أحدهم نجا من الموت بعد رفعه علم فلسطين.. مقدسيون يستذكرون مجزرة الأقصى في ذكراها الـ 20

المقدسي نافذ الجعبة بعد إصابته في فمه من قبل قوات الاحتلال إثر اقتحام شارون للأقصى عام 2000 (الجزيرة)

قبل ٢٠ عاما، وبحماية ألفي جندي مدجج بالسلاح، اقتحم زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحات المسجد الأقصى، فامتلأ المسجد بالمصلين العُزل، الذين استعانوا بالأحذية والكراسي والأحجار لصد الاقتحام الاستفزازي، وكان الثمن مجزرة ثالثة في الأقصى، أشعلت شرارة انتفاضة فلسطينية دامت ٥ سنوات، وامتدت إلى كامل فلسطين المحتلة.

سميت الانتفاضة باسم انتفاضة الأقصى الثانية، وأسفرت عن استشهاد 4412 فلسطينيا وإصابة أكثر من 48 ألفا. أما المجزرة التي حدثت في المسجد الأقصى يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، فسميت مجزرة الأقصى الثالثة بعد المجزرة الأولى عام 1990، والثانية (هبة النفق) عام 1996.

Ariel Sharon's visit to the al-Aqsa mosque prompted the second intifada [AP]
اقتحام شارون للمسجد الأقصى عام 2000 أشعل شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (أسوشيتد برس)

تركوا مدرستهم وهبّوا للأقصى
حدثت المجزرة يوم الجمعة، أما اقتحام شارون فسبقها بيوم ومهد لها. يستذكر المقدسي نافذ الجعبة ما حدث يومها فيقول للجزيرة نت "كان اقتحام شارون في السابعة والنصف صباحا، وتزامن ذلك مع وجودي في مدرستي دار الأيتام في البلدة القديمة، فقرر طلاب المدرسة أن يغلقوا الصفوف ويتوجهوا للدفاع عن الأقصى".

دخل نحو ١٠٠ طالب من باب الناظر -أحد أبواب الأقصى الغربية- وتوجهوا نحو سطح قبة الصخرة نزولا من درجات البائكة الجنوبية الغربية، ورأى الجعبة قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي الذي انهال على المصلين العزل وطلبة المدارس، وناله منه رصاصة مطاطية على بعد 12 مترا، شقت فمه وأفقدته وعيه، ونقل بعدها إلى مشفى المقاصد في القدس.

مكث شارون 45 دقيقة في الأقصى قبل أن يؤمن جنوده انسحابه من باب المغاربة، لكن المواجهات استمرت حتى صلاة الظهر، ليغلق الاحتلال المسجد بعدها لفترة قصيرة ويجبره المصلون على فتحه عصرا، أما المواجهات فظلت مستمرة في الأحياء المقدسية القريبة من الأقصى.

أصيب فعاد في اليوم التالي
كان الجعبة في الـ 15 من عمره، ورغم إصابته فإنه أصر على الصلاة في المسجد الأقصى في اليوم التالي -يوم المجزرة-، ويقول إن قوات الاحتلال بدأت إطلاق القنابل على المصلين عشوائيا قبل انتهاء صلاة الجمعة بقليل، ويضيف "كان الدم يملأ ساحات المسجد، وتعمّد الجنود قتل المصلين وإصابتهم في الأجزاء العلوية من أجسادهم، ومن لا يصيبه الرصاص ينهالون عليه بالهراوات".

ارتقى في المجزرة ٧ شهداء، وجرح 250 آخرون، كان من بينهم المقدسي عبد الله معروف الذي كان شابا حينها، ويروي للجزيرة نت كيف انهال عليه عشرات الجنود بالضرب المبرح حتى فقد الوعي وأصيب برأسه وساقه.

يستذكر المقدسي عبد الله معروف ما حدث في مجزرة الأقصى كأنه البارحة (الجزيرة)

خطبة عن غزوة بدر سبقت المجزرة
يستذكر معروف فيقول "قصدت المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، ولفت نظري جنود محصنون بالدروع قرب باب المغاربة أراهم هكذا لأول مرة، صليت حينها في المصلى القبلي بعد خطبة قصيرة جدا للخطيب الشيخ حيان الإدريسي عن غزوة بدر الكبرى، هممت بعدها لأداء السنة البعدية وإذا بأصوات التكبيرات والرصاص تملأ خارج المصلى".

