كابوس تواجهه مستشفيات القدس.. مديونية ومعاناة وأحدها توقف عن استقبال مرضى جدد

بسبب الأزمة المالية اضطرت إدارة مستشفى المُطّلع المقدسي منذ سبتمبر/أيلول الماضي لوقف استقبال مرضى السرطان المشخصين حديثا، لضمان توفير العلاج لمرضى السرطان الحاليين فيه وعددهم 700 مريض

مدخل مستشفى جمعية المقاصد الخيرية في جبل الزيتون بالقدس المحتلة (الجزيرة)

القدس المحتلة- "كابوس تواجهه مستشفيات القدس"، هكذا وصف الطبيب فادي الأطرش سكرتير الشبكة التي تضم المؤسسات الطبية العريقة بالمدينة المحتلة ما تواجهه من أزمة مالية خانقة، إلى جانب التحديات السياسية ومجابهة مساعي الاحتلال الإسرائيلي لإغلاقها.

وقال الأطرش في حديث للجزيرة نت إن جميع مستشفيات القدس متعثرة الآن في دفع رواتب موظفيها وفي الإيفاء بالتزاماتها، لافتا إلى جهود تقودها شبكة المستشفيات ومؤسسات أخرى لرفع معاناتها إلى المجتمع الدولي وحثه على إنقاذها.

6 مستشفيات مركزية

ما زالت المستشفيات الفلسطينية الستة العاملة في القدس المحتلة تفتح أبوابها أمام المرضى القادمين من الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى أهالي المدينة نفسها، وذلك رغم التحديات السياسية والمالية واللوجستية التي تواجه عملها اليومي.

ولمواجهة هذه التحديات وتوحيد الجهود انضوت هذه المؤسسات الطبية تحت مظلة "شبكة مستشفيات القدس الشرقية" عام 1997 بتوجيه من القائد المقدسي الراحل فيصل الحسيني، بهدف توحيدها وتعزيز دورها المفصلي في النظام الصحي الفلسطيني.

وتضم الشبكة مستشفى جمعية المقاصد الخيرية ومستشفى أوغستا فكتوريا (المُطّلع) ومستشفى العيون (سان جون) والمستشفى الفرنسي (سانت جوزيف)، بالإضافة إلى مستشفى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومركز الأميرة بسمة للتأهيل.

سكرتير شبكة مستشفيات القدس الشرقية الطبيب فادي الأطرش (الجزيرة)

تأثير كبير

وتحدث سكرتير شبكة مستشفيات القدس الشرقية فادي الأطرش -الذي يتولى منصب مدير عام مستشفى المُطّلع أيضا- عن المهام المنوطة بالشبكة والجهود الحثيثة التي تبذلها لإنقاذ هذه المؤسسات الطبية.

وقال الأطرش إن اجتماع المستشفيات تحت مظلة واحدة ساهم ولا يزال في تحسين جودة خدماتها وتعزيز صمودها في القدس كمؤسسات فلسطينية.

وأضاف أن لهذا الجسم تأثيرا كبيرا على المجتمعين المحلي والدولي لإيصال صوت المستشفيات التي تشكل العمود الفقري للنظام الصحي الفلسطيني تاريخيا كونها تقع في العاصمة.

وتتميز المؤسسات الصحية التي تتبع للشبكة بكونها رافدا أساسيا للنظام الصحي الفلسطيني في تدريب الأطباء وتوفير الخدمات غير الموجودة في مستشفيات الضفة الغربية وقطاع غزة، وعلاج الحالات الطبية الصعبة والمعقدة التي تحول إليها عبر وزارة الصحة الفلسطينية.

وبرزت الحاجة قبل عقدين ونصف لتوحيد الجهود الطبية في القدس لتثبيتها أمام سياسات الاحتلال الذي لا يرغب بوجود مؤسسات فلسطينية في المدينة، وفقا للأطرش.

وتطرق الطبيب الفلسطيني إلى أبرز التحديات السياسية التي تواجه عمل مستشفيات العاصمة، قائلا إن بناء الجدار العازل عام 2002 صعّب وصول المرضى من المحافظات الفلسطينية لتلقي العلاج في القدس.

