الاستيطان الرعوي.. وجه جديد لتهويد الأرض الفلسطينية

يستهدف المستوطنون الرعاة مساحات واسعة ومفتوحة من الأرض ويسيطرون على ما يفوق أي تمدد طبيعي لأي مستوطنة قائمة.

عاطف دغلس- يحرم الفلسطينيون من الرعي لمواشيهم بينما يستولي المستوطنون بمواشيهم على اراضي الفلسطينيين-الضفة الغربية- الأغوار الشمالية- الجزيرة نت1
مواشي المستوطنين بالأغوار الشمالية بالضفة الغربية (الجزيرة نت)

نابلس – بقطيع من الأغنام أو الأبقار يجوب المستوطن أي أرض فلسطينية تقع عينه عليها وكأنه صاحبها أو وارثها، ثم ما يلبث أن ينصب خيمة فوقها أو يحيطها بشبك محاولا السيطرة عليها، وكل ذلك يحدث تحت حماية من جيش الاحتلال وعلى من مرأى منه.

لم تدخر إسرائيل وسيلة للسيطرة على أرض الفلسطينيين إلا وفعلتها، وآخرها "الاستيطان الرعوي" ومن خلاله يرعى مستوطنون فرادى وجماعات مواشيهم في أراضي الفلسطينيين، وحيث ما تطال أيديهم يضمونه لمستوطنة قائمة أو يشيدون بؤرة جديدة فوقه وهو ما يقع غالبا.

"كوكي" كما يعرفه أهالي قرية بيت دجن قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية أحد أولئك المستوطنين الرعاة، قبل 11 شهرا جاء رفقة عائلته وأبقاره بحجة رعيها ليستحل بعد مدة وجيزة تلة بأكملها تزيد على 500 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) ويشيد فوقها بؤرته الاستيطانية.

عاطف دغلس-جيش الاحتلال يلاحق بالياته العسكرية مواشي الفلسطينيين بينما يسمح للمستوطنين برعي مواشيهم تمهيدا لتشييد المستوطنات-الضفة الغربية-الاغوار الشمالية- الجزيرة نت7
الاحتلال يلاحق مواشي الفلسطينيين لكنه يسمح للمستوطنين برعي مواشيهم تمهيدا لتشييد المستوطنات (الجزيرة نت)

توسع وتمدد

وعبر بؤرته الاستيطانية يفرض "المستوطن الراعي" سيطرة كاملة على نحو 30 ألف دونم من أراضي القرية المقدرة بأكثر من 47 ألف دونم، ويحرم 5 آلاف مواطن هم سكان البلدة من الوصول لأراضيهم.

ومنذ وطأت قدم المستوطن لم يدخر "الدجنيون" جهدا في التصدي له ولجيش الاحتلال وينظمون فعاليات أسبوعية لطرده من المكان، وقدموا شهيدا ونحو 300 جريح حتى الآن، كما يقول محمد أبو ثابت الناشط في المقاومة الشعبية هناك للجزيرة نت.

وقبل أن يحل المستوطن وماشيته في المنطقة عمد الاحتلال -وفق أبو ثابت- لمد خدمات البنى التحتية المطلوبة لها، وهذا يدلل على أن "منظومة كاملة من مجلس المستوطنات والشركات الاستيطانية وجيش الاحتلال تعمل معا لاحتلال الأرض وطرد أصحابها منها".

ويستهدف المستوطنون الرعاة مساحات واسعة ومفتوحة من الأرض، ويسيطرون بما يفوق أي تمدد طبيعي لأي مستوطنة قائمة.

وبالرغم من قرار المحكمة بالهدم وإخلاء بؤرة "المستوطن الراعي" في بيت دجن 3 مرات متتاليات فإنه أعاد بناءها وبحماية من جنود الاحتلال أنفسهم.

عاطف دغلس- مزرعة ابقار واغنام تعود لاحد المستوطنين الرعاة ويقيمها على اراضي المغير بين نابلس ورام الله-الضفة الغربية-رام الله-المغير- الجزيرة نت12
مزرعة أبقار وأغنام تعود لأحد المستوطنين الرعاة يقيمها على اراضي المغير بين نابلس ورام الله (الجزيرة نت)

مسلح وعدواني

وإن بدت عملية الاستيطان الرعوي صارخة في بلدة بيت دجن فإن الاحتلال بدأها قبل سنوات في مناطق الأغوار الفلسطينية، وكثفها بشكل أكبر في قرى ومناطق فلسطينية أخرى بالضفة كما هو الحال في بلدتي سنجل وعقربا بين مدينتي نابلس ورام الله.

ومنذ بداية العام يشتد وطيس المواجهة في منطقة "الرفيد" شمال سنجل بين أصحاب الأرض ومستوطن راع يريد بقطيع أغنامه سرقة أكثر من 1200 دونم.

ويستخدم المستوطن وهو مسلح أيضا الأغنام للتغطية على أعماله الاستيطانية التي تبدأ بتخريب المزروعات ورشها بالمبيدات السامة، واقتلاع أكثر من 360 شجرة زيتون ولوزيات، وتنتهي بتشييد خيمة وبؤرة استيطانية بالمكان.

يملك الستيني مروح عبد الحق (67 عاما) 25 دونما من الأرض المستهدفة، ويقول إن سلطات الاحتلال تمنعه استثمارها زراعيا أو اقتصاديا بذريعة قربها من منطقة عسكرية إضافة لاعتداءات المستوطنين التي وصلت لكسرهم يده.

