ترامب والعودة للبيت الأبيض عام 2024

Former U.S. President Donald Trump at the North Carolina GOP convention dinner in Greenville
الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب (رويترز)

لا ينكر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رغبته في العودة للبيت الأبيض، وعزمه خوض انتخابات عام 2024. وأكد ترامب أن السبب الوحيد الذي قد يحول دون خوضه السباق الرئاسي هو "مكالمة سيئة من طبيب أو شيء من هذا القبيل، قد يمنعني من ذلك".

ولا تمنع القوانين الأميركية رئيسا سابقا لفترة واحدة من خوض السباق الرئاسي مرة أخرى، وقد حدث ذلك مع الرئيس السابق غروفر كليفلاند في نهايات القرن التاسع عشر. فقد فاز كليفلاند بانتخابات عام 1884 وحكم حتى بداية عام 1889، وكان الرئيس 22 للولايات المتحدة، ثم هُزم في الانتخابات التي جرت في نهاية 1888، وغادر البيت الأبيض، ثم عاد وفاز في انتخابات عام 1892 لينصب الرئيس 24 للولايات المتحدة.

مغزى رسالة ترامب الموجهة إلى الجمهوريين هي أنهم إذا لم يعلنوا ويكرروا أنه فاز في الانتخابات الأخيرة، فإنه سيعمل على خسارة الحزب الجمهوري انتخابات الكونغرس القادمة

وتتوقف احتمالات عودة ترامب للبيت الأبيض على 3 عوامل توحي كلها بعودته وربما فوزه بها، في حين يبقى هناك عامل غامض لم تتضح أبعاده بعد ويتعلق بالقضايا المرفوعة ضد ترامب، ونتائج الحكم المتوقع فيها على حقه في دخول الانتخابات القادمة.

وبالنسبة لأول العوامل الدافعة لعودة ترامب ما يتعلق برغبته الشخصية في المنصب من جديد، وربما الانتقام لهزيمته في الانتخابات الأخيرة. وأثارت زيارة ترامب قبل أيام إلى ولاية آيوا المزيد من التكهنات المتعلقة باستعداده لخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة من أجل العودة إلى البيت الأبيض عام 2024. ولولاية آيوا مكانة خاصة، كونها مقر الانتخابات التمهيدية للحزبين في السباق الرئاسي، ويمنح الفوز بها المرشح دفعة قوية للحصول على بطاقة الحزب للترشيح للرئاسة.

وتحدث ترامب أمام جمع متحمس من مؤيديه لما يقرب من الساعتين، وهاجم كل مواقف الرئيس جو بايدن، واتهمه بأنه يقود أميركيا إلى الهاوية، وأعاد وأكد إنكار هزيمته في الانتخابات الأخيرة.

وهدد ترامب بصورة مبطنة الجمهوريين، وقال إنه إذا لم تُحل مشكلة تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020 (وهو يدعي توثيق ذلك)، فإن الجمهوريين لن يصوتوا في انتخابات الكونغرس العام القادم.

ومغزى رسالة ترامب الموجهة إلى الجمهوريين هي أنهم إذا لم يعلنوا ويكرروا أنه فاز في الانتخابات الأخيرة، فإنه سيعمل على خسارة الحزب الجمهوري انتخابات الكونغرس القادمة.

وكان ترامب قد طالب الناخبين الجمهوريين بعدم التصويت في انتخابات الإعادة على مقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا، بعد إعلان فوز بايدن بالانتخابات. وقال ترامب للناخبين الجمهوريين لا تصوتوا في انتخابات مزورة، وكلف ذاك الجمهوريين أغلبية مجلس الشيوخ، إذ فاز الديمقراطيون بمقعدي الولاية في سابقة تاريخية، وهو ما مكنهم من الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ.

وتشكل انتخابات عام 2022 فرصة للحزب الجمهوري لاستعادة السيطرة على الكونغرس، أو أحد مجلسيه على الأقل، لعرقلة الأجندة التقدمية المثيرة للانقسام خاصة في المجال الاقتصادي والاجتماعي.

