بعد إخفاق الحوار داخل الغرف المغلقة.. فرقاء السودان يحتكمون "لشارع مقابل شارع"

مظاهرات 21 أكتوبر في الخرطوم
مظاهرات اليوم الخميس في الخرطوم تعدُّ "شارعا مقابل شارع" بين المكونين العسكري والمدني (الجزيرة)

الخرطوم – تحت عدة لافتات وشعارات تتقاطع تارة وتتباين في تارات أخرى؛ عاد السودانيون -ظهر اليوم الخميس- بكثافة إلى الشوارع، لحسم مستقبل الصراع السياسي في بلادهم التي يتجاذبها الصراع بين المدنيين والعسكريين.

وتأتي الذكرى السنوية لثورة 21 أكتوبر/تشرين الأول 1964 -التي أطاحت بحكم الجنرال إبراهيم عبود- هذا العام بوقت أخفقت فيه الأطراف كافة في حسم المعركة بين شريكي الحكم الانتقالي، إذْ أخفق العسكر في فرض وصايتهم على البلاد، ولم تُجدِ حالة الفراغ الدستوري الناشئة نفعا لمحاولة خلق حاضنة بديلة للحاضنة السياسية للحكومة، كما لم يُرجح الدعم الخارجي كفة مدنيي الحكومة الانتقالية.

توصيفات للأزمة

وفي توصيف الأزمة الراهنة يقول العسكريون إنها أزمة سياسية ناجمة عن إصرار المجموعة المدنية الحاكمة (قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي) على الانفراد بالسلطة، رغم إخفاقها في إدارة الدولة، بوقت ترى الحاضنة السياسية أن الأزمة هي معركة ضد العسكر، الذين يعمل قادتهم على خرق الوثيقة الدستورية والانقلاب على القوى المدنية، التي قادت الثورة عبر عدة خطوات تشمل خنق الحكومة اقتصاديا والتحالف مع قوى سبق أن ساندت النظام السابق.

بدوره، ينحو رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لوصف الأزمة بأنها نتاج تعذر الاجتماع على مشروع وطني متوافق عليه، في ظل انقسامات المدنيين والعسكر من جهة، وانقساماتهما كلّ على حدة من جهة أخرى.

بموازاة ذلك، يعتقد الفريق المنشق عن الائتلاف الحاكم (قوى الحرية والتغيير – العودة إلى منصة التأسيس) بأنها معركة استعادة السلطة من فئة قليلة، يصفها الحزب الشيوعي السوداني بأنها معركة لإسقاط أجنحة السلطة المتصارعة حول المناصب والامتيازات.

طرفا الأزمة السياسية في السودان يحتكمون للشارع رافعين شعارات حماية الثورة (الأناضول)

شارع مقابل شارع

الوضع السياسي المأزوم انعكس على الشارع السوداني الموزع بين الرافضين لمحاولات العسكر السيطرة على مقاليد السلطة، وبين من يريد تحقيق شعارات الثورة المتمثلة في إصلاح المنظومة الأمنية، واستكمال هياكل الحكم المدني، والاقتصاص للضحايا، وتسليم المطلوبين للمحاكم الدولية.

ومن ضمن الداعين للمشاركة في موكب اليوم؛ تيارات ذات توجهات إسلامية، على رأسها حزب المؤتمر الوطني المحلول الذي أهاب بأنصاره المشاركة في اعتصام القصر الجمهوري وإسقاط حكومة الأحزاب، وحزب المؤتمر الشعبي الذي يطالب بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في الحكومة.

ونصب داعمون لمنصة التأسيس اعتصاما يقترب من أسبوعه الأول أمام باحة القصر الجمهوري، للمناداة برحيل الحكومة القائمة، وتشكيل حكومة ذات قاعدة سياسية عريضة.

دعم الحكم المدني

يؤكد الصديق الصادق المهدي -القيادي بحزب الأمة القومي- أن مواكب (مظاهرات) اليوم ستصب في نهاية المطاف لصالح التحول المدني الديمقراطي.