خرج معروف مسرعا من المصلى، ليرى الجرحى والشهداء يسقطون أمامه، واستطاع التعرف إلى أنواع الرصاص من تغيّر أصواته، فقد كان الرصاص المطاطي ذا ضجة أعلى، ثم هدأت الضجة ليتبعه الرصاص الحي حاد الصوت. ورأى الشهيد هيثم السكافي (45عاما) يصاب برصاصة فوق عينه اليمنى وينزف بشدة.

كان المصلون يركضون هربا من الرصاص العشوائي القاتل، وركض معروف ليحتمي بالمصلى القبلي، ليعاجله جندي ويضربه بهراوة أسقطته أرضا.

يقول معروف "كان وجهه مغطى باستثناء عينيه، أذكرهما جيدا حتى اليوم، ضربني ثم انهال بقية الجنود عليّ، فقدت الوعي واستيقظت قرب مصطبة الزهور، وأسعفني الشاب مصباح أبو صبيح -الذي استشهد لاحقا عام 2016- إلى عيادة المسجد الأقصى، ومنها إلى مشفى المقاصد".

إبراهيم رزق يشير إلى مكان رفعه العلم مرة أخرى عام 2001 فوق المصلى القبلي (الجزيرة)

رفع العلم مرتين
كانت ذكريات المقدسي إبراهيم رزق في مجزرة الأقصى مختلفة، فقد التقى وصديقه المقرب أمجد عكاوي يومها قرب قبة الصخرة وقررا رفع العلم الفلسطيني فوقها، كانا في الـ 15 من عمرهما، لكن شجاعة دبت في نفسيهما وصعدا نحو القبة مستعينين بمعدات الترميم آنذاك، وثبتا العلم بالحبال في الجزء الجنوبي من القبة.

يروي رزق تلك اللحظات للجزيرة نت فيقول "ثواني بعد تثبيتنا للعلم وإذ برصاصات تأتينا من قناصة إسرائيليين فوق باب السلسلة، أصيب صديقي أمجد برصاصة في الرقبة وأخرى أسفل القلب ثم وقع أرضا، جن جنوني حينها وبدأت أطلب المساعدة العاجلة لإسعافه، مشيت معه نحو باب الأسباط وهم يزفونه في اعتقاد منا أنه استشهد".

نقل عكاوي إلى مشفى المطلع بالقدس بحالة خطيرة، أما رزق فقرر العودة إلى الأقصى الذي لم تتوقف المجزرة فيه بعد، لكنه لم يعلم أن عودته تلك ستكلفه رصاصة في رأسه.

نزل رزق درجات البائكة الجنوبية الشرقية مسرعا فرأى شهيدا أصيب في رأسه وظهر دماغه، وأكمل نحو مسرح المواجهات بين باب المغاربة والمصلى القبلي، حينها أدار رأسه ليرى إصابة شاب وراءه، وإذا برصاصة مطاطية تصيب رأسه من الخلف وتفقده الوعي، ليسعف بعدها إلى المشفى الفرنسي في القدس.

يقول رزق إن إصابته تلك نزعت الخوف من قلبه، فعاد مرة أخرى عام 2001 ورفع العلم الفلسطيني فوق المصلى القبلي، برفقة الشاب تامر كاشور الذي أصيب في الأقصى عدة مرات واستشهد بعدها عام 2003.

ينظر رزق إلى باحات المسجد الأقصى مسرح ذكرياته ويختم "لن أتردد في رفع العلم مرة أخرى، لم أفد الأقصى وحدي، لقد استشهد صديقاي مجدي المسلماني وأسامة جدة في المجزرة، وأصيب أصدقائي محمد العامودي وسامح الدعاس، هناك أصدقاء آخرون اعتقلهم الاحتلال وتعرضوا للحرق الجسدي في السجون مثل أيمن الزربا وخضر جويحان، لقد دفع جيل المجزرة الثمن غاليا".

المصدر : الجزيرة