شعار قسم ميدان

على أعتاب أوراسيا.. ماذا يعني انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟

مقدمة الترجمة

في مقاله المنشور بمنتدى شرق آسيا، يتحدَّث الكاتب جينغدونغ يوان عن انضمام إيران المرتقب لمنظمة شنغهاي للتعاون. فقبل أسابيع قليلة، أعلنت المنظمة التي تقودها الصين وروسيا أن طهران بدأت إجراءات العضوية الكاملة فيها، بيد أن الخبر الذي جذب الأنظار يظل محدودا في قدرته على تغيير طبيعة المنظمة أو حل مشكلات إيران، لا سيما بالنظر إلى الدور المتواضع الذي تريده موسكو وبكين لتلك المنظمة.

نص الترجمة

في اجتماعها الأخير بطاجيكستان (سبتمبر/أيلول الماضي)، أعلنت "منظمة شانغهاي للتعاون" (SCO) عن البدء رسميا في إجراءات منح إيران العضوية الكاملة بالمنظمة (التي تأسَّست عام 2001 بقيادة ست دول هي الصين وروسيا وأوزبكستان وكازاخستان وقرغزستان وطاجيكستان، ثم ضمَّت الهند وباكستان عام 2017، مع وجود أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا وإيران بوصفهم أربع دول مُراقبة، وتركيا وأرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا بوصفهم "شركاء حوار")*. وستكون تلك المرة الثانية التي توسِّع فيها المنظمة من نطاق عضويتها الكاملة منذ دخول الهند وباكستان، ساعية إلى مدِّ ذراعيها الآن من آسيا الوسطى وجنوب آسيا إلى الشرق الأوسط.

ثمَّة مآلات مهمة لانضمام إيران إلى منظمة شانغهاي، التي تُعَدُّ حتى اللحظة منظمة ترتكز إلى آسيا الوسطى بالدرجة الأولى، وتظل إيران هي المستفيد الأكبر من هذا القرار. ففي وقت تعاني فيه طهران عُزلة دولية، فإنها تأمل أن عضويتها في منظمة شانغهاي ستفتح الأبواب أمام فرص توسيع صِلاتها السياسية والاقتصادية والثقافية بشتى البلدان في تلك المنطقة، لا سيما مع وجود دولتين (الصين وروسيا) بالمنظمة تتمتَّعان بحق "الفيتو" في مجلس الأمن، ومن ثمَّ تتطلَّع إيران إلى إمكانية وجود صدى أكبر لديهما حيال القضايا التي تهمها مثل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. بيد أن ما يحمله انضمام إيران من دلالة يظل رمزيا دون تبعات ملموسة كبرى، على الأقل حتى الآن، أما ما يجذب إيران إلى مدار منظمة شانغهاي فيعتمد في الواقع على أهداف المنظمة وبنيتها وقدراتها.

المنظمة الضخمة والمحدودة

تُعَدُّ منظمة شانغهاي اليوم منظمة مُمأسسة بصورة رمزية، إذ تعقد اجتماعات لمسؤولين رفيعي المستوى ولكن هيكلها الحقيقي ضحل إن وُجِد على الإطلاق.

لقد تأسَّست منظمة شانغهاي قبل نحو عشرين عاما بأهداف محدودة، وإن كانت حيوية بالنسبة لأعضائها المؤسِّسين، وهي محاربة الشرور الثلاثة المتمثِّلة باتجاهات التطرُّف والإرهاب والانفصالية، إذ شكَّلت تلك التحديات الثلاثة خطرا جسيما بالنسبة إلى الصين وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى آنذاك. وقد اتسع نطاق عمل المنظمة منذئذ ليشمل على استحياء تنمية موارد الطاقة والتعاون الاقتصادي، غير أن الأهم كان حماية النظم السياسية للدول الأعضاء، والدعوة إلى ضرب جديد من ضروب العلاقات الدولية اعتبره كثيرون مناوئا للهيمنة الأميركية ونهجها الأُحادي (الذي وصل إلى ذروته إبَّان تأسيس المنظمة بالتزامن مع حربَيْ العراق وأفغانستان، والضغوط الأميركية المتزايدة لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في مناطق عدة)*.

بسطت الصين أذرعها ونفوذها بطول آسيا الوسطى وعرضها على مدار العقدين الماضيين، وكذلك عبر سواحل جنوب آسيا، علاوة على حضور متزايد في الشرق الأوسط. وقد ساعدت منظمة شانغهاي الصين في تأمين إمدادات الطاقة القادمة إليها عبر أوراسيا (من روسيا وآسيا الوسطى على السواء)*، بالتزامن مع مبادرة الحزام والطريق التي وسَّعت من نطاق الأهداف الجيوسياسية والجيو-اقتصادية للصين، لتتحدَّى بذلك موقع الولايات المتحدة المتفوِّق إقليميا.

وتُعَدُّ منظمة شانغهاي اليوم منظمة مُمأسسة بصورة رمزية، إذ تعقد اجتماعات لمسؤولين رفيعي المستوى ولكن هيكلها الحقيقي ضحل إن وُجِد على الإطلاق، تماما مثل برامجها التي تتسم بالتشتُّت والتباين بسبب الاختلافات بين الدول الأعضاء، التي تعوق تحوُّلها إلى منظمة ذات تأثير فعلي. ولكن لربما كان ذلك هو مقصد أعضائها المؤسسين، حيث إن الطبيعة الرمزية لمنظمة شانغهاي تعني أن الدول الأعضاء تبقى بمنأى عن تقليص سُلطاتها وسيادتها (على غرار ما تتطلَّبه عضوية الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو مثلا)*، وأن جُلَّ ما تقوم به هو تنسيق جهودها لمكافحة تلك الشرور الثلاثة ليس إلا.

