"في مساء الاثنين، توقفت مباراة ليستر سيتي ضد كريستال بالاس بعد نصف ساعة من انطلاقها ليُسمح لمدافع الثعالب ويسلي فوفانا ولاعب وسط النسور شيخو كوياتي أن يكسرا صيامهما… الحكم، غراهام سكوت، صنع التاريخ في تلك الليلة، ببساطة لأنها كانت المرة الأولى لواقعة من هذا النوع"

(تقرير لموقع ذي أثلتيك (The Athletic) بتاريخ 30 أبريل/نيسان 2021(1))

دعنا نحدثك بصراحة، كان من المفترض أن يكون هذا تقريرا تقليديا عن تأقلم اللاعبين المسلمين مع الصيام في أوروبا. نحن نهتم بهذه الأمور طبعا لأن الإيمان يصبح أكثر إلهاما في البيئات غير الودية، ولكننا كدنا ننسى -كما ننسى كل عام- السؤال البديهي: لماذا هي بيئة غير ودية أصلا؟

دخول مفاجئ

صدق أو لا تصدق، كانت تلك الواقعة الأولى من نوعها فعلا. صدق أو لا تصدق، لم يكن الإنجليز ليدركوا ما حدث لولا تغريدة فوفانا عقب المباراة، التي شكر فيها زملاءه وقادة الفريقين والحكم على السماح له بكسر صيامه أثناء المباراة بعد الاتفاق على موعد التوقف قبلها. فيسنتي غوايتا، حارس كريستال بالس، تباطأ عمدا في تنفيذ واحدة من ركلات المرمى طبقا للاتفاق المسبق مع الحكم غراهام سكوت وقادة الفريقين، لينطلق فوفانا إلى الخط ويتناول ثمرة موز وبعض السوائل لكسر صيامه.

Just wanted to thank the @premierleague as well as @CPFC , @vguaita13 all the Foxes for allowing me to break my fast tonight in the middle of the game. That's what makes football wonderful 🙏🏾✊🏾#WF3 #PourEux pic.twitter.com/d56o8A8ZGo

— LAWESTT (@Wesley_Fofanaa) April 26, 2021

صدق أو لا تصدق، لم يكن أحد ليفهم حاجة فوفانا إلى الطعام والشراب لولا تلك التغريدة. فجأة، بدأت الأسئلة تُطرح في الإعلام الإنجليزي والأوروبي: صيام؟ مسلمون؟ رمضان؟ لماذا يحتاج إلى…؟ حسنا، كيف يلعب إذن؟ من الشروق للغروب؟ حقا؟(2)

للوهلة الأولى يبدو هذا المشهد أنسب لأحد أفلام العبودية التي تدور أحداثها في عقود نشأة الولايات المتحدة، حتى إنه يحتوي على كل عناصر الحبكة المعتادة، من الترتيب المسبق للحدث، و"الآخر المتعاطف" ممثلا في الحكم الإنجليزي والحارس الإسباني، ثم لحظة النهاية السعيدة التي يصفق لها الجميع عندما ينجح فوفانا في التهام الموزة بسرعة قبل أن يستأنف مواجهته الفردية مع ولفريد زاها.

في تقرير سابق نُشر في 2017 عبر صفحات مجلة "فور فور تو (Four Four Two)" العالمية، واعتُبر سبقا صحفيا هائلا وقتها، يستضيف الإنجليزي الشاب "بِن وِلش"، محرر المجلة، المهاجم الإنجليزي المسلم المعتزل "ناثان إلينغتون"، ليصدم العالم بتصريحات قيلت لأول مرة. مفاجأة، الاعتقاد الشائع عن المسلمين ليس صحيحا، فهم لا يصومون بغرض تعذيب أنفسهم.(3)

المفاجأة الثانية التي أفقدت العالم توازنه فعلا كانت قوله بأن تعذيب النفس ليس طريقة المسلمين لإظهار إخلاصهم لله، وأن الغرض الحقيقي للصيام هو التحكم في الذات، والتأمل، وحمد الله على ما يملكونه، وتصفية الذهن، والتحرر من الشهوات، وأنه -مفاجأة أخرى- أحد أركان الإيمان الخمسة.

