هل يبحث الأطفال عن المتاعب؟ كيف تحميهم من اندفاعهم نحو الخطر؟

الأبحاث تظهر أن المراهقين أكثر حذرًا مقارنة بأقرانهم الأصغر سنًّا (شترستوك)

منذ اليوم الأول لولادة الطفل، يولي الآباء الاهتمام الأكبر لحمايته من التعرض لأي خطر، بداية من حواف الطاولة والسقوط من الدرج، وصولا إلى مراحل من متقدمة من المخاطر المحتملة.

ومع فترة المراهقة، يصبح الآباء أيضًا متيقظين لمخاطر التدخين والعنف ومشكلات الصحة العقلية. لكن في النهاية، نحتاج جميعًا إلى أن نكون قادرين على تقييم المخاطر بأنفسنا حتى نتمكن من التنقل في العالم بأمان دون توجيه والدينا أو الأوصياء. لذا؛ ينبغي أن نعرف لماذا لا يدرك الأطفال المخاطر الرئيسية وكيف نحميهم منها؟

في هذا التقرير؛ يقدم موقع "فكرتورو" (FikirTuru) التركي بعض النصائح نقلاً عن مقالٍ للكاتب العلمي ديفيد روبسون نشره في "بي بي سي فيوتشر" (BBC Future).

يقول الكاتب إن علماء النفس حددوا سبب فشل الأطفال في التعرف على المخاطر الأساسية، وإن المراهقين يبدو أنهم مصممون على المقامرة بمستقبلهم لبضع دقائق من البحث عن الإثارة، والسبب الذي يمنع حتى البالغين من التعلم؛ هو عدم القدرة على تقييم المخاطر بشكل عقلاني. فكل مرحلة نمو تحتاج إلى نهج مختلف، لكن مع التوجيه الصحيح، من الممكن تعليم الأطفال والمراهقين وتطوير "كفاءة اتخاذ القرار" لديهم.

الأطفال يتعلمون بالتجربة

روبسون ذكر أن الأطفال يولدون بمعرفة فطرية قليلة حتى لأبسط المخاطر؛ وكما يعلم الكثير من الآباء من خلال التجربة المروعة، فإن الأطفال الذين يتعلمون الزحف سيحاولون دفع أنفسهم بعيدًا عن حافة السرير أو الكرسي المرتفع دون تردد للحظة. وتظهر الأبحاث هنا أن الخوف من المرتفعات هو مجرد تجربة؛ حيث يتعلم الأطفال إيلاء المزيد من الاهتمام لما يحيط بهم بمرور الوقت. فبعد أسابيع قليلة من الحركة المستقلة، على سبيل المثال؛ قد يبدأ الأطفال في إظهار علامات القلق، مثل تسارع ضربات القلب، عندما يرون سقوط شيء زجاجي على الأرض.

وأوضح الكاتب أن جميع الأطفال، في أغلب الأحيان، يتعرفون على الخطر بشكل غير مباشر من خلال ملاحظة تعابير الوجه ولغة الجسد للآخرين. ومع ذلك، فإن التعرف على الخطر بسهولة لا يكفي في كثير من الأحيان للحفاظ على سلامة الطفل. لأن عقولهم النامية قد لا تكون سريعة بما يكفي لاتخاذ رد الفعل المناسب للمشكلة التي يواجهونها.

وتظهر الأبحاث أننا لا نتعلم دمج حواسنا بشكل كامل، مثل البصر والسمع، حتى سن العاشرة. وهذا يجعل من الصعب اكتشاف، على سبيل المثال، اقتراب سرعة السيارة. بالإضافة إلى ذلك؛ يتشتت انتباه الأطفال بسهولة لأن أدمغتهم تتطور، وهذا يعني أنه يمكنهم نسيان الخطر المحتمل.