وبرز دور شبكة مستشفيات القدس الشرقية آنذاك في التأثير على المجتمع الدولي لتذليل العقبات أمام وصول الأطباء الفلسطينيين وكذلك المرضى، بالإضافة إلى الحرص على استمرار انتماء مستشفيات القدس للنظام الصحي الفلسطيني وعدم تحويلها إلى مؤسسات تعمل في إطار النظام الصحي الإسرائيلي.

اضطر مستشفى المُطّلع في القدس لوقف استقبال مرضى مصابين حديثا بالسرطان لتأمين علاج المرضى السابقين (الجزيرة)

الكابوس اليومي

وعن التحديات المالية، يقول سكرتير الشبكة إن الديون المترتبة على وزارة الصحة الفلسطينية لصالح المستشفيات والناتجة عن تحويل عشرات آلاف المرضى سنويا للعلاج في القدس تقارب الآن 100 مليون دولار.

وأكد الأطرش أنه لا جدولة محددة لدفع هذه الديون، وهناك تعثّر كبير في دفعها بسبب الأزمة المالية المتجددة التي تمر بها السلطة الفلسطينية، "كما أن تأخير دفعة الاتحاد الأوروبي الثابتة خلال الأعوام الأخيرة للمستشفيات وانقطاع الدعم الأميركي خلال فترة الرئيس دونالد ترامب ساهما في تعميق الأزمة والتأثير على القدرة التشغيلية للمستشفيات وبالتالي على استيعاب المرضى".

وفي ظل هذه التحديات اضطرت إدارة مستشفى المُطّلع -مثلا- منذ سبتمبر/أيلول الماضي لوقف استقبال مرضى السرطان المشخصين حديثا لتلقي العلاج في أقسامها المختلفة والذين وصل عددهم إلى 500 حتى الآن، لضمان توفير العلاج لمرضى السرطان الحاليين في المستشفى وعددهم 700 مريض من الضفة الغربية وغزة.

وبسبب الأزمة المالية تتراكم الديون المستحقة على المستشفيات، وأكد الأطرش أن بعض الشركات ترفض الآن توريد الأدوية إلى هذه المؤسسات بسبب الديون، مشيرا إلى أن مستشفى المُطّلع يعجز حاليا عن سداد 18 مليون يورو لصالح الموردين.

وعند سؤاله عما إذا كان الإغلاق هو المصير الذي قد يواجه مستشفيات القدس الفلسطينية الستة في حال استمرت الأزمة المالية على ما هي عليه الآن، أجاب الطبيب الفلسطيني بأن هذه هي النتيجة المنطقية وربما الحتمية لهذه الأزمة الممتدة.

وأضاف أن "هذا هو الكابوس اليومي الذي نحاربه، خاصة أن جميع المستشفيات متعثرة الآن في دفع رواتب موظفيها وفي الإيفاء بالتزاماتها للموردين، وحاليا يسخّر الاتحاد اللوثري العالمي الذي يشغّل مستشفى المُطّلع بالتعاون مع شبكة مستشفيات القدس كل الطاقات من أجل رفع قضية هذه المؤسسات إلى المجتمع الدولي لحثه على إنقاذها ومناصرتها".

تخصصات شاملة

وبينما يتميز مستشفى المقاصد بعلاج وجراحة أمراض القلب والعظام والأطفال ويعتبر المستشفى التعليمي الأول في فلسطين يبرز مستشفى المطّلع بكونه مركزا لعلاج السرطان بتقديم خدمة متكاملة لهذه الفئة من المرضى، إلى جانب قسم لغسيل كلى الأطفال.

أما مستشفى العيون فيتميز بتقديم خدمات شاملة في هذا المجال وبأفرعه المنتشرة في جنوب وشمال محافظات الضفة الغربية، فيما يمتاز المستشفى الفرنسي بجراحات الكلى والمسالك البولية وقسم الولادة المتطور.

أما مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني فيبرز في مجال التوليد، ومركز الأميرة بسمة في تأهيل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وبذلك، تقدم المستشفيات المقدسية رزمة خدمات صحية شاملة للمرضى الفلسطينيين، وما تحتاجه فقط هو وضع جدولة ثابتة لدفع الديون المترتبة على السلطة الفلسطينية كي تتمكن من الصمود أمام الضغوطات الإسرائيلية الرامية لإغلاقها والسيطرة عليها.

المصدر : الجزيرة