جسّدها مسلسل "وادي الذئاب".. يوم اعتقلت القوات الأميركية عسكريين أتراكا في العراق

الحادثة التي وقعت في 4 يوليو/تموز 2003 أثارت ضجة في تركيا وكادت أن تؤدي إلى انهيار العلاقات مع الولايات المتحدة

أحدثت عملية القلنسوة ضجة في تركيا وكادت أن تؤدي إلى انهيار العلاقات التركية الأميركية - الصحافة التركية
القوات الأميركية اقتحمت منزلا بالسليمانية واعتقلت الجنود الأتراك (الصحافة التركية)

بعد عدة أشهر على غزو العراق عام 2003، اعتقلت القوات الأميركية مجموعة من العسكريين الأتراك العاملين شمال البلاد، واقتادتهم للتحقيق بعد وضع قلنسوات (غطاء الرأس) فوق رؤوسهم.

وأثارت الحادثة -التي وقعت في 4 يوليو/تموز 2003- ضجة في تركيا، وكادت أن تؤدي إلى انهيار العلاقات مع الولايات المتحدة قبل أن تسارع واشنطن لإطلاق سراح الجنود الأتراك.

عملية القلنسوة- الصحافة التركية
الغارة الأميركية نفذت بناء على معلومة استخباراتية تفيد بوجود مسلحين بالمنزل (الصحافة التركية)

تفاصيل العملية

منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة عام 1923 رأت الحكومات المتعاقبة أن منطقة كردستان العراق تمثل تهديدا محتملا لأمنها القومي، وتزايدت مخاوفها بعد إنشاء إقليم منفصل له حكومة خاصة به هناك عام 1991.

ونشرت الحكومة التركية قواتها العسكرية هناك عام 1996، وذلك لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين الرئيسيين بالإقليم وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الراحل جلال الطالباني، بحسب أستاذ العلاقات الدولية الدكتور حيدر شاكر خميس.

ويضيف خميس للجزيرة نت أنه بعد مرور نحو أسبوعين من الغزو الأميركي للعراق، وفي نهاية أبريل/نيسان 2003، اعتقلت القوات الغازية 12 جنديا تركيا من القوات الخاصة بملابس مدنية، وذلك في قرية داقوق شمال محافظة كركوك، لكن سرعان ما أطلقت سراحهم عند الحدود بين البلدين.

وحول عملية قلنسوة، يقول خميس إن مجموعة من الكتيبة الجوية 173 التابعة للجيش الأميركي الموجودة هناك شنت غارة على منزل في مدينة السليمانية بكردستان العراق.

ويشير إلى أن الغارة الأميركية نفذت بناء على معلومة استخباراتية تفيد بوجود مسلحين في ذلك الموقع يخططون لعملية اغتيال تستهدف أحد القادة الكرد بمدينة كركوك، لكن تبين أن المنزل يستضيف سياسيين من التركمان العراقيين وجنودا من القوات الخاصة التركية، -وبحسب خميس- فإن الأميركيين صادروا 15 كيلوغراما من المتفجرات بالإضافة إلى بنادق قنص وقنابل يدوية وخرائط لمدينة كركوك.

ويلفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن هذه العملية سميت بـ "حادثة قلنسوة" بسبب قيام القوات الأميركية بوضع القلنسوات (أغطية الرأس) على رؤوس العسكريين الأتراك المعتقلين أثناء اقتيادهم إلى المعسكر الأميركي.

ويبين أن المصادر التركية قالت إن عدد المحتجزين كان 12 عسكريا، ويقودهم ضابط برتبة رائد، وأطلق سراحهم لاحقا عقب محادثات دبلوماسية مكثفة بين واشنطن وأنقرة.

5- حافظ أوغلو أكد أن احتجاز الجنود الأتراك لم يدم طويلا لكن أثره النفسي في الداخل التركي كان كبيرا - الجزيرة نت
حافظ أوغلو:  احتجاز الجنود الأتراك لم يدم طويلا لكن أثره النفسي بالداخل كان كبيرا (الجزيرة)

رسائل أميركية

وحول هذه العملية، يقول الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو إنه بعد دخول القوات الأميركية العراق والإطاحة بنظام صدام حسين -وإن كانت أهدافها السياسية أبعد من ذلك- فهي تسعى لإعادة ترتيب المنطقة وفق مخططاتها، والبوابة كانت ادعاءات إخلاء العراق من أسلحة الدمار الشامل.