بعيدا عن هيكل الأمانة العامة للمنظمة، فإن الذراع الوحيدة الصلبة في المنظمة هو "الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب" المعروف اختصارا بـ "RATS"، أما أبرز نشاطات المنظمة فهي التدريبات العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب التي تجري كل عامَيْن، وتشمل مشاركة روسيا دوما مع تزايد المشاركة الصينية في الآونة الأخيرة. وبالنظر إلى اهتمامها بحماية نظامها، وأهدافها الاقتصادية المتواضعة، وقدراتها المحدودة بوصفها دولة، فإن عضوية إيران ستُضيف بالكاد ثِقلا يُذكر إلى منظمة شانغهاي، أما احتواء لاعب كبير بالشرق الأوسط (مثل إيران) فهو يرمز إلى اتساع نطاق المنظمة جغرافيًّا واستمرار حضورها بوصفها مدافعا عن مبادئ مثل التنمية المشتركة والتعاون الأمني.

حين تتسع الجغرافيا.. تضيق الفعالية

لا نعلم بعد ما إن كانت المنظمة ستُعيد تعريف مساعيها بما يُتيح لها لعب دور أبرز في الملفات الاقتصادية والأمنية القادمة مستقبلا، التي تربط ثلاث مناطق ذات أهمية جيوسياسية وجيو-اقتصادية هي جنوب آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، إذ تشمل الملفات المهمة تنمية موارد الطاقة وتحقيق الاستقرار بأفغانستان وتعزيز الاتصال عبر البنية التحتية التي تربط أوراسيا بجنوب آسيا والشرق الأوسط. فرغم أن عضويتها تشمل فعليا 40% من التعداد السكاني العالمي و20% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، فإن قوة المنظمة وفعاليتها تظل محدودة وفقا لما يريده لها أعضاؤها الثلاثة الأبرز، روسيا والصين والهند (لا سيما مع الاختلافات الشاسعة بين الصين والهند اللتين يجمعهما تنافس شديد في ملفات إقليمية ودولية عديدة)*.

يعتمد إذن تحويل إمكانيات المنظمة إلى سياسات ملموسة وتعميق التعاون بين أعضائها على مدى تلاقي المصالح المختلفة للدول المشاركة فيها. ومن ثمَّ يُرجَّح أن تظل قدرة منظمة شانغهاي على تشييد بنيان أمني واقتصادي إقليمي بفعالية قدرة محدودة وانتقائية وتدريجية، أما احتمال أن يشتد وثاق المنظمة فتنبثق عنها منظمة أشبه بحلف الناتو أو "الرُّباعية" (منتدى للتعاون العسكري يشمل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا)* فهو احتمال بعيد إن لم يكن مستحيلا، وسيعتمد على تطوُّر العلاقات الأميركية-الروسية والأميركية-الصينية في المستقبل المنظور (آخذين في الاعتبار احتمالية تحالف واشنطن مع أيٍّ منهما في مواجهة الآخر كما حدث أثناء الحرب الباردة حين تحالفت مع الصين ضد الاتحاد السوفيتي)*.

رغم أن عضوية إيران الكاملة في منظمة شانغهاي للتعاون تمنح فرصة للمنظمة، فإن الواقع الجيوسياسي يشي بأن هناك كُلفة محتملة لعضوية كهذه.

يمكننا أن نتفهَّم صعوبة تحوُّل منظمة شانغهاي إلى تحالف وثيق بالنظر إلى التنوُّع الشديد في كُلٍّ من آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، وكذلك الكمِّ الهائل من الموارد الضرورية لمعالجة شتى التعقيدات الإقليمية في تلك المناطق. ولعل الدور البارز الذي يمكن أن تلعبه منظمة شانغهاي هو المساهمة في استقرار أفغانستان، وقد تلعب مجموعة التواصل بين المنظمة وأفغانستان (التي تأسَّست عام 2005) دورا أكثر فعالية في هذا الصدد. هذا وتسعى الصين للحصول على التزامات من حكومة طالبان بألا تسمح لجماعات الإيغور "الانفصالية"، مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية، أن تستخدم أفغانستان قاعدة لزعزعة الاستقرار في مقاطعة "شينجيانغ".

ورغم أن عضوية إيران الكاملة في منظمة شانغهاي للتعاون تمنح فرصة للمنظمة، فإن الواقع الجيوسياسي يشي بأن هناك كُلفة محتملة لعضوية كهذه، لا سيما أن المنظمة لا تملك القول الفصل في إمكانية أن تحصل إيران على الفوائد الاقتصادية المُلِحَّة من رفع العقوبات عبر رفع صادراتها النفطية، فما سيحسم ذلك الملف في الأخير هو التزام طهران باتفاق فيينا من عدمه، وما إن كانت الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق، وإلى أي مدى سترفع واشنطن عقوبات "الطرف الثالث" (التي تُقيِّد حتى الآن إمكانية مشاركة أي دولة أو شركة في نشاط اقتصادي مع إيران بسبب خضوعها للعقوبات الدولية، حيث يظل النظام المالي الدولي مرتبطا بالولايات المتحدة في نهاية المطاف، وليس بروسيا أو الصين)*.

على خلفية تلك الصورة الجيوسياسية المعقَّدة، على الأرجح فإن منظمة شانغهاي، بعد توسيع نطاقها مرة ثانية كي تشمل جمهورية إيران الإسلامية، ستسعى إلى مواصلة مكافحة "الشرور"، ولن تفتح أبواب الفعالية من أجل "الخير" على غرار تحالفات أخرى.

__________________________________________

*إيضاحات المترجم.

ترجمة: نور خيري

هذا التقرير مترجم عن East Asia Forum ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة