فنان ومدرّس تاريخ: الإغلاق القسري لأكبر مخيمات اللاجئين في أفريقيا كارثة إنسانية وثقافية

Refugees stand outside their tent at the Ifo Extension refugee camp in Dadaab, near the Kenya-Somalia border in Garissa County, Kenya October 19, 2011. REUTERS/Thomas Mukoya/File Photo
لاجئون يقفون خارج خيمتهم في مخيم داداب للاجئين بمقاطعة غاريسا الكينية قرب الحدود مع الصومال (رويترز)

دعا ترينور توموا منتج الهيب هوب ومخرج الفيديو الموسيقي والأفلام الوثائقية، ومارك ليفين مدرّس التاريخ في جامعة كاليفورنيا، إلى دمج سكان مخيمي داداب وكاكوما للاجئين في كينيا، بدلا من إغلاقهما وإبعاد سكانهما.

وقال توموا وليفين في مقال لهما على موقع الجزيرة الإنجليزي إنه في 24 مارس/آذار الماضي، طالبت الحكومة الكينية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالإعلان عن جدول زمني واضح في غضون 14 يوما، لإغلاق مخيمي داداب وكاكوما للاجئين، وهما أكبر مخيمين للاجئين في أفريقيا.

كما أبلغت الحكومة الكينية مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنها ستنقل أكثر من نصف مليون لاجئ يعيشون حاليا في داداب وكاكوما إلى الحدود مع الصومال، إذا فشل المفوض في الإعلان عن خطة لإغلاق المخيمات في الإطار الزمني المطلوب.

غير دستورية

وقال الكاتبان إن هذه لم تكن المرة الأولى التي تصدر فيها الحكومة مثل هذا التهديد، فقد أعلنت السلطات الكينية عزمها إغلاق مخيم داداب لأول مرة في مايو/أيار 2016، فيما كان يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه محاولة للاستفادة من مخاوف الجمهور المتزايدة بشأن الأمن القومي، في أعقاب الهجوم الإرهابي على كلية جامعة غاريسا. وفي نهاية المطاف، منعت المحكمة الكينية العليا هذه الخطوة، معتبرة أنها غير دستورية.

وأضافا أن المراقبين يأملون أن يكون تهديد الشهر الماضي الذي جاء على خلفية التوترات المتزايدة بين كينيا والصومال، والذي انتهى إطاره الزمني الآن دون أي تحرك لإغلاق المخيم بالقوة، هو مجرد مسرحية سياسية، مشيرين إلى أنه ومع ذلك، فإن اللهجة الحازمة التي اتخذها المسؤولون الحكوميون بشأن هذه القضية، وزيارة رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الأخيرة إلى نيروبي، تسببت في قلق العاملين بالإغاثة وسكان المخيمين من أن التهديد -إن لم يكن الجدول الزمني- خطير.

وفي الثامن من أبريل/نيسان الجاري، أوقفت محكمة كينية مؤقتا خطط الحكومة لإجلاء اللاجئين بالقوة، لكن يبدو أن مصير المخيمين لا يزال غير مؤكد.

وحذر توموا وليفين من أن أي محاولة من قبل الحكومة الكينية لإغلاق هذه المخيمات دون المشاركة من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومن اللاجئين أنفسهم، ستؤدي إلى كارثة إنسانية لا يمكن تخفيفها، إذ لا توجد طريقة لنقل مئات الآلاف من الأشخاص عبر حدود متعددة، وإلقائهم في البلدان التي لا يريدون العودة إليها، دون التسبب في عنف واسع النطاق ومعاناتهم.

علاوة على ذلك، ونظرا إلى أن سكان هذه المخيمات هم لاجئون رسميا، فإن إعادتهم القسرية إلى الوطن تنتهك القانون الدولي.

ليست ملاجئ مؤقتة

في الغالب يُنظر إلى مخيمات اللاجئين على أنها ملاجئ مؤقتة، يعود سكانها "النازحون" إلى "ديارهم" بمجرد حل النزاع أو الكارثة الطبيعية التي دفعتهم إلى الفرار، لكن غالبية كبيرة من سكان كاكوما وداداب إما ولدوا هناك أو وصلوا في سن مبكرة جدا. إنهم لا يعرفون أي مسكن آخر غير هذين المعسكرين، وليس لديهم مكان يعودون إليه.

إن وجود هؤلاء اللاجئين على المدى الطويل، والذي يبدو دائما في كينيا، ليس بالأمر الشاذ. ففي كثير من الأحيان، يكون إبعاد اللاجئين هو الهدف، وليس نتيجة ثانوية للنزاعات التي تؤدي إلى موجات هجرة واسعة النطاق. لذا فإن بلدانهم الأصلية لا تتخذ أي إجراء لتسهيل عودتهم الآمنة، وحتى عندما تكون أسباب الهجرة القسرية على نطاق واسع "طبيعية"، نادرا ما يتم تخفيفها بما يكفي لتمكين العودة الآمنة لمعظم اللاجئين.

ونتيجة لذلك، تتطور المعسكرات المؤقتة من الخيام إلى أحياء حضرية دائمة، وحتى إلى مدن بمرور الوقت. وقد بدأ هذا النمط في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، أثناء تشكيل إسرائيل في فلسطين وتقسيم الهند، ومنذ ذلك الحين تكرر هذا النمط ليس فقط في كاكوما وداداب، ولكن في جميع أنحاء أفريقيا والعالم.

