تخشى من التداعيات على كشمير.. الهند أبرز الخاسرين في أفغانستان

مع عودة طالبان إلى السلطة في أعقاب هزيمتين لحليفين متعاقبين للهند (الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة)، تعود متلازمة أفغانستان وكشمير لتثير انتباه القوى الدولية التي لم تتمكن من إيجاد حل سلمي لكشمير أو توافق دولي في أفغانستان.

سيطرة طالبان على كابل تتجاوز تداعياتها الحدود الأفغانية إلى دول الجوار وخصوصا الهند وباكستان (الجزيرة)

صداع مستمر في جنوب آسيا، يبدأ بعناق جبال الهيمالايا مع الهندوكوش عند ممر واخان، وهو لسان أفغانستان في الصين، ويفصل شبه القارة الهندية عن وسط آسيا. وما إن بدأت الصين -القوة الدولية الصاعدة- تتلمس دورها بعد رحيل القوات الأميركية عن أفغانستان، حتى أصابت الحمى منافستها التقليدية الهند بسيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة في كابل.

فقد استشعرت نيودلهي مبكرا آثار التغيرات في أفغانستان، وسبب لها اتفاق الولايات المتحدة وطالبان خيبة أمل كبيرة، لأنه يجعل مصالحها مكشوفة بانسحاب القوات الأميركية والأجنبية الأخرى.

وبهيمنة حركة طالبان على المشهد الأفغاني، تبدد حلم نيودلهي بصياغة واقع جديد في جنوب آسيا. فوفق ما أفصح عنه ساسة ومحللون سياسيون هنود، فإن الحصيلة "صفر كبير" بعد إنفاق نحو 8 مليارات دولار في أفغانستان مجاراة للتدخل الأميركي ودعما لحلفاء المحليين، لتكون بذلك الهند أكبر الخاسرين في المشهد الأفغاني الجديد.

واعترفت نيودلهي بعد تردد بفتح قناة حوار خلفية مع حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة في يونيو/ حزيران الماضي، وبحسب تقارير هندية فإن ما دفعها إلى لهذه الخطوة هو ضمان منع عودة المنظمات الكشميرية إلى أفغانستان، وحماية الاستثمارات الهندية بعد انسحاب القوات الأميركية.

لكن التطورات السريعة لم تسعف الهند، ووقع ما كانت تخشاه بسقوط مروّع للحكومة التي عوّلت كثيرا على التحالف معها، وعاد كابوس أفغانستان الذي اجتاح الهند عدة مرات في التاريخ يطل عليها من بوابة طالبان.

أفغانستان والهند توقعان اتفاقا لإنشاء ممرات جوية بينهما
في عهد أشرف غني ضخت الهند مليارات الدولارات في مشاريع بأفغانستان لتعزيز نفوذها فيها (الجزيرة)

عدوى الانتصار

ما تتحسب له القيادة الهندية هو إسقاطات مشهد انهيار حلفائها في كابل على الوضع في كشمير، الإقليم ذي الغالبية المسلمة الساحقة، والمتنازع عليه مع باكستان، وتكرار انتفاضة كشمير بعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، حيث حاول الكشميريون تقمص تجربتي الجهاد الأفغاني الذي أشعلت شرارته عام 1979، ومن بعده الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987.

وقد حذر القنصل العام الهندي السابق في كراتشي راجيف دوغرا من انتقال دومينو طالبان إلى كشمير، وقال في كتاب أسماه "الطريق الدامي" إن الأوضاع في كشمير يمكن أن تتدهور إلى حد لا يمكن تصوره، واستشهد برد رئيس حكومة طالبان السابقة الملا محمد رباني على طلب رئيس المخابرات العسكرية الباكستانية تزويده بـ10 آلاف إلى 15 ألف مقاتل من طالبان لدعم الفصائل الكشميرية، فكان ردّ رباني باستعداده تقديم 100 ألف مقاتل.

وبعد أن ألغت نيودلهي الوضع الخاص بولاية جامو وكشمير بتعديلات دستورية أجرتها في 5 أغسطس/آب 2019، سعيا وراء حسم النزاع المزمن حول الإقليم، عادت في يونيو/حزيران الماضي لتبدأ حوارا مفاجئا وعلى أعلى مستوى مع قادة كشميريين، للبحث عن سبل إنهاء الاحتقان في كشمير، واستقبل خلاله رئيس الوزراء ناريندرا مودي قادة 14 فصيلا كشميريا، منها 4 ترفض الاعتراف بتبعية الإقليم للهند وتطالب بالانفصال.

حاول المحاورون الهنود مقايضة التخلي عن الحكم المركزي المباشر التي تفرضه الحكومة الهندية على الإقليم منذ عامين، وإجراء انتخابات للمجلس التشريعي الكشميري، وإعادة الحياة السياسية للولاية، مقابل تعاون القيادات الكشميرية في استتباب الأوضاع، ومنع خروجها عن السيطرة، وهو ما اعتبر تراجعا كبيرا لسياسة مودي المتشددة وقبضته الحديدية في كشمير.

