20 يونيو.. يوم دنّس الفرنسيون الجامع الأزهر ثم أغلقوه

ميدان - جامع الأزهر في القاهرة
الجامع الأزهر بالعاصمة المصرية القاهرة (مواقع التواصل)

القاهرة – في يناير/كانون الثاني 2019 استقبل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للقاهرة، ليعيد للأذهان ذكريات مؤلمة عندما دنس الفرنسيون الجامع الأزهر بخيولهم وقتلوه شيوخه وحاكموا طلابه ثم أغلقوه تماما، في مثل هذه الأيام قبل ما يزيد على قرنين من الزمان وبالتحديد يوم 20 يونيو/حزيران 1800.

بداية الحملة الفرنسية

"سوف يقال لشعب مصر إنني جئت لتدمير دينكم: لا أعتقد ذلك! وإجابتي على هذا لقد جئت لاستعادة حقوقكم ومعاقبة المغتصبين، والمماليك، أنا أحترم الله ورسوله والقرآن… أليس نحن الذين كنا على مر القرون أصدقاء للسلطان؟".

بهذه الكلمات حاول قائد الحملة الفرنسية نابليون بونابرت جذب تعاطف المصريين، في خطاب ألقاه بالإسكندرية عقب دخول قوات الاحتلال للمدينة الساحلية في يوليو/تموز 1798.

وأنشأ نابليون ديوانا من شيوخ الأزهر كلفهم بإدارة شؤون القاهرة، ثم حاول الوصول لفتوى من أئمة الأزهر من شأنها أن تسمح بجواز الولاء لنابليون بموجب الشريعة الإسلامية، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل.

ودخلت الخيل الأزهر

لم يلبث أن اشتعلت الأوضاع في القاهرة بقيادة شيوخ المساجد، حيث بدأت ثورة القاهرة الأولي في أكتوبر/تشرين الأول 1798، ليدوي الأذان في القاهرة من آلاف المساجد، ثم يجلجل النداء عقب كل أذان "حي على الجهاد" ليدرك الفرنسيون أن القاهرة ليست الصيد السهل الذي ظنوه.

تجمع الثوار في الجامع الأزهر، في وقت لجأ أعضاء ديوان شيخ الأزهر إلى نابليون طالبين منه التوقف عن ضرب القاهرة بمدافعه، فطلب منهم الاتصال بالثوار لإلقاء السلاح، وهو ما ما رفضه الثوار ورفضوا دخول أعضاء الديوان إلى الجامع الأزهر.

لم يتصور أحد أن يفكر الفرنسيين في تدنيس الجامع الأزهر، لكن الغضب أعمى قادة الاحتلال، فصدرت الأوامر بضرب الأزهر بالمدافع المنصوبة في القلعة والمقطم "ولتكن المدافع في أصلح موقع ليكون الضرب أشد أثرا، والاستيلاء على مداخل الأزهر والمنازل الموصلة إليه، واقتحام الجامع بالجنود تحت حماية المدافع وقتل من يتحداهم، وحرق المنازل التي تلقي منها الحجارة".

وهكذا اشتعلت القاهرة الفاطمية وانهالت القنابل على الجامع الأزهر، وفي المناطق المحيطة به في الغورية والفحامين، واقتحمت كتائب الجنود الشوارع الموصلة للأزهر، وصار الثوار محاصرين بنيران الجنود وضربات المدافع، وأوشك الجامع الأزهر أن يتداعي من شدة الضرب.

يقول المؤرخ الجبرتي واصفا ما جرى يومها في أهم مساجد القاهرة "دخلوا إلى الجامع الأزهر راكبين الخيول، وبينهم المشاة كالوعول، وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وعاثوا بالأروقة والحارات، وكسروا القناديل والسهارات، وهشّموا خزائن الطلبة، ونهبوا ما وجدوه بها من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عرُّوه، ومن ثيابه أخرجوه…".

ويقول أسامة الأزهري الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، في الفيلم الوثائقي بعنوان "الأزهر" من إنتاج الجزيرة الوثائقية، إن الأزهر قام بدور في خلخلة أوصال الفرنسيين، وفي مواجهتهم وفي إعلان العصيان المدني.

وبدوره، يقول محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة إن هذا الحادث سيظل في ذاكرة المصريين وعقلهم الجمعي، مثل اقتحام المسجد الأقصى، عندما يحتل من يخالفك رمزا دينيا.

كليبر يخلف بونابرت

"من بونابرت إلى الجيش، لقد دفعتني الأنباء الواردة من أوروبا أن أقرر الرحيل إلى فرنسا تاركا قيادة الجيش للجنرال كليبر، يعز عليّ ترك الجنود مع ارتباطي بهم لكنه وضع مؤقت، واعلموا أن الجنرال الذي خلفته يحظى بثقة الحكومة وثقتي".

هكذا قرر نابليون ترك مصر متنازلا عن حلم تأسيس إمبراطوريته في الشرق، ليفر سرا من مصر إلى فرنسا، وصار كليبر قائدا لحملة الاحتلال في مصر، أو لقيادة حملة "جيش الشرق" كما تصفها الوثائق الفرنسية.

قضي كليبر على انتفاضة القاهرة الثانية، وفرض غرامات على المصريين، وتحالف مع مراد بك زعيم العثمانيين، وتيسرت له الأمور لحكم مصر سنوات قادمة، وبدا أن المحتل باق إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

لقطة تحاكي قتل الجنرال الفرنسي كليبر على يد سليمان الحلبي (غيتي إيميجز)

اغتيال كليبر

وفي 14 يونيو/حزيران 1800 اقترب الشاب السوري سليمان الحلبي -الذي درس في الأزهر- من كليبر في حديقة قصره بالقاهرة، ظنه كليبر يستجدي منه شيئا، لكن الحلبي طعنه بالخنجر عدة طعنات قاتلة، ليسقط  القائد العام للحملة الفرنسية قتيلا.

قرر الفرنسيون محاكمة الحلبي ومن عرفوا عن خطته بأعنف وأقسى طريقة ممكنة وذلك بهدف كسر الروح المعنوية لطلبة الأزهر، فقرروا قطع رؤوس الأزهريين الذين عرفوا مخططه، ثم تم حرق يده اليمنى بالنار وهو حي، ثم وضعه على الخازوق.

تولي القيادة مينو خلفا لكليبر، أراد الانتقام لفعلة الطالب الأزهري، فقرر إغلاق الجامع الأزهر في 20 يونيو/حزيران 1800 ليظل مغلقا حتى وصول المساعدات العثمانية والبريطانية في أغسطس/آب 1801.

عام 1996 قدم المخرج حسام الدين مصطفي ملحمة كفاح شيوخ الأزهر وطلبته ضد الحملة الفرنسية في مسلسل تليفزيوني بعنوان "الأبطال" ليغني المطرب على الحجار في تتر بدايته:

هز الهلال يا أزهري وزلزل الاحتلال

يا مصر قومي وانهضي يا أمة الأبطال

الشعب لن يخضع ومصر لن تخدع بكذبة خادعة لهم بها نخضع

 

المصدر : الجزيرة