن عليها الذكور -كما هو الحال عادة في القوات المسلحة- بالأمر السهل. ومن جانبها، أشارت كريستين لوند -التي عملت رئيسة لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة وقادت بعثتها في قبرص- إلى أنه مع ارتفاع عدد المجندات سيتعيّن على المزيد من الدول معالجة هذا النوع من التحيز المؤسسي على أساس الجنس.

ولم تعد الجيوش الحديثة تعتمد على القوة الجسدية وحدها، وإنما تحتاج أيضا إلى قوات متمرسة في مجال التكنولوجيا وقادرة على الإبحار في ساحات القتال المعقدة. وبالإضافة إلى ذلك، تعدّ القوات بحاجة لإدخال بعض التغييرات حتى تتمكن المرأة من تقديم الخدمة على قدم المساواة مع الرجل.

المصدر : إيكونوميست