الصراع الهندي الباكستاني جعل من قضيتي أفغانستان وكشمير متلازمتين كمناطق للنفوذ والضغوط (الأوروبية)

تشابك متوارث

مما يعزز القلق الهندي من تطورات أفغانستان هو تلازم قضيتي أفغانستان وكشمير منذ استقلال الهند وباكستان عن التاج البريطاني، حيث كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي رفضت اعتراف الأمم المتحدة بباكستان عام 1947، احتجاجا على ادعاء اقتطاع باكستان قسما من أراضيها في إقليمي بلوشستان والحدود الشمالية الغربية، والذي غُيّر اسمه لاحقا إلى خيبر بختونخواه.

لكن ما إن اندلعت الحرب الباكستانية الهندية الأولى عام 1948 حتى هبّ رجال قبائل البشتون (البتان) لنصرة الكشميريين الرافضين لضمّ الإقليم للهند، ولم يتوقف تقدم الكشميريين والبتان على حساب القوات الهندية إلا بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بإجراء استفتاء يحدد مصير الإقليم.

وأملا في وضع باكستان بين فكي كماشة، تبنت الهند منذ خمسينيات القرن الماضي سياسة تعزيز العلاقة مع جار الجار، ووجدت في تدخل الاتحاد السوفياتي في أفغانستان فرصة تاريخية لإجبار باكستان على التنازل عن موقفها المطالب بمنح الشعب الكشميري حق تقرير المصير.

وعقب هزيمة القوات السوفياتية عام 1989 على أيدي قوات المجاهدين، اندلعت انتفاضة كشميرية عارمة استمرت سنوات، وبدت محاولة لاستنساخ التجربة الأفغانية. وفي نهاية عام 1999، اضطرت الهند للدخول في حوار مع حركة طالبان لإنهاء أزمة الطائرة الهندية التي خطفها مسلحون كشميريون في الأجواء الهندية وحولوها إلى مطار قندهار، وكانت نتيجة الصفقة التي رعتها طالبان السماح للخاطفين الكشميريين بالمغادرة بسلام مقابل الإفراج عن الطائرة الهندية والركاب.

الرئيس برويز مشرف
الرئيس الباكستاني الأسبق برويز مشرف رفع شعار كشمير مقابل أفغانستان لتحقيق الاستقرار في جنوب آسيا (رويترز)

الأمن الإقليمي

لقد ربط الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال برويز مشرف انضمام بلاده للتحالف الدولي ضد الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، بتعهد لحل مشكلة كشمير والحفاظ على الترسانة النووية، وهو التعهد الذي قطعه -بحسب خطاب مشهور لمشرف وقتذاك- الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير.

ولإبطال صفقة "كشمير مقابل أفغانستان"، شنت الهند حملة دعائية واسعة تعتبر ما يجري في كشمير هو حرب ضد الإرهاب، وألحقت حركات التحرر الكشميرية بطالبان والقاعدة، ونجحت إلى حد كبير في ترويج نظرية الإرهاب العابر للحدود، واستغلت انشغال الجيش الباكستاني بالحدود الشرقية مع أفغانستان في إطار التحالف مع الولايات المتحدة والناتو فحشدت معظم قواتها على حدودها الغربية مع باكستان، وبقيت القوات متأهبة على جانبي الحدود الهندية الباكستانية لأشهر إلى أن تخلت الولايات المتحدة عن تعهدها بحل مشكلة كشمير.

لقد نجح اللوبي الهندي (بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي "Foreign Policy" عام 2009) في إخراج كشمير من مهمة ريتشارد هولبروك المبعوث الأميركي إلى أفغانستان وباكستان في عهد الرئيس باراك أوباما، والذي كان قد تعهد في حملته الانتخابية بحل قضية كشمير، وكان إسقاط الهند كشمير من مهمة المبعوث الأميركي الخاص إلى جنوب آسيا استجابة لموقف الهند التقليدي برفض أي تدخل دولي في قضية كشمير.

لكن هولبروك أدخل الهند وكشمير في مهمته دون النص عليهما، وذلك بتبنيه نظرية الأمن الإقليمي لمنطقة جنوب آسيا، ووضعه جميع قضايا المنطقة في سلة واحدة، فبات استقرار الأوضاع في أفغانستان مرتبطا بملف كشمير، لكنه أخفق في الملفين عندما لم يتمكن من إحداث تقدم في ملف كشمير.

ولا شك أن سيطرة سلطة صديقة لباكستان على أفغانستان مثل طالبان في حقبتها الأولى أعطاها عمقا إستراتيجيا في مواجهة الهند، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنزاع حول كشمير وإدارة السلاح النووي والصاروخي، ومن هنا يأتي الربط في الأمن الإقليمي بين القضيتين. ومع عودة طالبان إلى السلطة في أعقاب هزيمتين لحليفين متعاقبين للهند (الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة)، تعود متلازمة أفغانستان وكشمير لتثير انتباه القوى الدولية التي لم تتمكن من إيجاد حل سلمي لكشمير أو توافق دولي في أفغانستان.

المصدر : الجزيرة