"على قدر حلمك تتسع الأرض".. ما أمنيات أسرى نفق الحرية الستة؟

في رسائلهم القصيرة عبر المحامين، كان الأسرى الستة يتحدثون عن الفرصة التي أتيحت لهم في أيام قصيرة لرؤية أطفال أو تناول فواكه صيفية كالصبر والتين، لم يسمح لهم بتناولها منذ سنين طويلة، أو عن سعيهم إلى لقاء أمهاتهم وعائلاتهم

02 فادي العصا/ رسمة كاريكاتورية رسمها سائد نجم ونن نصور معه للأسرى الستة الذي انتزعوا حريتهم سجن جلبوع الإسرائيلي، ويشبههم كأنهم انتزعوا شمس الحرية بمعلقة/بيت لحم/ جنوب الضفة الغربية المحتلة.
رسم كاريكاتوري للأسرى الستة الذي انتزعوا حريتهم من سجن جلبوع الإسرائيلي قبل أن يعاد اعتقالهم (الجزيرة)

القدس المحتلة – "على قدر حلمك تتسع الأرض".. قالها الشاعر الفلسطيني محمود درويش يوما، ولم يخطر بباله أن يحلم 6 أسرى من محافظة جنين (شمالي فلسطين) بالحرية ويتسع لهم النفق وظاهر الأرض لأيام وإن كانت معدودة، كان حلمهم معجزة ممتنعة لدرجة أن "الأرض لم تسعهم من الفرحة" حرفيا!

وحين تُسلب الحرية لأكثر من 20 عاما، يغدو حلم المرء بسيطا لدرجة أن يمتلك الدنيا إن مشى بدون قيود أو نظر إلى السماء بدون حجاب، أو حتى تذوق ثمرة وقبل طفلا.

وبعد نجاح عملية تحرر الأسرى الفلسطينيين الستة (محمود ومحمد عارضة، ويعقوب قادري، وزكريا زبيدي، ومناضل نفيعات وأيهم كممجي)، تنامى الفضول في أذهان محبيهم حول كل ما يتعلق بهم وبأحلامهم.

الأسير الفلسطيني يعقوب قادري (الثاني من اليسار) في محكمة الصلح الإسرائيلية بمدينة الناصرة بعدما أعيد اعتقاله (رويترز)

يعقوب يحلم بأطفال يعقبونه

أكبرهم عمرا يعقوب قادري (49 عاما) بدأ مشوار الأسر من عمر الـ18، وحكم عليه عام 2003 بالسجن مدى الحياة. يقول شقيقه أيوب -للجزيرة نت- إنه كان يتأمل على الدوام صفقة تحرره من قيده، وحلم العودة إلى قريته "المنسي" (قضاء حيفا) التي هجر منها والده، حتى استطاع مؤخرا تحرير نفسه بنفسه، والسير على مئات الدونمات التي تعود لعائلته في قريته الأم.

تحدث يعقوب -بعد اعتقاله- عن تحرره قائلا "أجمل 5 أيام في حياتي رؤية فلسطين، لن أنساها أبدا، هو حلم وتحقق، أكلت التين والبوملي والبرتقال الأخضر، رأيت أطفالا بجانب أهليهم لأول مرة منذ 22 عاما.. قبلتهم واحتضنتهم".

قبّلهم يعقوب لأنه كان يحب الأطفال كثيرا ويتلهف لإنجاب طفل يسميه عاهد، فهو يكنى بأبي عاهد، كما قال لنا شقيقه الذي أضاف "حلمه الأكبر بعد الحرية كان الزواج وإنشاء أسرة، حتى إنه خاصمنا مرة لأننا لم نؤيد فكرة تزويجه وهو داخل السجن".

بعد اليوم، يمتلك يعقوب مؤهلات كثيرة لترتضيه فتيات فلسطين زوجا؛ فقد أكمل الدراسات العليا (الماجستير)، وسجّل اسمه في التاريخ!

جدارية للأسيرين محمود عارضة وزكريا الزبيدي (الجزيرة)

محمود يحلم أن يجلب العسل لأمه

قبل 8 سنوات ألح محمود عارضة (45 عاما) على عائلته أن تجلب له جورب الطفلة أسينات (ابنة أخيه رائد)، طلب منهم أن يحضروه بعد أن ترتديه ليشتم رائحتها كلما اشتاق، فهي الحفيدة التي جاءت بعد انتظار 7 سنوات. ارتدى محمود ذلك الجورب الرمادي ليرافقه في انتصاره التاريخي، ويكون درس عزة لا يُنسى للفتاة التي بلغت العاشرة من عمرها.

سألنا باسمة عارضة عن أحلام شقيقها محمود، فقالت لنا إنها لم تلتقيه منذ 30 عاما، لكنها اختصرت ما يحب قائلة "يحب كل شيء، هادئ، طيب القلب حنون، حافظ للقرآن وقارئ نهم".

اعتُقل محمود وهو على مقاعد الدراسة في عمر الـ15، فأكمل دراسته داخل السجن وتخصص في أصول الفقه الإسلامي، وألف كتاب "الرواحل"، وكان بصدد إتمام كتاب "حركة الجهاد الإسلامي، فكر وعقيدة" لكن قوات الاحتلال صادرت كتاباته.