ويوضح للجزيرة نت أنه بحكم الجغرافيا ووجود حدود مشتركة بين تركيا والعراق، أرادت واشنطن أن تزيد من قوة أذرعها الكردية بالمنطقة، من خلال الهجوم على جنود أتراك واعتقالهم بطريقة غير لائقة، لإرسال رسائل للذراع الكردي بأنه لا يمكن التخلي عنه، وإلى تركيا والتركمان بشكل خاص بأن التغيير قادم شمال العراق، وهذا ما جرى بالفعل.

الرد التركي

وأما عن الرد التركي، فيقول حافظ أوغلو أن أنقرة تحركت دبلوماسيا، وسرعان ما هددت بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الأميركية، وصولا إلى التهديد بإغلاق قاعدة إنجرليك العسكرية، بالإضافة إلى تحرك وفد عسكري تركي إلى السليمانية برفقة وفد دبلوماسي لإنهاء احتجاز الجنود.

ويضيف أنه كان هناك تحرك لرئيس الوزراء ووزير الخارجية التركيين مع الجانب الأميركي الذي شعر بجدية الجانب التركي في الرد على الحادثة وإطلاق الجنود، وأن التحركات التركية العسكرية جاهزة بالفعل إذا لم يحل التحرك الدبلوماسي الأزمة حينها.

ويتابع الأكاديمي التركي أن الولايات المتحدة استجابت لهذا الضغط، وشكلت لجنة مشتركة لبحث ما جرى، وكانت لاسترضاء الجانب التركي بعد ما تأكدت أن أنقرة ماضية بكل الوسائل لإيقاف هذا الاستهزاء الأميركي، وقدمت اعتذارا عما حدث وإن لم يكن كافيا على الصعيد الشعبي.

ويلفت إلى أنه رغم أن احتجاز الجنود الأتراك لم يدم إلا يومين تقريبا، لكن أثره النفسي في الداخل كان كبيرا، مما جعل كاتبي الأفلام والمسلسلات استخدامها في الدراما التركية من خلال المسلسل الشهير "وادي الذئاب" للتأكيد على رفض المجتمع التركي لأي استخفاف أميركي بتركيا.

ويبدي حافظ أوغلو استغرابه لاستمرار واشنطن الكيل بمكيالين في سياستها مع أنقرة، رغم مرور سنوات طويلة، حيث لا تزال أميركا ترى "منظمات إرهابية انفصالية" أهدافا يمكن تحقيقها من خلالها ولو على حساب العلاقات الدولية بين الجانبين.

أخي جهاد هل تنفع هذه الصورة المتحدث أنمار الدروبي
الدروبي: بعض المصادر قالت إن المجموعة العسكرية التركية كانت متواجدة لغرض إنقاذ سجلات العقار العثمانية (الجزيرة)

أسباب وجود القوة التركية

ويرى الأكاديمي والباحث السياسي العراقي الدكتور أنمار الدروبي أن الوجود العسكري التركي شمال العراق ليس حالة منعزلة أو خاصة بظروف الإقليم وعلاقته بكارثة الغزو، لكنه محسوم سلفا ومؤجل بدوافع خلق واقع يسمح له أن يعيش بعد خروجه من الحاضنة الأميركية.

ويضيف الدروبي للجزيرة نت أن بعض المصادر قالت إن المجموعة العسكرية التركية التي اعتقلت في عملية "قلنسوة" كانت مهمتها إنقاذ سجلات العقار العثمانية، بعد قيام فصائل كردية بإضرام النيران في العديد من المنشآت الحكومية والمحلية بالموصل وكركوك، ومنها دائرة التسجيل العقاري، في الوقت نفسه كان الجانب الأميركي يبحث فعلا عن تلك السجلات.

ويوضح الدروبي الضابط السابق بالجيش العراقي السابق أن الوجود العسكري التركي بإقليم كردستان لا يقتصر على قضية السجلات، وإنما بسبب وجود حزب العمال الكردستاني (PKK) حيث إن أنقرة تسخر كافة إمكانياتها وتقف بحزم لمحاربة هذا الحزب الذي ترى أنه يهدد استقرارها.

المصدر : الجزيرة