اكتشاف أثناء تجريف امتداد لمقبرة اليوسفية بالقدس يصعّب تحويلها لحديقة توراتية

تعدّ أرض صرح الشهداء امتدادا لمقبرة اليوسفية وشهدت عام 1967 معركة بين قوات الاحتلال والجيش الأردني واستشهد في المكان 14 شخصا تم دفنهم هناك، وتتحدث روايات أخرى عن أن عدد المدفونين أكثر بكثير.

صورة عامة من أرض صرح الشهداء حيث تجري أعمال التجريف وتمت إعادة دفن رفات الموتى من جديد (الجزيرة نت)

القدس المحتلة – ما إن تتوقف أعمال الحفريات والتجريف في أرض "صرح الشهداء" التابعة لمقبرة اليوسفية الإسلامية الملاصقة لسور القدس التاريخي والمحاذية للمسجد الأقصى، حتى تعاود فرق بلدية الاحتلال وسلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية أعمال النبش بهدف تحويل المكان لحديقة توراتية.

المفاجأة التي تمنت الفرق الإسرائيلية ألا تحدث خلال أعمال التجريف قبل يومين هي ظهور رُفات موتى في المكان، الأمر الذي دحض رواية المؤسستين اللتين تدّعيان أن الحفريات سطحية، وأن لا مقبرة ولا موتى في الموقع الذي تجري فيه الحفريات.

الاعتداءات على المقابر الإسلامية في القدس ليس جديدا، بل بدأت منذ احتلال المدينة بهدف طمس هوية المكان والقضاء على التاريخ والهوية الإسلامية التي تنبض بهما أراضي العاصمة وقبورها.

تدّعي البلدية وفقا للمحامي المقدسي حمزة قطينة -الذي يتابع قضية مقبرة اليوسفية قضائيا- أن ملكية أرض "صرح الشهداء" التي تبلغ مساحتها 4 دونمات و400 متر تعود لها، وذلك منذ حلولها مكان "أمانة القدس" الأردنية عام 1967.

جزء من مكان دفن رفات الموتى الذين نبشت قبورهم جرافات بلدية الاحتلال وسلطة الطبيعة (الجزيرة نت)

تزييف وتضليل

وتصر البلدية -وفقا لقطينة- على تصنيف الأرض أرضا خضراء يجب أن تُحوّل لحديقة توراتية ضمن مشروع الحوض المقدس (كيلومتر واحد حول سور القدس)، وأنها الوحيدة التي بقيت خارج المشروع ولا يمكن اقتطاعها منه في هذه المنطقة الهامة.

ولتحقيق ذلك، يقول المحامي المقدسي إن البلدية تمارس كافة وسائل التضليل والتزوير أمام محكمة الصلح في القدس من أجل إقناعها بعدم وجود مقبرة في المكان، وللمضي قدما مع سلطة الطبيعة في تحويل هذه المقبرة إلى حديقة دون أدنى احترام لحرمة الأموات فيها.

وأضاف "هناك مؤامرة كبيرة جدا تشترك فيها البلدية مع سلطة الطبيعة ومحكمة الصلح التي تعطي تغطية قانونية للمشروع التهويدي المحيط بسور القدس التاريخي، ومنذ 10 أشهر نحذر من نبش القبور في المكان.

حمزة قطينة: هناك مؤامرة كبيرة لإعطاء تغطية قانونية للمشروع التهويدي المحيط بسور القدس التاريخي (الجزيرة نت)

و"فور ظهور الرفات في الحفريات الأخيرة توجهنا بطلب عاجل للمحكمة بوقفها باعتبارها جريمة ترتكب بحق الموتى، وانتزعنا قرارا لصالحنا، وتم في اليوم التالي تجميع الرفات ودفنها من جديد بعد الصلاة عليها".

ورغم أن ظهور الرفات يعد ورقة قوية بيد المحامين للحفاظ على هذه الأرض الوقفية، وفقا لقطينة، فإن البلدية لم تستسلم وأرسلت ردا خطيا للمحكمة أنكرت فيه أن ظهور الرفات يعود لعمليات الحفريات التي قامت بها جرافاتها.