الهجرة واللجوء سيستمران

وأكد الكاتبان أن الهجرة القسرية الطويلة الأمد ومجتمعات اللاجئين الدائمين سيستمران في المستقبل المنظور، بالنظر إلى أن الظروف السياسية والبيئية التي تنتجهما تزداد خطورة مع مرور كل عام، مشيرين إلى أن عدد النازحين قسرا على نطاق العالم تجاوز 80 مليونا في 2020.

وقالا إن هذه الديناميكية أجبرت الخبراء والعلماء والوكالات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، على الاعتراف بمخيمات اللاجئين وإعادة تصورها كمستوطنات دائمة تحتاج إلى الاندماج في المجتمعات المضيفة المحيطة بها. ونظرا لأن العديد من الذين يعيشون في هذه المخيمات لا يملكون خيار "العودة إلى ديارهم" في المستقبل المنظور، فمن غير المجدي إبقاؤهم في مخيمات "مؤقتة" مسيجة، والسماح للمجتمعات المضيفة بأن تنظر إليهم على أنهم "ضيوف" تجاوزوا مدة الترحيب بهم ويستنزفون موارد بلادهم المحدودة بالفعل.

وفي كاكوما، يقول توموا وليفين، إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنشأت في 2016 مستوطنة جديدة تُسمى كالوبيي، تتميز بمستوى غير مسبوق من التكامل مع المجتمع المحلي. فهي تسمح للسكان المحليين بالوصول إلى الخدمات والمؤسسات والبنية التحتية المتفوقة المتاحة لسكان المخيم، مع تمكين اللاجئين من التنقل والعمل بسهولة أكبر في المنطقة المحيطة. وليس من المستغرب أن أدت التجربة إلى تحسين علاقات اللاجئين مع السكان المحليين بشكل ملحوظ.

أهمية ثقافية

وأكد الكاتبان أن الدعم المتزايد لإدماج أكبر لمستوطنات اللاجئين في المجتمعات المضيفة، يرافقه الاعتراف بأهمية هذه المخيمات كمواقع ذات أهمية "للتراث الثقافي غير المادي" تستحق الحفاظ عليها. ففي البداية، اقتصرت الدعوات للحفاظ على التراث الثقافي للاجئين على البيئات المبنية، مثل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تطورت إلى مدن نابضة بالحياة مع مرور الوقت. ولكن الآن، تدرك منظمات مثل اليونسكو وكذلك علماء اللاجئين، بشكل متزايد أن مستوطنات اللاجئين الطويلة الأجل مثل كاكوما وداداب قد طورت ثقافاتهم وهوياتهم المحلية الفريدة والمميزة التي تستحق الحماية والمحافظة عليها في حد ذاتها.

وعلى وجه الخصوص، يُعد التنوع القومي والعرقي والقبلي والديني في كاكوما غير مسبوق، إنه اتحاد أفريقي مصغر له تمثيل من نصف القارة تقريبا. وكما وصفه أحد المسؤولين الكينيين خلال زيارة قائلا "كاكوما بلد آخر"، وبالطبع لم يكن يقصد أنه يعمل خارج السيادة الكينية، بل أن ثقافته وواقعه المعاش خلقا شيئا ليس جزءا من كينيا ولا مجرد مخيم للاجئين. وسيتحقق أي شخص من صحة هذا الوصف بمجرد أن يخطو داخل المخيم ويسمع الطابع الفريد للغات والأطعمة والروائح والملابس، وربما الموسيقى التي لا تُنسى.

ثقافة تتشكل

من الموسيقى الكنسية في شرق أفريقيا إلى موسيقى الهيب هوب السواحيلية وبوب البحيرات العظمى وأشكال الموسيقى التقليدية المختلفة التي تم إحضارها من بلدانهم الأصلية، لا تشكل الموسيقى في كاكوما نفسها مجرد "تراث" من الماضي، ولكنها ثقافة حية تتنفس وفي طور التشكل، وتربط بين التواريخ والتقاليد التي جلبها سكان المخيم معهم والثقافة المشتركة الهجينة التي تطورت في المخيم على مدى 30 عاما.

موسيقيو كاكوما المتنوعون والشعراء والفنانون وصانعو الأفلام والصحفيون والمبدعون الآخرون يمثلون في وقت واحد الماضي والحاضر والمستقبل، ليس فقط من البلدان التي أتوا منها أو من كاكوما كمجتمع فريد، ولكن أيضا من الثقافات والمجتمعات الدائمة التطور في شرق أفريقيا، بحسب الكاتبين.

ومع تزايد التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية وعدم الاستقرار الناتج عن العولمة، فإن هجرة عشرات الملايين من الناس عبر الأراضي الحدودية غير المستقرة -بين الولايات المتحدة والمكسيك وميانمار وبنغلاديش، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا الاستوائية وحوض البحر الأبيض المتوسط- ستتسارع.

ويختم الكاتبان بالقول "سواء في الموسيقى والفن، أو ريادة الأعمال وإعادة تأهيل النظم البيئية المهددة، تقدّم مستوطنات اللاجئين الطويلة الأجل -وخاصة كاكوما وداداب، الواقعة في أفريقيا مهد الإنسانية- ثروة من التجارب والخبرات والأمثلة للتعلم منها، بينما تتكيف الإنسانية مع التحديات الوجودية التي يواجهها الجميع الآن. هذه المخيمات تستحق الاحتفاء بها والدعم بدلا من التهديد والإغلاق".

المصدر : الجزيرة