مثال آخر؛ عندما يتعلق الأمر بأشياء مثل السلامة على الطرق، يُنصح الآباء غالبًا بوضع إجراءات روتينية مثل النظر دائمًا إلى اليسار واليمين عدة مرات أو انتظار ظهور الضوء الأخضر قبل عبور الشارع، والممارسة المتكررة هنا تجعل هذه السلوكيات عادات بحيث يؤديها الطفل في النهاية دون الحاجة إلى تذكير مستمر.

توجيه الأبناء خلال فترة المراهقة قد يبدو معقدا إلى حد كبير (شترستوك)

البحث عن المتاعب؟

بحسب الكاتب؛ فإن توجيه الأبناء خلال فترة المراهقة قد يبدو معقدا إلى حد كبير، فمن المعروف أن دماغ المراهق يزيد من الحساسية للدوبامين، وهو ناقل عصبي متعلق بالمتعة والإثارة، وكان يُعتقد أن هذا يجعل المراهقين أكثر اندفاعًا من الأطفال الأصغر سنًّا؛ حيث يبحثون بنشاط عن المواقف الخطرة التي من شأنها أن تحقنهم بمزيد من الدوبامين، لكن التجارب المخبرية التي حاولت فحص العمليات الإدراكية المتضمنة في تقييم المخاطر كشفت أن هذا كان ظلمًا فادحًا للمراهقين.

فعلى عكس الفكرة القائلة إن المراهقين يخاطرون دائمًا، تُظهر مثل هذه الأبحاث أن المراهقين أكثر حذرًا مقارنة بأقرانهم الأصغر سنًّا؛ حيث يرى آيفي ديفو، الأستاذ المساعد بقسم تنمية الطفل والتعليم بجامعة أمستردام في هولندا، والذي نشر مؤخرًا دراسة علمية عن المخاطرة لدى المراهقين، أنّه "عندما نمنح المراهقين الفرصة لتجنب المجازفة، فإنهم في الواقع يختارون الخيار الآمن أكثر من الأطفال"، ووصل "ديفو" في بحثه إلى أن الشباب ليسوا بالضرورة مستعدين للتمرد.

تحديات الموت على شبكات التواصل الاجتماعي

في المقابل، كشفت منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة عن مجموعة من التحديات التي يتبعها المراهقون بهدف المنافسة والتسلية وتقليد الأقران، ورغم حالات الوفيات والآثار الخطيرة التي تعرض لها الكثيرون جراء تقليد تلك التحديات، فإن إدراك الأطفال والمراهقين لخطورتها لا يزال يحتاج إلى رقابة وتوجيه من الأبوين.

تبدو تحديات مواقع التواصل الاجتماعي، جذابة وممتعة للمراهقين، ووسيلة لجذب الأنظار إلى شجاعة وجرأة مزعومة، لجمع الإعجابات والتعليقات المرحة، حتى لو تعرضت حياتهم للخطر.

ويقول ميتشل برينشتاين، كبير مسؤولي العلوم في الجمعية الأميركية لعلم النفس، لموقع "يو إس توداي" (US TODAY) إن "الأطفال بطبيعتهم أكثر عرضة للتأثر بأقرانهم في سن المراهقة، وعملت وسائل التواصل الاجتماعي على تضخيم عمليات تأثير الأقران هذه، لتصبح أكثر خطورة بكثير مما كانت عليه من قبل".

الأبحاث تظهر أن الآباء والمعلمين قد يحتاجون إلى نهج حكيم لتوجيه الأطفال والمراهقين حول مخاطر الحياة (شترستوك)

 تعلّم التفكير؟

تظهر الأبحاث أن الآباء والمعلمين قد يحتاجون إلى نهج حكيم لتوجيه الأطفال والمراهقين حول مخاطر الحياة، وبدلاً من وضع قواعد صارمة تقضي على تعرض الطفل للمخاطر، قد يكون من المفيد على المدى الطويل مساعدتهم على تطوير مهاراتهم في اتخاذ القرار والتفكير، ولعل الأهم هو تعزيز ضبط النفس والتنظيم العاطفي، لأن الكثير من الأخطار هو نتيجة الاندفاع.

المصدر : الصحافة التركية + بي بي سي