وختم المحامي قطينة حديثه للجزيرة نت بقوله إن التوجه للمحاكم الإسرائيلية في هذه القضية لم يكن من منطلق أنها الجهة المنصفة، بل لكونها إحدى الأدوات المتوفرة بين أيدي المحامين للحفاظ على هذه الأرض الوقفية، التي أكدت الحفريات وجود قبور عشوائية فيها دون شواهد، وهو ما يتطابق مع رواية شهود عيان عام 1967 ممن أكدوا أنه تم دفن عشرات الشهداء والموتى في المكان بشكل جماعي بُعيد الحرب.

مقبرة اليوسفية استهدفها الاحتلال مرارا عبر هدم عدد من القبور ومنع أعمال الصيانة فيها (الجزيرة نت)

استهداف جديد قديم

وتمتد مقبرة اليوسفية على مساحة نحو 16 دونما في الجهة الشمالية الشرقية لسور القدس التاريخي، واستهدفها الاحتلال مرارا، ففي عام 2004 أصدر رئيس بلدية الاحتلال آنذاك أوري لوبوليانسكي أمرا إداريا بهدم عدد من القبور ومنع أعمال الصيانة فيها بتاتا، كما تم تدمير 20 قبرا فيها عام 2014، وسُكب الإسمنت فوقها حتى لا تُستخدم مجددا.

الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية قال إن مقبرة اليوسفية اعتُمدت مقبرة رسمية في العهد الأيوبي بعد ازدحام مقبرة المجاهدين الواقعة قرب باب الساهرة بالموتى، ودفن فيها معظم المجاهدين والمرافقين الذين قدموا إلى القدس مع القائد صلاح الدين الأيوبي.

وأضاف الباحث المقدسي أن المقبرة سميت باليوسفية نسبة ليوسف بن أيوب (صلاح الدين الأيوبي)، لكن هذا لا يعني عدم وجود قبور في المكان من فترات أقدم كالعباسية والفاطمية.

وعن أرض "صرح الشهداء" التي تعتبر امتدادا للمقبرة والتي تجري فيها أعمال التجريف، قال إنه عند صعود القوات الإسرائيلية خلال حرب عام 1967 من "عقبة الصوّانة" باتجاه البلدة القديمة دارت معارك بينهم وبين الجيش الأردني واستشهد بالمكان 14 شخصا تم دفنهم فيه وأقيم فيه صرحٌ تخليدا لذكراهم، وفي روايات أخرى يقال إن عدد المدفونين أكثر بكثير.

"ظهور رفات الموتى في المكان سيصعب مهمة البلدية وسلطة الطبيعة في تحويل المكان إلى حديقة وإن كانت الخرائط الهيكلية التي وضعتها البلدية تصنف الموقع كأرض خضراء"، يضيف أبو شمسية.

أرض صرح الشهداء جرت عليها معركة عام 1967 استشهد فيها 14 شخصا دفنوا فيها (الجزيرة نت)

بدوره قال خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري إن الاحتلال يعتدي على الأموات في القدس كما يعتدي على الأحياء، ولم تسلم القبور من الاعتداءات لأنهم طامعون في موقع مقبرة اليوسفية ونبشوا عدة قبور للشهداء.

وأكد أن بعض القبور في هذه المقبرة قديمة حيث دُفن بعض الموتى قبل 15 قرنا، وبالتالي لا بد من التأكيد على أن ادعاءات البلدية وما تسمى سلطة الطبيعة والحدائق باطلة، ويريدون من خلالها السيطرة على الموقع المهم والحساس المحاذي للمسجد الأقصى.

وتحتضن مقابر القدس الخمس الإسلامية رفات كثير من المجاهدين والعلماء والأمراء ممن ارتقوا دفاعا عنها في الحروب الصليبية وبعدها في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية.

كما يحتضن ترابها قبور عدد من الصحابة، أبرزهم الصحابيان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس، اللذان كانا من أوائل قضاتها وعينهما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

المصدر : الجزيرة