ويقول المهدي -متحدثا للجزيرة نت- إن "شارع اليوم هو ذات الشارع الذي أطاح بالبشير بعد شهور متواصلة من النضال السلمي في 11 أبريل/نيسان 2019، وأعاد المدنيين للسلطة في 30 يونيو/حزيران 2019.

بدوره، يقول مبارك أردول -القيادي في الائتلاف المنشق- إن "مواكب اليوم من شأنها كسر وإنهاء هيمنة (الأربعة) على السلطة". في إشارة لحزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث العربي، والتجمع الاتحادي.

ويشدد أردول -في حديثه للجزيرة نت- على حرصهم على مدنية الدولة، واصفا الأحاديث عن مساعيهم لتفويض العسكر بأنه (فزّاعة) لإخافة الآخرين، و(بروباغندا) سياسية للتقليل من شأنهم". متوقعا أن ينتهي اليوم بميل ميزان القوى نواحي كفتهم، التي قال إنها "تجمع أهل القرى والحضر".

أما أستاذ العلوم السياسية الدكتور مهدي دهب، فيؤكد أن الشارع هو صاحب القرار النهائي. ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن "غالبية السودانيين مع الحكم المدني، وضد عودة الأنظمة العسكرية والشمولية".

ويهيب دهب بالمشاركين في المواكب بالتزام السلمية، ويحثّ العسكريين على التزام المواقف الأخلاقية وتجنب جرّ المشاركين إلى العنف، بهدف فرض حالة الطوارئ واستلام السلطة.

مظاهرات 21 أكتوبر في الخرطوم
مظاهرات حاشدة تطالب بإنهاء حكم العسكر وأنصار نظام البشير وتحقيق نظام ديمقراطي (الجزيرة)

مشاهد من الشارع

ورصدت الجزيرة خروج الآلاف من مواطني مدينة بحري شمالي الخرطوم، وتجمعهم في "تقاطع المؤسسة" الشهير للمناداة بالحكم المدني، لكن التجمعات الأكبر كانت في مدينة الخرطوم، التي شهدت مشاركة حشود ضخمة في المواكب.

وسيّر المحتجون في بحري -الذين غلب عليهم طابع الشباب- مواكبا في طول شوارع المؤسسة، وأحرقوا إطارات السيارات، ورفعوا أعلام السودان وصور الشهداء، وشعارات تعكس تطلعاتهم للمدنية وتصحيح مسار الثورة، والمناداة بحكومة قوية قوامها المدنيين.

ومن ضمن شعارات عدة برز شعار "البلد دي حقتنا مدنية حكومتنا" وشعار "سلم .. سلم .. يا برهان" في إشارة إلى ضرورة التزام العسكريين بنقل السلطة للمدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، طبقا للوثيقة الدستورية، فيما كانت بعض الشعارات أكثر تطرفا وموجهة لصندوق بريد كافة الحاكمين "بكم بكم بكم.. تسقط شراكة الدم".

ولاحظت الجزيرة نت إغلاق معظم المحال المطلة على المنطقة أبوابها، فيما خفتت حركة المواصلات العامة، على طول الشارع الممتد من "الكدرو" شمالا وحتى "المؤسسة" جنوبا.

ولم ترصد الجزيرة في الساعات الفائتة مواكبا بخلاف التي دعت إليها "قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي"، ولجان المقاومة السودانية، كما لم ترصد أية حوادث عنف، بالرغم من غياب وجود الشرطة والأمن.

وضرب ثوار ضاحيتي "شمبات" و"الصافية" طوقا حول قسم شرطة الصافية، للحيلولة دون وقوع اشتباكات بين المتظاهرين السلميين والعناصر العسكرية.

وشهدت مواكب "بحري" التزاما كبيرا ببروتكولات مكافحة فيروس كورونا، حيث حرص بعض المشاركين على توزيع الكمامات للمشاركين في الموكب، كما سارع المتظاهرون إلى فتح الطرقات أمام عربات الإسعاف.

المصدر : الجزيرة