لا بد أن "وِلش" لم يكن يصدق ما يسمعه. نحن لا نتهمه -هو أو غيره- بالتحيز ضد المسلمين طبعا، بل العكس هو الحقيقة على الأرجح، ولكن بمجرد قراءة التقارير الصحفية الأوروبية المختلفة عن صيام المسلمين في رمضان، ستدرك…، حسنا، ستدرك الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى 10 تقارير لمناقشتها، ولكن الجهل والخوف يتصدران القائمة طبعا، الجهل بمعناه الحرفي، لا بقصد الإهانة.

من أنتم؟

يتضح ذلك من حرص بعض التقارير التعريفية على التأكيد لقرائها على أن أتباع هذه الديانة (الإسلام) يمثلون 1.6 مليار إنسان في أقل تقدير، وبنسبة تبلغ 20% من تعداد العالم. هذا يعني أن واحدا من كل 5 أشخاص يعيشون على سطح الأرض مسلم، وهذا يقودك لتساؤل بديهي آخر: ما الذي حدث وجعل كل هؤلاء بحاجة إلى التعريف بوجودهم؟(4)

الإجابة شديدة التعقيد بدورها، لذا لن نناقشها هنا، ولكن جزءا مهما منها يقبع في حقيقة أن هناك اختلافا جوهريا بين الواقع الذي تعيشه أندية أوروبا منذ سنوات، وبين قدرة الإعلام الأوروبي عموما، والإنجليزي خصوصا، على مواكبته. الناس في إنجلترا وأوروبا ليسوا بهذا الانعزال عن المسلمين، ولكن محرري الصحف ومراسلي القنوات والشبكات لا يأتون من هؤلاء الناس فيما يبدو، أو لعله الاحتمال البديهي الآخر الذي جال بذهنك.

على سبيل المثال، لم يكن غوايتا المتواطئ الوحيد، في تسجيل آخر لحساب كريستال بالاس الرسمي بعد واقعة فوفانا بأيام، كشف شيخو كوياتي عن فضول زميله كريستيان بنتيكي بشأن طقوس رمضان. السنغالي لم يستطع تمالك ضحكاته وهو يحكي للمراسل كيف شاركهم المهاجم البلجيكي كل شيء، بدءا من الامتناع عن الطعام والشراب منذ الفجر، ومرورا بمحاولة قراءة القرآن، ونهاية بأداء صلاتي المغرب والعشاء في نهاية اليوم، وكأنه أراد خوض التجربة كاملة.(5)

في تقرير آخر لـ"بي بي سي (BBC)"، يكشف إسماعيل بامجي، مدير منظمة "Muslim Chaplains in Sport"، عن تعاون دائم مع أندية إنجلترا، وعلى رأسها مانشستر سيتي وليفربول، وعبر كل المراحل العمرية المختلفة.(6)

المنظمة التي تُعَدّ الكيان الرياضي المسلم الوحيد المعتمد والممول بالكامل من البريميرليغ ورابطة الأندية الإنجليزية، والتي أُسست في 2014، يُسمح لها بالتواصل مع الـ92 ناديا الناشطين في درجات إنجلترا المحترفة، لتسهيل التأقلم على اللاعبين المسلمين، وإرشاد مسؤولي هذه الأندية وموظفيها للطرق المُثلى للتعامل مع احتياجاتهم، لا سيما في شهر رمضان.

"أحد أندية البريميرليغ طلب مني التواصل مع أحد لاعبيهم لإقناعه بتأجيل صيام رمضان. لم يكن هذا يجوز لأن قواعد الاستثناء لا تنطبق عليه، وكان عليّ أن أصارحهم بالحقائق"

(إسماعيل بامجي، مدير منظمة "Muslim Chaplains in Sports" لـBBC في مارس/آذار 2022(6))

View this post on Instagram

A post shared by beIN SPORTS (@beinsports)

أساسا، بعد واقعة فوفانا ذاتها، كان أبرز من تحدث هو برندان رودجرز، المدرب الفرنسي، معربا عن إعجابه الشديد بلاعبه، ودهشته من القوة والصلابة الذهنية والبدنية التي يكتسبها من التمسك بشعائر دينه، والتي دفعت رودجرز للتراجع عن فكرة تبديله مبكرا أثناء المباراة، ببساطة لأنه لاحظ أن أداءه لم يتأثر، رغم كونها المباراة الثانية تواليا التي يدخلها بعد صيام 14 ساعة، ولا يكسره إلا في ربع الساعة الأخير من المباراة.(1)