كان يحلم محمود بلقاء والده لكنه توفي وهو في الأسر عام 1993. وبعد ألم فقدان والده، حلم بلقاء أمه وجلب معه أثناء هروبه علبة عسل قرأ عليها القرآن كاملا، لتدهنها على جسدها الذي أنهكه مرض "الحزام الناري"، ونقل لها رسالة -بعد اعتقاله- يقول فيها "حاولت المجيء لأعانقك قبل أن تغادري الدنيا، لكن الله قدر لنا غير ذلك، أنت في القلب والوجدان، وأبشرك بأني أكلت التين من طول البلاد والصبر والرمان، وأكلت المعروف والسماك والزعتر البري وأكلت الجوافة بعد حرمان 25 عاما، وكان في جعبتي علبة العسل هدية لك".

لمحمود 11 شقيقا، منهم أحمد ورداد اللذان سجنا 20 عاما، وشداد وهدى 3 سنوات. كما أنه حاول الهروب مرتين سابقا، وفي محكمته الأخيرة تبسم متهكما وهو يقول لسجانه "سأهرب مرة رابعة".

محمد يحلم أن يمشي بدون قيود

محمد عارضة (39 عاما) ابن عم محمود عارضة، كان يحلم أن يمشي بلا قيود أو حدود، وكان له ذلك حين حرر نفسه، فقال لشقيقه باسم حين التقاه -بعد اعتقاله- "أنا مشيت يا أخوي"، وذلك بعد 22 عاما في الأسر حال الشباك خلالها بينه وبين السماء، ولم تصل أشعة الشمس إليه إلا بحائل.

كما نقل محامي محمد عنه قائلا إنه كان فرحا بجولته في الأراضي المحتلة عام 1948، كما أن التفاصيل البسيطة التي شاهدها عوضته عن سنوات الأسر الطويلة، إذ إنه أكل ثمار الصبر (التين الشوكي) لأول مرة منذ 22 عاما من أحد الحقول في سهل مرج ابن عامر شمالي فلسطين.

زكريا الزبيدي - القيادي في فتح
اعتقل زكريا عام 2019 وهو يضع اللمسات الأخيرة في رسالة الماجستير بعنوان "الصياد والتنين" (الجزيرة)

زكريا يحلم أن يكمل رسالة الماجستير

زكريا زبيدي (45 عاما) هو المتزوج الوحيد بين الأسرى الستة، وهرب من أسره ليحضن أطفاله الثلاثة؛ محمد (17 عاما) وسميرة (15عاما) وأيهم (10 أعوام)، حيث كان يحلم أن يربيهم في بيئة آمنة ودولة مستقلة، كما حدثنا شقيقه يحيى، فقد عانى منذ طفولته الخوف وفقدان الأحبة؛ فوالده المدرس اعتقله الاحتلال وعذبه ومنعه من العلاج حتى مات متأثرا بالسرطان، ووالدته وشقيقه طه استشهدا برصاص الاحتلال، وأشقاؤه داوود ويحيى وجبريل قضوا أكثر من 15 عاما في الأسر.

اعتقل زكريا عام 2019، وهو يضع اللمسات الأخيرة في رسالة الماجستير بعنوان "الصياد والتنين"، فحلم وأصر أن يكملها ولو عبر تسجيل صوتي من داخل السجن، وحدد موعدا مع جامعته في ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويقول شقيقه للجزيرة نت "أرجو أن يستطيع عرض رسالته، أوصانا قبل هروبه أن نترك آخر 3 أسطر من الرسالة فارغة، مبررا أن التنين سيكتبها، وحين هرب فهمت مقصده؛ فالتنين انتصر على الصياد في النهاية".

الأسير ايهم كممجي ووالده بجانبه -الصورة مرسلة من والد الاسير للجزيرة نت 2
صورة للأسير أيهم كممجي ووالده بجانبه (الجزيرة نت)

أيهم يحلم برائحة أمه ونكهة طعامها

مثل زكريا، رحلت والدة أيهم كممجي (32 عاما) من دون أن يستطيع وداعها، ولم يملك إلا أن يطلب من والده وضع سماعة الهاتف على أذن أمه المتوفاة ليهمس له مودعا. أسماه والده أيهم -أي الشاب المقدام والجبل الشامخ- فكان له من اسمه نصيب.

يقول والده فؤاد كمنجي للجزيرة نت "حلم أيهم بالحرية دائما، فقد اعتقل في عمر الـ17، وحكم بالسجن مدى الحياة، وباتت أقصى أمانيه أن يتذوق طعام أمه، ويقبّل يديها ويشتم رائحتها".

وأضاف مستذكرا بطله "علمت أيهم منذ طفولته مخافة الله وحب الأرض، كان متفوقا في دراسته، وأتمّ الثانوية العامة والبكالوريوس والماجستير في الأسر، إنه حافظ لكتاب الله وشاعر أيضا".

يحلم بغفوة أو شربة ماء

نامت عائلة مناضل نفيعات (26 عاما) من السهر والإرهاق، بعد ليلة ترقب وقلق طويلة، علموا في نهايتها بنبأ اعتقال نجلهم ورفيقه أيهم كممجي اللذين استطاعا التخفي 13 يوما بعد تحررهما.

لم نستطع -حتى اللحظة- الحديث إليهم لنعلم أحلام مناضل الذي سموه اسما يليق به، لكننا متيقنون أنه يحلم الآن أسوة بزملائه الخمسة في أقبية التحقيق، بغفوة سريعة أو شربة ماء، بعد ساعات طويلة من التعذيب النفسي والجسدي، الذي أفصح عنه المحامون وكشفته الهالات السوداء حول أعينهم المحمرّة.

المصدر : الجزيرة