شعار قسم ميدان

رحيل رونالدو عن مانشستر يونايتد.. متى يتوقف الهراء؟

هناك "ميم" (Meme) متداول من مسلسل كارتون "CatDog" اشتهر بشدة في السنوات الأخيرة، يظهر فيه الفأر "وينزلو ت. أودفِلو" وهو يخرج من جحره، ثم في المشهد التالي مباشرة يظهر عائدا إلى جحره مغلقا الباب خلفه، في حركة ميكانيكية واعية تماما.

هذا "الميم" عادة ما يُستخدم مع التغريدات شديدة الغباء مثلا، أو الآراء المُغرِقة في التطرف؛ يخرج "وينزلو" من جحره، ويراها، فيعود مجددا في استسلام لأنه ليس جاهزا للتعامل مع هذا الهراء كما يقول أهل بلده.

مع الوقت، أصبح هذا "الميم" هو أكثر ما يُتداول عن "وينزلو". أغلب الناس عرفوا شخصيته من خلاله أصلا، لأن أغلب الناس خارج الولايات المتحدة الأميركية لا يشاهدون قناة "Nickelodeon" ولم يسمعوا عن مسلسل "CatDog" من قبل، وبالتالي ليسوا مُلمّين بالسياق الذي أتت فيه اللقطة، وإنما فقط يعلمون كيف تُستخدم على الشبكة. (1)

بالطبع يمكنك أن تتخيل كيف أوجد ذلك قدرا من الحيرة؛ هل استخدامها بعد إعلان رونالدو رغبته في الرحيل يعني السخرية من رونالدو نفسه، باعتبار أن رحيله سيكون مفاجأة بعد ما حدث وما قيل عند التوقيع معه، أم أنه يسخر من نادي مانشستر يونايتد، بعد أن فشل في استغلال نجوميته وأهدافه، ليس في المنافسة على اللقب، بل حتى في اللحاق بمقعد مؤهل لدوري الأبطال؟

هُراء

ما يُغذِّي هذه الحيرة باستمرار هو صعوبة الاتفاق على تعريف واضح للهراء الذي يُعيد "وينزلو" إلى جحره مرة أخرى بعد أن كان متحمسا ومنفتحا على الحياة. في الواقع، يصعب أن نتفق حتى على هوية "وينزلو" في هذه الحكاية؛ هل هو رونالدو، أم مانشستر يونايتد، أم المدرب المؤقت رالف رانييك؟

بعد تعيينه في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، كان رالف رانييك يقترح بيع رونالدو على الإدارة في يناير/كانون الثاني، والسبب كان بسيطا ومفهوما؛ رونالدو يخلق معضلة لا حل لها، وهي أن الألماني المولع بالضغط والتحولات، الذي يولي أهمية كبيرة لهيكل الفريق التكتيكي في المراحل المختلفة، لا يستطيع اللعب برونالدو في التشكيل الأساسي، وفي الوقت ذاته هو لا يستطيع إبقاءه على الدكّة، لأنه يُسجِّل الكثير من الأهداف. (2)

مانشستر يونايتد الذي تولى رانييك إدارته في نوفمبر/تشرين الثاني كان يحتاج إلى رونالدو بشدة في الملعب، ولكن مانشستر يونايتد الذي كان يحاول رانييك بناءه -وإن فشل- كان يحتاج إلى رونالدو على الدكّة. بعد شهر واحد فقط، كان رانييك قد أدرك أن الهراء الحقيقي هو أن نادي مانشستر يونايتد لم يدرك هذه المعضلة إلا بعد فوات الأوان. (3)

هذا هو الأصل في القصة، لأن مجلس الإدارة الذي قرَّر التعاقد مع أسطورته السابقة هو العنصر الوحيد الذي سيظل مشتركا بين نسختَيْ الفريق المتعارضتين؛ تلك الموجودة حاليا، وتلك التي أتى رانييك ليصنعها، أو حتى تلك التي سيصنعها تن هاخ في المستقبل.

أغلب الظن أن مجلس الإدارة كان يفكر بالطريقة ذاتها التي فكَّر بها منذ رحيل فيرغسون؛ الافتراض غير العقلاني بأن كل شيء سيصبح على ما يُرام عند لحظة ما، لا لسبب إلا أن هذا هو مانشستر يونايتد، وأن استمرار الحال على ما هو عليه سيعني أن هناك مصيبة حقيقية، ولا يمكن للمصائب الحقيقية أن تحدث عندما يكون مدربك أسطورة من أساطير جيل 1999، أو عندما يكون مهاجمك أفضل لاعب مرَّ على النادي في تاريخه. المصائب تحدث للآخرين فقط.

