السودان.. جذور وأسباب خلافات الجيش والدعم السريع

وقد ذكرت وكالة السودان للأنباء أن تعزيزات من الجيش وقوات الدعم السريع وصلت ولاية كسلا شرقي السودان في إطار ما وُصف بالاستنفار والجاهزية لتأمين البلاد.
عناصر من الجيش السوداني (الجزيرة)

يدور جدل كثيف بالسودان حول الخلافات التي تصاعدت بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وبدا كأنه سجال ومقدمة تراشق كلامي بين رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وبين الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع، عندما تحولت منابر الخطب لكليهما إلى إعلان مواقف وتحديد وجهات سياسية واختيار والتقاط حلفاء من بين القوى السياسية المدنية.

ثم دخل على الخط أعضاء في المجلس السيادي من العسكريين نادوا بضرورة دمج قوات الدعم السريع في الجيش، كما جاء في اتفاق جوبا للسلام وللوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019 والاتفاق الطارئ الذي وقّع في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022.

الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع ليس جديدا، فمنذ تأسيس هذه القوات في أبريل/نيسان 2013 كان للجيش تحفظاته ورفع هذه التحفظات للرئيس السابق عمر البشير الذي قرر تكوين قوات مساندة لتقوم بواجبات أمنية وعسكرية محددة في إطار أسلوب الحرب الخفيفة لمواجهة حركات التمرد بغربي السودان في دارفور وجنوب كردفان، وكانت تحفظات الجيش حول طبيعة هذه القوات وانضباطها وانغماس أفرادها في الصراعات المحلية خاصة القبلية، وللجيش تجربة سابقة مع قوات "حرس الحدود" في 2003، ثم تم دمجها فيما بعد في القوات المسلحة وتصفيتها.

نتيجة لتحفظات الجيش لهذه القوات الجديدة المساندة له، أصدر البشير قرارا بإلحاق هذه القوات لإدارة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات، لكن الجيش ظل يقود ويخطط ويوجه العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الدعم السريع، ثم شارك السودان في حرب اليمن بقوات متنوعة من بينها الدعم السريع، ثم صدر قانون خاص بهذه القوات في 2017، وصار للدعم السريع كيان خاص به رغم تبعيته في القانون كفصيل للقوات المسلحة، لكنه يأتمر فقط بأمر القائد الأعلى للجيش وهو الرئيس البشير، وألحقوا بمكتبه، لكن تحفظات الجيش وخلافاته ظلت قائمة.

نسجت قوات الدعم السريع علاقات أفقية ورأسية في السودان وفي بعض دول الخليج (الإمارات والسعودية)، وأقامت علاقات تدريب وتعاون تعديني مع فاغنر الروسية، وأصبحت ذات عائدات ضخمة ومواد لا تحصى من المتاجرة في الذهب ومعادن أخرى، بالإضافة إلى عائدات الحرب في اليمن.

في أبريل/نيسان 2019 كانت قوات الدعم السريع في مقدمة منفذي الانقلاب ضد البشير، وصار قائد الدعم السريع نائبا لرئيس المجلس العسكري ثم مجلس السيادة، وأصبحت هذه القوات مؤسسة ضخمة ذات موارد مالية هائلة ومركز ثقل عسكري وسياسي، لكن الخلافات غير المعلنة ثارت من جديد بين الجانبين في محاولة السيطرة على إدارة الدولة والتسابق نحو تنفيذ الأجندات الخارجية من الحلفاء بالخارج.

تجلى الخلاف بعد خطاب البرهان في الرابع من يوليو/تموز 2022 الذي التزم فيه بخروج المؤسسة العسكرية من السياسة، وربما لم تكن طموحات الدعم السريع هو الخروج المتعجل من العملية السياسية والاندماج سريعا في الجيش، اختار قائد الدعم السريع التحالف مع تحالف الحرية والتغيير-المجلس المركزي، وهو التحالف المدني المؤيد للغرب، وتدعمه الإمارات العربية المتحدة، ويضم 3 أحزاب، منها حزب واحد فقط له شعبية مقدرة هو حزب الأمة القومي، ولهذا التحالف أهدافه ومراميه، منها إعادة هيكلة الجيش وفق الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه نهاية عام 2022.

بتحالف قائد الدعم السريع مع حلفائه المدنيين، تباعدت الخطى بينه وبين الجيش، وثارت ثائرة الجيش الذي كان يغلي منذ 2019 ويحتج على تدخلات الدعم السريع في شؤون القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى، وظهر للعلن الخلاف الذي ظل مكتوما لسنوات، وتتضافر عوامل داخلية وخارجية في هذا الخلاف وتوجد حالة استقطابات حادة تجري الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.