دهشة رودجرز منطقية، ببساطة لأن تلك المساحة لا تزال عالما مجهولا للعِلم الرياضي، الدراسات المعنية بأثر الصيام على أداء اللاعبين في المباريات شبه منعدمة، وأكثرها دراسات تمت في فترات التحضير ما قبل الموسم أو أثناء التدريبات خلالها، ببساطة لأن المدربين والمعدين البدنيين كانوا يفضلون إخراج الصائمين من التشكيل الأساسي عوضا عن مساعدتهم.(7)(8)(9)

كل ما نملكه في تلك المساحة حتى اللحظة هو استطلاعات الرأي، فطبقا للدكتور عبد العزيز فاروق، طبيب الأوبئة، في مداخلة مع "يورونيوز (Euronews)"، فإن 80% من اللاعبين المسلمين يعتقدون أن قوة تحملهم تتأثر بالصيام، و70% يعانون من تراجع في التركيز والحدة الذهنية، و60% يشكون من جودة نومهم أثناء الشهر الكريم. باستثناء ذلك لن تجد سوى تدوينات من بعض الأطباء المستقلين عن فوائد الصيام عموما، وأثره على التركيز والقدرات الذهنية بمجرد التعود عليه.(10)

أن تأتي متأخرا!

على الأرض، هناك شوط طويل قد قُطع منذ أيام التوجس من اللاعبين المسلمين من حيث المبدأ، أو تخييرهم بين الصيام والاحتفاظ بموقعهم في التشكيل. جميل رشيد، مدير الاتصالات بمؤسسة "نجوم الرياضة (Nujum Sports)" الخيرية، يشرح كيف يعملون مع الكثير من فرق الأكاديمية في أندية البريميرليغ، ومن ضمنها فريق واتفورد تحت 23 عاما.(1)(6)

هذا العمل يتضمن ورشا للتعريف بشعائر الإسلام، وأسباب الصيام وأهميته، وأبرز الطقوس الممارسة في شهر رمضان، وأعذار الامتناع عن الصيام. باختصار، كل ما يمكن أن يزيل آثار عقود من التجهيل والشيطنة والإقصاء.

الإنسان عدو ما يجهل. ربما كان هذا هو ما دعا إلينغتون للقول بأن الصيام ليس بالصعوبة المُتخيلة، وأن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حوله، زملاؤه يعتقدون أن الامتناع عن الطعام والشراب، وأداء التدريبات والمشاركة في المباريات في الوقت ذاته، هو أصعب شيء يمكنهم تخيله، ولكن إلينغتون يحرص على التهوين من الأمر، ربما يفعل ذلك وسيلةً للتقرب وإزالة الحواجز الثقافية.(3)

الاحتمال الآخر هو أن تلك هي مشاعر إلينغتون حول الصيام فعلا، فهناك شوط طويل آخر قد قُطع في إعداد اللاعبين للصيام كذلك. دكتور زافار إقبال، طبيب كريستال بالاس، يتحدث عن برامج تغذية معدة خصيصا للاعبين المسلمين، تهتم بتوزيع الوجبات قدر الإمكان بعد الإفطار، وتنويع السعرات ما بين "سريعة التحرر" أو "Quickly Released Carbs" وقت الإفطار، مثل التمر والحليب، وبين السعرات بطيئة التحرر التي يحتاجون إليها -بطبيعة الحال- قبل الإمساك.(5)(11)

كل منهم له برنامجه الغذائي الخاص، بالضبط كما هو الحال في باقي شهور العام، والنصيحة الأهم من "إقبال" هي استخدام سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بالصيام مرتين أسبوعيا للاستعداد للشهر وتكييف الجسد على المشقة. هذا جزء من برنامج منظمة نجوم الرياضة التعريفي كذلك، بالإضافة إلى "عبوات رمضان" التي تُوزَّع على لاعبي الفريق الأول والأكاديمية عبر أندية البريميرليغ للتعريف بعادات الشهر الكريم، والتي تطوع واين روني، مدرب داربي آنذاك، بتوزيعها بنفسه على مسلمي الأكاديمية.

