وقّعه الرئيس ثم اعتبره "بيعا للأحلام".. قانون 38 يفتح جرح المتعطلين عن العمل في تونس

كشفت أرقام حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء حول السكان والتشغيل عن وجود 762.6 ألف عاطل عن العمل في تونس من مجموع السكان النشطين، بزيادة 16 ألفا مقارنة بالربع الثاني من السنة ذاتها

قيس سعيد (يسار) أكد خلال لقائه وزير التشغيل نصر الدين النصيبي أن قانون 38 غير قابل للتنفيذ (مواقع التواصل)

تونس – خلّف قرار الرئيس التونسي بعدم تفعيل قانون يقضي بتشغيل الآلاف من المتعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا موجة غضب عارمة في صفوف هذه الفئة التي رأت في ذلك نكثا لتعهدات الدولة وتضاربا في أفعال الرئيس الذي وقّع سابقا القانون وأمر بنشره في الجريدة الرسمية للبلاد.

وكان البرلمان التونسي قد صدّق بتاريخ 29 يوليو/تموز 2020 بأغلبية 159 نائبا على فصل إضافي في مشروع قانون المالية لسنة 2021 يقضي بتخصيص اعتمادات لتمويل انتداب 10 آلاف عاطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا ممن بلغت فترة بطالتهم 10 سنوات بمقتضى القانون عدد 38 الصادر في 13 أغسطس/آب 2020 والمتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي.

 

 

وفي 16 أغسطس/آب من السنة ذاتها وقّع رئيس الجمهورية قيس سعيد القانون، وأمر بنشره في الجريدة الرسمية للبلاد ليصبح قانونا من القوانين النافذة للدولة.

ومنذ أيام، قال سعيد خلال استقباله وزير التشغيل ومجموعة أصحاب الشهادات المتعطلين عن العمل إن ذلك القانون وضع "كأداة للحكم ولاحتواء الغضب وبيع الأحلام وليس للتنفيذ"، مشيرا إلى أنه لم يصدر أي أمر ترتيبي لتطبيقه.

وعلق كثير من أصحاب الشهادات المتعطلين عن العمل ممن تجاوزت فترة بطالتهم 10 سنوات آمالا كبيرة على هذا القانون لإنهاء معاناتهم وإدماجهم في الوظيفية العمومية بشكل تدريجي وعلى مراحل لمدة 4 سنوات، في وقت بلغت فيه نسبة البطالة 18.4% خلال الربع الثالث من 2021.

وكشفت أرقام حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء حول السكان والتشغيل عن وجود 762.6 ألف عاطل عن العمل في تونس من مجموع السكان العاملين، بزيادة 16 ألفا مقارنة بالربع الثاني من السنة ذاتها.

 

 

قانون ملزم للدولة

وأكد الأمين العام لاتحاد أصحاب الشهادات المتعطلين عن العمل شريف الخرايفي في تصريح للجزيرة نت أن الدولة ملزمة بتنفيذ تعهداتها، ولا يمكن إلغاء قانون صدّق عليه البرلمان ووقّع عليه رئيس الجمهورية وأمر بنشره في الجريدة الرسمية للبلاد، وفق قوله.

واعتبر الخرايفي أن رئيس الجمهورية "ناقض نفسه حين أمضى على القانون المتعلق بتشغيل أصحاب الشهادات ممن طالت بطالتهم، وأمر بنشره في الجريدة الرسمية للبلاد، ثم أعلن اليوم تراجعه ووصفه بغير القابل للتنفيذ".

واستنكر محدثنا وصف قيس سعيد القانون بأنه "بيع للأحلام"، مستدركا بالقول "إذا كان هذا موقفه فإنه أيضا شريك في بيع الأحلام للشباب حين صدّق عليه وختمه".

وشدد على أنه وباقي الشباب المتعطلين لن يقبلوا بوضعهم كوقود للمعارك السياسية وتصفية الحسابات بين البرلمان ورئيس الجمهورية، مشددا على استعدادهم لخوض كافة أشكال النضال السلمي بهدف الدفاع عن حقهم في التشغيل.

وختم بأن "حكومة الرئيس ستواجه شتاء ساخنا إذا لم تضع في أولوياتها حل الملف الاجتماعي وتنفيذ قانون الانتداب، ونحن نطالب رئيس الجمهورية بالتراجع عن موقفه".

وبدأ العشرات من المتعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا خوض تحركات احتجاجية في أكثر من محافظة تونسية كالقصرين والمنستير وقفصة والقيروان وصل بعضها لاقتحام مقار المحافظات تنديدا بتصريحات رئيس الجمهورية.

 

 

رئاسة البرلمان على الخط

بدوره، أكد رئيس البرلمان المجمدة أعماله راشد الغنوشي على شرعية هذا القانون، مذكرا في بيان صادر عن رئاسة البرلمان بتولي رئيس الجمهورية توقيعه والإذن بنشره بالرائد الرسمي "مما يجعل تطبيقه واجبا ضمن منطق استمرارية الدولة واحترامها لتعهداتها مع مواطنيها".

ودعت حركة الشعب الداعمة لإجراءات الرئيس قيس سعيد الحكومة للنأي بنفسها عن الحسابات السياسية التي رافقت صياغة القانون والتصديق عليه، وإلى إصدار الأمر الترتيبي المتعلق به، مذكرة بأنها كانت صاحبة المبادرة التشريعية الخاصة به.

وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر القيادي بحركة الشعب عبد الرزاق عويدات أن موقف رئيس الجمهورية من تفعيل القانون عدد 38 جاء رغبة منه في مصارحة الشعب وهذه الفئة بالذات بالحقيقة والواقع الذي تعيشه البلاد.

واعتبر أن حزبه وإن كان يتفهم موقف رئيس الجمهورية من عدم البت بهذا القانون في ظل الإجراءات الاستثنائية لكنه يدعوه بالمقابل إلى إيجاد صيغ لتطبيقه لاحقا، باعتباره قانونا ملزما شارك في صياغته والتصديق عليه كل من البرلمان ورئاستي الحكومة والجمهورية.

وكان وزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي أوضح في وقت سابق أن رئيس الجمهورية "كان صادقا" خلال لقائه مع مجموعة من الشباب المتعطلين عن العمل، مؤكدا لهم أن الجهات التي أصدرت القانون لم "تكن لديها نية تطبيقه، وإنما كانت فقط تسعى إلى الكذب على الشباب وبيعهم أحلاما وآمالا زائفة".

وقال الوزير إن رئيس الجمهورية أطلع الشباب على وضعية الوظيفة العمومية التي تشهد ضغطا كبيرا، مما يحول دون استيعابها المزيد من الموظفين والانتدابات الجديدة.

المصدر : الجزيرة