ويلفت عبد الحق للجزيرة نت إلى أن أرض "الرفيد" "إستراتيجية" وتعرف بأنها أخصب وأجمل أراضي القرية، وقيل سابقا "إن من لا يملك أرضا في الرفيد ليس فلاحا" ولهذا يمنع جيش الاحتلال أي بناء فلسطيني فيها ولو "خيمة من خيش" في وقت يفعل المستوطنون ما يشاؤون.

عاطف دغلس-مستوطنة عيلي يخرج منها مستوطنون رعاة وهي واحدة من 5 مستوطنات تصادر جزءا من اراضي سنجل بين نابلس ورام الله-الضفة الغربية-نابلس-سنجل- الجزيرة نت4
مستوطنة عيلي يخرج منها مستوطنون رعاة وهي واحدة من 5 مستوطنات تصادر جزءا من أراضي سنجل (الجزيرة نت)

الاستيطان الأسهل

و"سياسة الاستيطان الرعوي" يصفها عبد الحق بأنها أسرع وأكثر سهولة لتهويد الأرض وأكثر جدوى، ولا تثير احتجاجات المواطنين كغيرها من المصادرة المباشرة والأوامر العسكرية "فهي تسير بسلاسة ولا تحتاج لأوامر مصادرة مباشرة".

ويرفض عبد الحق والأهالي هجر أراضيهم تحت أي ذريعة، ويزورها بشكل يومي مصطحبا معداته الزراعية في سيارته ذات الدفع الرباعي التي اقتناها لهذا الغرض، ويقول "لا أبقي عدة الزراعة في الأرض كي لا يسرقها المستوطن الراعي كما فعل من قبل".

ويضيف أنهم يسابقون الوقت لتثبيت وجودهم بأرضهم أمام غول الاستيطان وتعدد أشكاله.

وإضافة إلى معسكر للجيش الإسرائيلي تحيط ببلدة سنجل 5 مستوطنات هي "شيلو ومعاليه ليفونا وجفعات هاروئيه وهارواة وعيلي" وتصادر مجتمعة أكثر من 2000 من أصل 16 ألف دونم هي كل مساحة البلدة.

وتقيم إسرائيل بالضفة 94 موقعا عسكريا و176 مستوطنة و154 بؤرة استيطانية وأكثر من 300 حاجز ثابت و60 بوابة عسكرية وزراعية بالجدار الفاصل، وكما يقول قاسم عواد مدير التوثيق بهيئة الجدار والاستيطان فإن إسرائيل تحول 160 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين الخاصة إلى "كيبوتسات" (منشآت) زراعية استيطانية.

وخطورة الاستيطان الرعوي -كما يقول معتز طوافشة رئيس بلدية سنجل- تكمن بمحاولة المستوطنين تثبيت أقدامهم بأي مكان تصله أغنامهم، ومن ثم يشيدون بؤرهم ويمدونها بالخدمات لتصبح بؤرة استيطانية خلال وقت قصير.

وتمهد سلطات الاحتلال للمستوطنين الرعاة بملاحقة أصحاب الأرض الفلسطينيين ومنعهم إعمار أراضيهم، مستخدمة قانونا يقول إن الأراضي التي لم تستصلح خلال 10 سنوات تحول لأراضي دولة.

وتسير عجلة الاستيطان بلا توقف بالضفة، وتشير معلومات رسمية فلسطينية إلى أنه ومنذ بداية العام الجاري أقرت حكومة نفتالي بينت بناء 2000 استيطانية، كما أن أعداد المستوطنين ووفق إحصائيات إسرائيلية تزايدت بنسبة 222% منذ عام 2000.

عاطف دغلس-جانب من مستوطنة زراعية في الاغوار والتي امتدت خارج المستوطنة السكنية -الضفة الغربية- الأغوار الشمالية- الجزيرة نت2
مستوطنة زراعية بالأغوار امتدت خارج المستوطنة السكنية (الجزيرة نت)

تحايل

والاستيطان الرعوي ليس اعتداء فحسب وإنما هو "تحايل" كما يصفه مدير التوثيق بهيئة الجدار والاستيطان، فهو يتم بلا أوامر عسكرية أو مصادرة مباشرة بوضع اليد ولا يكون فيه أي بناء بادئ الأمر، ويستهدف مناطق خالية من السكان غالبا ما تكون بين القرى للسيطرة على أراضيها الممتدة.

و"كوجه جديد" للاستيطان يُضاف الاستيطان الرعوي الذي انتشر بالأغوار الفلسطينية بكثافة إلى أشكال الاستيطان الأخرى كالزراعي والصناعي والسياحي والأوامر والأغراض العسكرية والمنفذ بقوانين وضع اليد وغيرها.

وحسب قاسم، فالمستوطنون الرعاة يحظون بكل خدمات البنية التحتية فضلا عن الدعم المالي الكبير والحوافز الأخرى التي تصل لملايين الشواكل من مجلس المستوطنات ووزارة الزراعة.

وأمام غول الاستيطان وتعدد أشكاله، لا يملك الأهالي أي حل إلا التصدي بصدورهم العارية وبثباتهم فوق الأرض لا سيما في ظل التخلي الرسمي عنهم أو حمايتهم.

المصدر : الجزيرة