من مبادرة أوكوس إلى قمة كواد.. بايدن يوحّد الحلفاء ضد الصين

ذكرت وثيقة أميركية خاصة بالأمن القومي أن الصين، أصبحت هي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، وتحدي النظام الدولي المنفتح والمستقر.

العالم يخشى تحول المنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم إلى صراع (غيتي إيميجز)

واشنطن- "بصفتنا قادة لأستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.. عقدنا العزم على تعميق التعاون الدبلوماسي والأمني والدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، بما في ذلك العمل لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وكجزء من هذا الجهد، نعلن إنشاء شراكة أمنية ثلاثية معززة تسمى "أوكوس" (AUKUS)"، هذا ما تضمنه بيان رسمي صدر عن البيت الأبيض لتدشين المبادرة الأمنية الثلاثية، خاليا من أي إشارة إلى الصين أو أي من مكوناتها السياسية أو الأمنية.

ومن المقرر أن يستضيف الرئيس جو بايدن يوم 24 سبتمبر/أيلول الجاري قادة أستراليا والهند واليابان في اجتماع هو الثاني من نوعه، بعد أن استضافهم افتراضيا في مارس/آذار الماضي.

ويقول البيت الأنأبيض في بيانه الرسمي عن الاجتماع إنه يُظهر التزام واشنطن تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادي. وسيشمل جدول أعماله موضوعات تغيّر المناخ والتكنولوجيا الناشئة والأمن الإلكتروني، دون أن يشير إلى الصين أيضا.

وتستند جهود بايدن إلى رغبته في حشد شركاء واشنطن فيما يعتبرها معركة هامة بين "الاستبداد مقابل الديمقراطية". وهو أحد الأهداف المحددة لرئاسته، خاصة أنه جعل من مواجهة الصين جزءا مركزيا من سياسته الخارجية، مع تزايد التوتر حول الملاحة والسيادة في بحر جنوب الصين ومستقبل تايوان.

ويصرّ المسؤولون الأميركيون على عدم الإشارة لمواجهة الصين كهدف في التحالفات الجديدة. ويقولون، بدلا من ذلك، إن اجتماعاتهم الدورية مع هذه الدول، خلال الشهور القادمة، للتنسيق بشأن القضايا الإلكترونية والتكنولوجيا المتقدمة، ولمواجهة التحديات الأمنية بشكل أفضل.

دور بايدن

نبعت فكرة الحوار الأمني الرباعي "كواد" (Quad) من رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي، ورغبته في إحداث تحالف يوازن العلاقات مع قوة الصين الصاعدة. وهو ما رحّبت به الولايات المتحدة، في حين ترددت أستراليا والهند، في البداية، وحذرتا من فكرة استعداء الصين.

غير أن صيغة الحلف الرباعي أصبحت مناسبة لهما لمواجهة ما تعتبرانه سياسات عدائية من الصين، وبعد تدهور علاقات الدولتين معها خلال السنوات الأخيرة.

في حين يستند تحالف أوكوس على فكرة أسترالية طالبت بتكثيف التعاون الدبلوماسي والأمني والدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، عن طريق العمل المشترك على تطوير القدرات السيبرانية والذكاء الاصطناعي، والتقنيات تحت سطح البحار كأجهزة الاستشعار تحت الماء، والطائرات من دون طيار.

وتُعد أستراليا الدولة الوحيدة المشاركة في التحالفين، إضافة للولايات المتحدة، ويعكس ذلك في أحد أبعاده توتر علاقتها الشديد مع الصين، خاصة بعد العقوبات التجارية الصينية التي تعرضت لها نتيجة مطالبتها بتحقيق دولي محايد وشفاف حول دول بكين في "التستر المبدئي على تفشي وانتشار فيروس كوفيد-19".

وتهدف تحالفات إدارة بايدن الجديدة إلى إبراز الدور القيادي لواشنطن في قضايا شرق آسيا، خاصة تلك المتعلقة بحقوق السيادة والملاحة البحرية.

ويقول إيفان فايغنباوم خبير الشؤون الصينية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن "سياسة بايدن تجاه الصين تبدأ بالحلفاء والشركاء، وليس بالاندفاع إلى بكين للتفاوض على شروط مستقبل المنطقة".

