في "اليوم العالمي للمرأة في الهندسة".. مهندسات يرفضن تقييد إبداعاتهن بدعوى الموروث الاجتماعي

هناك مجموعة من المعوقات تقف وراء ضعف التمثيل النسائي في ممارسة الهندسة وخاصة الجانب الميداني، أهمها العادات والتقاليد في المجتمعات العربية.

احتفالية اليوم العالمي للمرأة المهندسة تسلط الضوء على التحديات بهذا المجال (الجزيرة)

الدوحة- لا تزال بعض الموروثات الاجتماعية تقف حائلا أمام انخراط الكثير من السيدات والفتيات في العديد من المهن الميدانية، هو ما تسبب في انخفاض نسبة المشاركة النسائية في بعض مجالات الهندسة بصرف النظر عما تمتاز به المرأة من مؤهلات ومهارات.

فرغم أن نسبة النساء من خريجي كليات الهندسة في العالم العربي تصل إلى 54 %، فإن حظوظهن في العمل الميداني لا تتعدى 5 %، في حين يستحوذ الرجال على 95% من فرص العمل، وهذا يعود لعدة معوقات تقف حائلا أمام المهندسات في الحصول على العمل الميداني واتجاههن فقط إلى المجال الهندسي المكتبي.

وخلال احتفالية نظمتها مجموعة المهندسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -في العاصمة القطرية الدوحة- بمناسبة "اليوم العالمي للمرأة في الهندسة" سلط المشاركون الضوء على الآليات التي تضمن حصول المهندسات على نصيب مناسب من العمل الميداني إضافة إلى أهمية الاعتراف بإنجازات المرأة وتعزيز التنوع والإنصاف والشمول.

فرحات تؤكد ضرورة تشريع قوانين وتحسين بيئات العمل للتغلب على المعوقات التي تواجه المرأة (الجزيرة)

تمثيل ضعيف

وقالت رئيسة جمعية المهندسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتورة حنان فرحات إن هناك الكثير من المعوقات التي تقف وراء ضعف التمثيل النسائي في ممارسة الهندسة وخاصة الجانب الميداني منها، ومن أهمها العادات والتقاليد في مجتمعاتنا العربية التي ترفض وجود المرأة في قطاعات خاضعة بشكل شبه كامل للرجال.

وتشير فرحات -في حديث للجزيرة نت- إلى أن هذه الموروثات رسخت فكرة أن المرأة لا تستطيع ممارسة مثل هذه المهن الصعبة أو التي يسيطر عليها الرجال، فضلا عن أن أماكن العمل في مجالات الهندسة مصممة لهم فقط مما يساهم في تقليل فرص العمل للمرأة.

وتكشف أن الكثير من المهندسات اضطررن إلى الاتجاه لمجالات مثل تصنيع المنتجات أو تسويقها من أجل التغلب على المعوقات التي يواجهنها.

وترى رئيسة جمعية المهندسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنه للتغلب على هذه المعوقات يجب تشريع قوانين واتخاذ إجراءات تحسن من بيئات العمل وتجعلها جاذبة للمرأة، وهو ما تفتقده الكثير من مجتمعاتنا العربية رغم وجود القوانين الخاصة بهذا الشأن.

وتشدد على أن المرأة بإمكانها العمل في أي مكان طالما توافرت فيها المؤهلات وحافظت على عاداتها وتقاليدها، لكن في الوقت نفسه مطلوب من المجتمع أن يغير نظرته ويسلط الضوء على النماذج النسائية التي ساهمت في تقديم الانجازات.

إقبال كبير على دراسة الهندسة رغم الصعوبات التي تواجه النساء في سوق العمل (الجزيرة)

إصدار تشريعات

وتوضح فرحات أنه من أجل حصول المهندسات على نسبة عادلة في الوظائف فإنه يتعين إصدار تشريعات تلزم الشركات وأصحاب الأعمال بتعيين نسبة معينة من النساء، معربة عن أملها في ارتفاع نسبة عمل المهندسات في مجتمعاتنا العربية لتصل إلى 30% من القوة العاملة في مجالات الهندسة بحلول 2030.

ورغم المعوقات التي تواجه الفتيات والسيدات في سوق العمل، فإن الإقبال على الالتحاق بكليات الهندسة ومثيلاتها في العالم العربي كبير، وتبرر رئيسة جمعية المهندسات القطريات إقبال عدد كبير من العربيات على دراسة الهندسة والعلوم والرياضيات لأن هذه المجالات ممتعة وينظر النساء إليها باعتبارها نوعا من التحدي.

