الفركة النقادية.. إرث الفراعنة الذي نقلته جين النيوزيلندية إلى العالم

يدين أهالي نقادة بكثير من الفضل للجد شمروخ رحمه الله، والسيدة جين النيوزيلندية التي حافظت على إرث الفراعنة.

الفركة النقادية.. 7000 عام من الإرث الفرعوني المهدد بالاندثار
يحافظ أبناء قرية نقادة في قنا المصرية على مهنة تعود أصولها للزمن الفرعوني القديم (مواقع التواصل)

لا يزال النول الفرعوني -أولى آلات النسيج التي عرفها المصريون- يحتل مكانة مميزة في متحف النسيج المصري بالقاهرة التاريخية، ولا تزال الآلات البسيطة والخيوط البدائية التي اعتمدها المصري القديم لصناعة الزي الفرعوني -المنسوج من الكتان والقطن الخفيف- في متحف النسيج، وقد صممت تماثيل تحاكي الصناعة في العصر الفرعوني، لا تختلف كثيرا عن ذلك التجسيد في قرية نقادة بالمحافظة المصرية قنا.

النول القديم لم يكن هو فقط ما تبقى من العهد الفرعوني، بل كثير من تقاليد قرية نقادة التي حافظت على المهنة متوارثة فيما بين أبنائها، يلقنها شيوخ القرية لأبنائهم ومن الأبناء للأحفاد.

لكن المهنة التي استمرت في مصر على النهج القديم، رفض كثير من أبناء الجيل الجديد أن يكملوا مشوارها، بينما استمرت فتيات القرية في حمل لواء الحفاظ على الحرفة من الاندثار.

نقادة العريقة

في عام 1895، اكتشف عالم المصريات فلندرز بيتري في منطقة نقادة بمحافظة قنا جنوب مصر، جبانة وأواني فخارية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ومعها أدوات كانت اللبنة الأولى لأول صناعة للغزل والنسيج عرفها العالم، والتي بدأت من مدينة "ني كاتي" التي حرفت إلى "نقادة"، لتشتهر المدينة القديمة بصناعة النسيج حتى وقتنا هذا، بدءا من الأردية النسائية أو الشال الذي يرتديه الرجال لإظهار مكانتهم العالية بين القوم وللحماية من البرد في الليالي القارسة البرودة.

العمل على النول اليدوي في الفركة النقادية، هو بمثابة حركة رياضية ثابتة للعاملين عليه. اليدان تعملان بوظيفة، بينما تتحرك القدمان بوظيفة أخرى. ورغم الظروف الصعبة في الصعيد، فإن أهالي  قرية نقادة لا يزالون يسعون بشكل دائم لتطوير الحرفة التي تقوم عليها القرية.

يقول حازم توفيق، المشرف على مركز الفركة النقادية بجمعية الشابات المسلمات بنقادة -للجزيرة نت- إن الحرفة موطنها الأصلي مصر، وإن كانت بعض مدن السودان يعمل أهلها على نفس النول وينسجون نفس الأقمشة، لكن نقادة هي أصل الحرفة التي يسعى مع أهلها لتطويرها والحفاظ عليها.

يحكي حازم -للجزيرة نت- عن تاريخ الفركة فيقول إن هذه الحرفة لقبت "حرفة الستر"، لكونها "أول حرفة تستهدف صناعة الثوب الذي يستر الأجساد منذ فجر التاريخ، وبالإضافة لذلك فهي تستر العديد من البيوت المفتوحة بمقابل ما يجنيه أصحابها من هذه الحرفة البسيطة التي لا تحتاج لتعلم طويل أو تعليم خاص، لهذا فكثير من السيدات البسيطات يعملن بها، وتحتفظ كل أسرة نقادية بنول خاص بها، بالإضافة لمركز الفركة بالقرية الذي يضم مشغلا كبيرا".

الفركة النقادية.. 7000 عام من الإرث الفرعوني المهدد بالاندثار
رفض بعض أبناء الجيل الجديد الاستمرار في مهنة قرية نقادة لكن نساء القرية حافظن عليها من الاندثار (مواقع التواصل)

ويردف حازم "نسعى لأن تكون الفركة من ضمن تخصصات المدارس الصناعية في محافظة قنا، بحيث نحافظ على الحرفة التراثية من الاندثار".

في البدء كان الكتان المصري أساس الفركة، ثم تطور الأمر ودخل القطن وخطوط الصوف، وصولا لخيوط "الفبران" المستوردة من الصين والهند. تبدأ خطوات الصناعة بصبغ الخيوط، أو كما يطلق عليها: مرحلة العجن، وتتم في "عجانية" من الألومنيوم، وفيها يتم صبغ 10 كيلوغرامات من الخيوط في المرة الواحدة، وبعدها يتم تنشيف الخيوط ثم لفها، ثم تصل لمرحلة المكوك، وهي مرحلة وضع الخيوط على النول، ثم يبدأ إنتاج قطع الفركة، سواء كانت شالا أو طرحة أو ملاءة أو ملابس بكافة أشكالها.

في دراسة أصدرتها جامعة جنوب الوادي في مصر عن حرفة الفركة النقادية، أشار الباحث محمود عبده إلى أن الحرفة الفرعونية تجاوزت مصر لتنتشر في أفريقيا، ويتبارك الأفارقة بارتداء الزي المصنوع بالفركة، ويعتبر أصحاب الزي الفركاوي من أهل الثراء والحظ في بعض البلدان الأفريقية.

وأشارت الدراسة إلى أن فترة الستينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، كانت فترة ازدهار للحرفة التي قدمت جزءا كبيرا من الدخل الأجنبي لمصر في تلك الأيام، حيث كانت تدر حوالي 4 ملايين دولار من صادرات السودان وأفريقيا، ثم مع الانهيار الاقتصادي للسودان، فقدت الفركة أحد أهم أركان ازدهارها، فعزف عنها الكثيرون، ثم أتت المنتجات الصينية والهندية لتنافسها، وفي ظل انخفاض أسعارها باتت منافسة الفركة أمرا شبه مستحيل.

يحكي حازم توفيق عما فعل الجد النقادي الأكبر شمروخ مقار عبد الشهيد، الذي ورث الفركة عن أجداده وخشي عليها من الانقراض، حتى قادته الصدفة لسائحة نيوزيلندية كانت من المهتمات بالحرف التراثية، فتعرفت على الفركة من خلاله، وفتحت لهم سوقا جديدة في أوروبا، على أن يكون العمل بنفس الخامات والأدوات الأولية، وبالفعل أقامت أول معرض للفركة في نيوزيلندا عام 1980، وعادت نقادة من جديد تحتل الأسواق العالمية بالشال والرداء الفركي.

وحتى الآن، يدين أهالي نقادة بكثير من الفضل للجد شمروخ رحمه الله والسيدة جين النيوزيلندية التي حافظت على إرث الفراعنة.

المصدر : الجزيرة