موقع بريطاني: في السودان.. انتقال السلطة إلى المدنيين في خطر

أبو زيد: يعتقد البعض أن محاولة الانقلاب الأخيرة الفاشلة لا تعدو أن تكون "بالونة اختبار" ترمي إلى استكشاف إمكانية القيام بانقلاب في المستقبل.

الكاتب: ستنطلق احتجاجات شعبية لا محالة إذا ما تعرضت الثورة للخطر (الأناضول)

منذ توقيع اتفاق لتقاسم السلطة في عام 2019 والسودان يُدار من قبل حكومة انتقالية قوامها مدنيون وعسكريون. وفي خضم التوترات بين شركاء الحكم من المكونين العسكري والمدني، أُحبطت محاولة انقلابية أواخر الشهر الماضي، ويا للمفارقة! إذ تزامن ذلك مع إلقاء الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه أمام الأمم المتحدة الذي أشاد فيه بالانتقال الديمقراطي الذي يشهده السودان.

بهذه العبارات التي لا تخلو من سخرية ممزوجة بحسرة، استهلّ أسامة أبو زيد -وهو باحث مشارك في مركز دراسات الاقتصاد الوثائقي والعدالة الاجتماعية فرع الخرطوم- مقاله بموقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) البريطاني.

وكتب أبو زيد -الذي يعمل أيضا منسقا لبرنامج منح المساعدات للقواعد الشعبية ومشاريع الأمن الإنساني (Grassroots and Human Security Projects) (GGP)- أن المحاولة الانقلابية التي وقعت في 21 سبتمبر/أيلول جاءت في أجواء يذكيها التوتر، وعدم الثقة وخلافات لا حصر لها تعصف بالحكومة الانتقالية.

وقال إن الخلافات بين شركاء الحكم ذهبت إلى مدى أبعد من ذلك إذ حمَّل نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان (حميدتي) السياسيين المدنيين المسؤولية عن المحاولة الانقلابية، في حين أصدر رئيس المجلس نفسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان بيانا أكد فيه أن البلاد ليس بها حكومة منتخبة حاليا وأن القوات المسلحة هي الوصية على أمن السودان ووحدته.

وأضاف أبو زيد أن التوتر بين المكونين المدني والعسكري تفاقم مع اقتراب موعد نقل رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين عملا ببنود وثيقة الإعلان الدستوري.

وسواء تم تسليم السلطة للمدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، كما كان متوقعا في الأصل، أو في العام القادم -حسب ما جرى التفاوض عليه في اتفاقية السلام المبرمة في جوبا- "فإن ذلك يبقى موضع تأويل قانوني".

وانتقد كاتب المقال قوى الحرية والتغيير التي تشكلت عند تأسيسها في يناير/كانون الثاني 2019 من ائتلاف عريض يضمّ سياسيين وجماعات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني، وقال إن هذا التحالف ظل غارقا في خلافات داخلية، وإنه يفتقر إلى رؤية واضحة إزاء كيفية حكم البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير مما أفسح المجال للعسكر لتولي زمام الأمور.

ولفت إلى أن عددا من أعضاء التحالف وقعوا أخيرا ميثاقا جديدا أكدوا فيه الحاجة إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية، ودعوا إلى عقد حوار جدّي بين المدنيين والعسكر لتحديد طبيعة تلك الإصلاحات.

غير أن غياب بعض الفصائل كان لافتا، ومن بينها حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والحزب الشيوعي السوداني. وأصبح الانشقاق في قوى الحرية والتغيير واضحا حينما أجاز تحالف آخر في الائتلاف نفسه ميثاقا جديدا أُطلق عليه اسم "الميثاق الوطني لوحدة قوى الحرية والتغيير".

ووفقا لكاتب المقال، فإن الميثاق الأول -الذي وقعته أطراف التحالف الأصلي-  لا يبدو أنه عمل على تخفيف حدّة التوتر، بل دفع مجموعة قوى الحرية والتغيير (2) المنشقة إلى إلقاء اللوم على بعض حلفائهم السابقين لاحتكارهم السلطة.

وأوضح أبو زيد أن هذا الخلاف الجديد قد يستغله شركاء قوى الحرية والتغيير العسكريون، مشيرا إلى أن مكائد بدأت تحاك بالفعل داخل قوى الحرية والتغيير لاستغلال حالة الانقسام في صفوفها، وتجلى ذلك في الهجوم الذي شنّه المنشقون على لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال "التي باتت قلب الثورة النابض".

ويرى الكاتب أن إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير قد تخلق في نهاية الأمر بيئة مثالية تتيح للعسكر إحكام قبضتهم على السطة رغم تأكيدات البرهان المتكررة أن الجيش لن يحاول القيام بانقلاب.

ويعتقد البعض أن محاولة الانقلاب الأخيرة الفاشلة لا تعدو أن تكون "بالونة اختبار" ترمي إلى استكشاف إمكانية القيام بانقلاب في المستقبل.

وفي نظر أسامة أبو زيد، قد لا تكون هناك حاجة إلى انقلاب يتيح للعسكر تولي السلطة، "ذلك لأن الانقسام الأخير بين المدنيين ربما يعيد رسم خريطة المشهد السياسي الهش في السودان ويؤدي إلى تمكين الجيش".

ومع الأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من ثورات الربيع العربي، فإن أي انقلاب لن يحقق على الأرجح نجاحا ولن يصونه؛ فقد شهد السودان من قبل ثورتين، على حد تعبير الكاتب الذي يؤكد أن احتجاجات شعبية لا محالة ستنطلق إذا ما تعرضت الثورة للخطر.

وبرأيه، فإن المخرج الوحيد أمام شركاء الحكم في السودان من المأزق الحالي يكمن في تمسك الطرفين بوثيقة الإعلان الدستوري المبرمة في 2019، وحلّ النزاعات عبر النظام القضائي، والأهم من ذلك الشروع في "حوار مدروس" يركز على حقوق المواطنين السودانيين في حياة كريمة.

وفي ما عدا ذلك، فإن السودان -طبقا للكاتب في ختام مقاله- يواجه خطر التعرض لعزلة دولية مرة أخرى إذا أخفقت عملية الانتقال الديمقراطي.

المصدر : ميدل إيست آي