وتتابع أن التكنولوجيا الرقمية سهلت الدخول إلى هذه المجالات والإبداع فيها، لكن المشكلة تبدأ عند الوصول إلى سوق العمل وامتناع الكثير من الشركات عن توظيف النساء بسبب التزامات المرأة الأسرية ورعاية أطفالها.

وتختم بأن المهندسات يمتلكن القدرة على تغيير الوضع عبر القيام بمزيد من الجهود، مشيرة إلى أنه من أجل هذا أسست العديد من المجموعات مثل "مجموعة النساء المهندسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" بغرض مساعدة النساء لتطوير أنفسهن وتقديم وتبادل المعلومات باعتبارها السلاح الأقوى للتعرف على حقوقهن، إضافة إلى التواصل المستمر من أجل تبني وتأهيل كوادر جديدة لأسواق العمل.

القطرية سارة أحمد تقول إنها تمارس مهنة الهندسة باعتبارها مغامرة (الجزيرة)

مواجهة الصعوبات

من جانبها تقول المهندسة القطرية سارة أحمد -التي تعمل بإحدى شركات النفط العالمية- إن ممارسة الهندسة ساهمت في صقل وبناء شخصيتها، ومكنتها من مواجهة الصعوبات من خلال التجارب التي اكتسبتها في مجال العمل.

وتقول للجزيرة نت إنه رغم معاناتها بعض الشيء بداية عملها فإنها استطاعت تجاوز ذلك بسرعة لرغبتها في إثبات ذاتها وتحقيق أهدافها دون النظر إلى أي معوقات، بل استطاعت الترقي في وظيفتها.

وتشير إلى أنها تمارس مهنة الهندسة باعتبارها مغامرة، وتنظر إلى المعوقات التي تواجهها بتحد وسعادة، قائلة إنه رغم معاناة العمل في الميدان فإن مشاركة عناصر نسائية يضفي على المهنة نوعا من التغيير ويهيئ لأجواء يسودها التعاطف والرأفة.

وتأمل سارة أن يتفهم أصحاب العمل الطبيعة المختلفة للمرأة وما تمتلكه من طريقة تفكير مغايرة للرجل، وهو ما قد يعود على العمل بمزيد من الفوائد والإبداع، كما أعربت عن امتنانها للكثير من الشركات التي راعت العادات والتقاليد واحترمت ثقافة المجتمع وهيأت الظروف المناسبة لعمل المهندسات دون اللجوء لتهميشهن أو حصرهن في أعمال مكتبية.

زليخة عبد الله تقول إن ممارستها للهندسة جعلتها متميزة في كل شيء (الجزيرة)

المجالات الصعبة

أما المهندسة القطرية زليخة عبد الله، فأكدت أنها منذ التحاقها بالعمل بإحدى شركات البترول العالمية وهي حريصة على تعلم كل شيء كي تثبت للجميع أن القطرية قادرة على اقتحام جميع المجالات الصعبة.

وقالت للجزيرة نت إن المهندسات القطريات نجحن في ممارسة تخصصات صعبة مثل هندسة البترول والإنشاءات والبنية التحتية، واستطعن مواجهة التحديات بكل جسارة.

ونوهت "زليخة" بالجهود التي تبذلها الحكومة القطرية من أجل تعزيز حضور المرأة المهندسة في مختلف المجالات، وتذليل التحديات أمامها، وتمكينها من الوصول إلى المراكز القيادية.

وأشارت إلى أن مهنة الهندسة جعلتها أكثر تميزا في كل شيء وأضافت لشخصيتها الكثير، مؤكدة أنها أصبحت الآن أكثر فخرا بمهنة الهندسة وتشجع البنات بقوة على الالتحاق بكليات الهندسة وعدم الاستسلام للموروثات الخاطئة التي تمنع التحاقهن بها.

يذكر أن "يوم المرأة في الهندسة" انطلق لأول مرة بالمملكة المتحدة في 23 يونيو/حزيران 2014 من قبل جمعية الهندسة النسائية (WES) للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 95 لتأسيسها.

ومنذ ذلك الوقت، نمت هذه الاحتفالية بشكل كبير على مدى السنوات اللاحقة لدرجة أنها حصلت على رعاية اليونسكو عام 2016. وعام 2017، أصبح "يوم المرأة في الهندسة" عالميا بسبب الاهتمام والحماس الذي أبداه الجمهور الدولي والمشاركون به خلال السنوات السابقة.

المصدر : الجزيرة