كارل أنكا، محرر ومحلل ذي أثلتيك، يعتقد أن لأمثال محمد صلاح وساديو مانيه فضلا كبيرا في هذا التطور السريع في السنوات الأخيرة، حتى وإن كان متأخرا، وهو رأي يحمل الكثير من الوجاهة في ضوء دراسة جامعة ستانفورد الشهيرة، التي زعمت بأن جرائم الكراهية ضد المسلمين في ليفربول قد تراجعت بنحو 20% ما بين 2017، تاريخ انضمام صلاح، و2019، تاريخ صدور الدراسة.(1)(12)

النظر لقواعد كرة القدم غير المنطوقة يمنح تلك الدراسة المزيد من الوزن، فالمهاجمون أكثر شهرة وتأثيرا، وهم من يتخذهم أغلب جمهور كرة القدم قدوة أو مثلا أعلى، لأن أهدافهم ومراوغاتهم تجعلهم أكثر جاذبية للمراهقين المتحمسين، هؤلاء الذين يرتكبون أكثر تلك الجرائم.

الآن، كشفت المصادر الإعلامية المختلفة عن إصدار لجنة الحكام تعليمات محددة بتوقفات للإفطار أثناء المباريات التي تنطبق عليها الشروط، بوصفها حقا طبيعيا للاعبين المسلمين، دون الاحتياج إلى ترتيبات خاصة. خطوة أتت متأخرة للغاية، متأخرة لدرجة أنها تبدو كصفعة تُذكّرنا بموقعنا في السلم الإنساني الحالي، أكثر من كونها لفتة إنسانية تحقق شيئا من عدالة مستحقة، ولكن كما يقول الإنجليز أنفسهم: أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي.(13)(14)

العزاء الوحيد هو أن هناك الكثير من السفراء في تلك الدول يكسرون الحواجز كل يوم، لم يكن إلينغتون أولهم، ولن يكون صلاح وكوياتي وكانتي آخرهم، ومع سقوط تلك الحواجز، يظهر أمثال بنتيكي وغوايتا وروني، الذين، بدورهم، يصنعون ما لا يمكن تجاهله: بشر عاديون يتواصلون مع أمثالهم من البشر العاديين، هؤلاء الذين تربطهم بهم تجارب وانتصارات وهزائم وذكريات ومشاعر، لم تسأل عن ديانتهم أو سبب صيامهم قبل أن تتكون وتصير واقعا.

_________________________________________________________________________

المصادر:

1. أن تكون لاعب كرة قدم خلال رمضان – The Athletic
2. وسلي فوفانا يشكر البريميرليغ بعد السماح له بكسر صيامه خلال مباراة كريستال بالاس – Sky
3. كيف يتأقلم لاعبو كرة القدم خلال رمضان؟ – Four Four Two
4. كيف يتأقلم اللاعبون المسلمون مع الصيام قبل كأس العالم؟ – BR
5. شيخو كوياتي ودكتور زاف؛ أن تكون لاعب كرة قدم مسلم في رمضان – Crystal Palace
6. رمضان 2022؛ كيف تطور كرة قدم البريميرليغ لتساعد اللاعبين المسلمين في رمضان؟ – BBC
7. دراسة | لاعب كرة القدم المسلم ورمضان؛ التحديات الحالية – Pub Med
8. دراسة | تأثير صيام رمضان على أداء لاعبي كرة القدم البدني والمتغيرات الأخرى – Pub Med
9. دراسة | الوصول لأفضل أداء رياضي ممكن أثناء رمضان؛ توصيات عملية – Pub Med
10. الصيام؛ أداة عظيمة للياقة البدنية والصفاء الذهني والعمر الطويل – The Renegade Pharmacist
11. كيف يجعل رمضان لاعبي كرة القدم أفضل؟ – Soccer Stories
12. دراسة | محمد صلاح تسبب في تراجع الإسلاموفوبيا في ليفربول منذ انضمامه – The Independent
13. لاعبو البريميرليغ ورابطة الأندية الإنجليزية المسلمين سيمنحون فرصة لكسر صيامهم أثناء المباريات – Sky
14. تعليمات للحكام الإنجليز بمنح اللاعبين المسلمين توقفات لكسر الصيام أثناء المباريات – The Athletic