ولم تقتصر جهود إدارة بايدن على المبادرات السابقة فحسب، فقد كانت كوريا الجنوبية واليابان أولى محطات الزيارات الخارجية لوزيري الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن. كما قامت كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي بزيارة سنغافورة وفيتنام في أواخر أغسطس/آب الماضي، وهو ما عكس اهتمام إدارة بايدن المتزايد بتوسيع تحالفاتها لمواجهة الصين.

مناورات عسكرية أميركية فلبينية سابقة وأحد أهدافها مواجهة النزاعات في بحر جنوب الصين (وكالة الأنباء الأوروبية)

توحيد الحلفاء ضد الصين

وفي حديث مع الجزيرة نت، شكك خبير العلاقات الأميركية الصينية في مجلس العلاقات الخارجية جوش كورلانتزيك في أن توقيت قمتي أوكوس وكواد سيخدم أهدافهما. واعتبر أنه من "سوء الطالع أن تأتي اجتماعات التجمعين متتالية متتابعة بهذه الصورة، مما سيُربك جيران الصين المباشرين مثل فيتنام والفلبين وكوريا الجنوبية ممن لا يريدون للتوتر أن يتصاعد في محيطهم الإقليمي".

وأعلن البيت الأبيض أنه سيكشف عن تفاصيل الشراكة الجديدة عند تطويرها خلال الأسابيع والأشهر القادمة، ولكن سيتم إطلاع الحلفاء الآخرين وأصحاب المصلحة الحكوميين على التفاصيل في الأيام المقبلة.

وفي الأسبوع الماضي، أجرى بايدن مكالمة هاتفية لمدة 90 دقيقة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهي أول مكالمة مباشرة بينهما منذ 7 أشهر. ووصف البيان الأميركي المحادثة بأنها "صريحة"، ولم يشر بايدن إلى الشراكة الإستراتيجية الجديدة مع أستراليا والمملكة المتحدة.

ويصف بايدن نهجه تجاه الصين بأنه في إطار "المنافسة الشديدة"، في وقت يحاول فيه إعادة تركيز الأمن القومي والسياسة الاقتصادية الأميركية على التهديد الذي تشكله الصين.

وفد أميركي برئاسة وزير الخارجية أنتوني بلينكن (الثاني من اليمين) يواجه نظيره الصيني في الجلسة الافتتاحية للمحادثات الأميركية الصينية يوم 18 مارس/آذار 2021 (رويترز)

تأهب لمخاطر الصين

وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت حدة التوتر بشأن النزاعات الإقليمية في بحر جنوب الصين، وهو ممر ملاحي غني بموارد النفط والغاز الطبيعي، حيث بنت الصين مواقع عسكرية في عدة جزر صغيرة صناعية، مما يعد مخالفة صريحة للقانون الدولي.

وبعد شهر ونصف الشهر في البيت الأبيض، أصدرت إدارة بايدن وثيقة "التوجيه الإستراتيجي المؤقت لإستراتيجية الأمن القومي"، التي تتضمن توجهات الإدارة الجديدة لوكالات الأمن القومي.

وذُكرت الصين 15 مرة في الوثيقة التي لم تتعدَ 20 صفحة من الحجم الصغير، والتي أشارت إلى ضرورة تأهب الولايات المتحدة لمخاطر الصين بالقول "يجب علينا أن نتأهب لحقيقة أن توزيع القوة والنفوذ في جميع أنحاء العالم يتغير، مما يخلق تهديدات جديدة".

وذكرت الوثيقة أن الصين، خاصة، أصبحت وبسرعة أكثر حزما وتصميما هي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، وتحدي "النظام الدولي المنفتح والمستقر". ويتفق الخبير جوش كورلانتزيك مع أن إدارة بايدن تتجه لتبني سياسات متشددة تجاه الصين.

وخلال المكالمة الأولى بين رئيسي الدولتين قبل 7 أشهر، تحدث بايدن وشي جين عن ضرورة ضمان ألا تتحول المنافسة بين أكبر اقتصادين في العالم إلى صراع. لكن يبدو أن تسارع التطورات، في عالم ما بعد كوفيد-19، لا يضمن اتجاه المسار الذي أراده الرئيسان.

المصدر : الجزيرة