ثاني العوامل الدافعة لعودة ترامب ترتبط بغياب أي منافسة جادة أو وجود تحديات كبيرة أمامه بين الجمهوريين الطامحين لخوض انتخابات عام 2024. ولا توجد أي قيادة جمهورية تقترب شعبيتها من شعبية ترامب، على الرغم من دوره في اقتحام مبنى الكابيتول، وحظره على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يملك أي من الجمهوريين ممن لهم طموحات رئاسية، الشجاعة بعد لإعلان رغبتهم خوض الانتخابات، وينتظرون موقف ترامب نفسه من خوض انتخابات 2024.

وبالفعل، عبر وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وحاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتوس، وسفيرة أميركا السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، ومايك بنس النائب السابق للرئيس ترامب، عن نيتهم خوض الانتخابات إذا لم يترشح لها ترامب.

ولا ينافس أي جمهوري آخر ترامب في حجم شعبيته الطاغية بين أوساط الناخبين الجمهوريين. وعلى الرغم من محاولات ترامب وفريقه استخدام القضاء لتغيير نتيجة انتخابات عام 2020، وفشل 62 قضية رفعها للتشكيك في مصداقية الانتخابات وأنه جرى تزويرها، يؤمن 70% من الناخبين الجمهوريين أن الانتخابات جرى تزويرها لإلحاق الهزيمة بترامب.

من هنا، لا يملك ترامب إلا التمسك بإنكار هزيمته في الانتخابات الماضية، ويعد ذلك أهم ما يملكه ترامب أمام أي رغبة لمرشحين آخرين لمنافسته على بطاقة الحزب الجمهوري، إذ إنها تغذي مقولة إن "ترامب لم يُهزم".

ولا يعني ذلك غياب المعارضة أمام ترامب، فبعض القيادات التقليدية في الحزب الجمهوري تنشط في حملات لجمع الأموال للوقوف في وجه ترامب من ناحية، ومن ناحية أخرى دعم أعضاء الكونغرس ممن يتربص بهم ترامب لدعمهم محاولة محاكمته وعزله لمسؤوليته عن عملية اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني الماضي. ومن هؤلاء جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب، إذ يقود حملة جمع تبرعات لدعم النائبة ليز تشيني في انتخابات مجلس النواب العام القادم.

ويؤكد ترامب عدم وجود نية عنده للانفصال عن الجمهوريين أو تأسيس حزب سياسي جديد، كما توقع بعض المعلقين، ويصف ترامب الحزب الجمهوري بأنه موحد. ويشير المرشحون الجمهوريون في انتخابات الكونغرس القادمة بفخر إلى سياسات "أميركا أولا" التي روج لها الرئيس السابق في أجندة العمل السياسي، على الرغم من خروج ترامب من البيت الأبيض، ويكررون أن هناك أكثر من 74 مليون ناخب جمهوري صوتوا لترامب.

ثالث وآخر العوامل الدافعة لعودة ترامب، تتعلق بالتراجع الواسع في شعبية الرئيس بايدن، ووصول نسبة الرضا عن سياساته إلى ما دون 50%. وتعد هذه النسبة شديدة السوء لرئيس خلال عامه الأول في البيت الأبيض.

وساهمت مواقف بايدن وإدارته لأزمة تفشي وانتشار وباء كوفيد-19، والسياسات الاقتصادية وفوضى الانسحاب من أفغانستان، إضافة لسياسة التعاطي مع المهاجرين على الحدود الأميركية الجنوبية، في انخفاض شعبيته.

ولا يمتلك الحزب الديمقراطي أي مرشحين من العيار الثقيل، ومع ارتفاع عمر الرئيس بايدن الذي سيتخطى الثمانين عند حلول الانتخابات القادمة، وعدم جاذبية نائبة الرئيس كامالا هاريس وتواريها عن الأنظار بصورة لافتة، سيشهد الديمقراطيون معركة تكسير عظام على بطاقة الحزب للانتخابات القادمة، يستفيد منها بصورة غير مباشرة دونالد ترامب.

في النهاية، سيبلغ ترامب من العمر 78 عاما عند حلول موعد الانتخابات القادمة، وقد يصبح عمره وصحته عاملان مهمان يساهمان في قراراه، لكن علينا ألا نستبعد عودته مرة ثانية للبيت الأبيض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.