إدارة مانشستر يونايتد ظنَّت بأن الوصول إلى المركز الثاني خلف سيتي، في موسم بدَّل فيه تشيلسي مدربه، واجتاحت فيه الإصابات ليفربول لدرجة احتياجهم إلى معجزة للتأهل لدوري الأبطال، هو إنجاز يمكن البناء عليه. هذا يشبه أن تحكم على قدرات سوبرمان وهو على كوكب كريبتون، ثم تتخيل أن هذا سيكون حاله على الأرض، والفارق الوحيد هنا أن مانشستر يونايتد قد رأى ما يمكن لتشيلسي وليفربول إنجازه فعلا في الظروف الطبيعية، ولم يكن بحاجة إلى الاستنتاج.

ما أسوأ شيء قد يحدث إن تعاقدت مع رونالدو وسانشو وفاران بعد أن أحرزت المركز الثاني خلف مانشستر سيتي؟ لا بد أن هذا السؤال قد طُرح بهذه الصيغة بالضبط في أحد مكاتب كارنغتون بعد نهاية الصيف الماضي، ولا بد أن إجابته كانت محسومة في نظر الكثيرين خارج كارنغتون أيضا. (4)

المزيد من الهُراء

المفاجأة في هذه القصة أن هناك نسخة منها يتقمص فيها مانشستر يونايتد وجمهوره نفسه دور "وينزلو"، حينما يكتشف أن رونالدو ليس اللاعب الذي يظنه، بل إن خلف الحديث الدائم المتكرر عن احترافية رونالدو وإخلاصه وتفانيه في مهنته قدرا لا بأس به من الهراء أيضا.

يحكي الكاتب الصحفي الأشهر جوناثان ويلسون عن مرات عديدة في حقبة رانييك القصيرة، أوقف فيها رونالدو التدريبات التكتيكية -التي يعمل فيها الفريق على هيكله وشكله أثناء مراحل الدفاع والحيازة المختلفة- لا لسبب إلا أنها لم تعجبه، فمن وجهة نظره؛ يجب أن تكون التدريبات "مرحة" و"ممتعة"، وتلك التدريبات لم تكن كذلك. (5)

الهراء امتد أيضا لديربي مانشستر، عندما شعر رونالدو بآلام في خصره، وبمجرد تأكيد غيابه عن اللقاء، سافر إلى البرتغال دون إذن من النادي، بل ودون إخطار النادي أصلا، وبعد هذه اللقطة بأربعة أشهر فقط لا غير، كان رونالدو يتغيَّب عن المران الأول للفريق تحت قيادة تن هاخ. (6)

بعد الخروج من أتليتكو مدريد في دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا، ونهاية الموسم عمليا، ذكر موقع "ذي أثلتيك" (The Athletic)، طبقا لمصادره داخل النادي، أن العديد من اللاعبين يعتقدون أن رونالدو سيفكر في الرحيل إلى نادٍ آخر يمنحه الفرصة في زيادة أهدافه في دوري الأبطال، ولكن لم يتوقع أحد حينها أن يصل الهراء إلى هذا المستوى. (7)

في يوم الاثنين 4 يوليو/تموز 2022، توافدت سيارات لاعبي الفريق الأول على مركز تدريب كارنغتون منذ السابعة والنصف صباحا استعدادا لخوض أول مران تحت قيادة الهولندي، ولم تكن من ضمنهم سيارة رونالدو، واضطر النادي للانتظار حتى التاسعة ليأتيه خبر من محيط البرتغالي أنه لن يستطيع الحضور بسبب "ظروف عائلية"، "ظروف" تقبَّلها النادي على مضض طبعا لأنه لم يملك خيارا آخر. (6)

قبل ذلك بأسبوع، كان وكيل رونالدو يجلس مع تود بويلي، مالك تشيلسي الجديد، ليناقشا احتمالية انضمامه إلى البلوز بعد رحيل لوكاكو. رونالدو ليس مستعدا لترك مانشستر يونايتد وحسب، بل إنه مستعد كذلك للعب ضمن صفوف منافس مباشر، والمساهمة في حرمانه من مقعد مؤهل لدوري الأبطال للموسم الثاني تواليا. (7)

دعنا أيضا نذكِّرك أن تلك الجلسة، إلى جانب كونها تفتقد إلى الاحترافية، وحتى أبسط قواعد اللياقة والاحترام المهني، فهي كذلك ليست قانونية ابتداء، ببساطة لأن عقد رونالدو ما زال ساريا لاثني عشر شهرا قادما، ولا يحق له التفاوض مع أي نادٍ آخر في هذه اللحظة، سواء بشخصه أو عبر وكيله مينديش، إلا بموافقة يونايتد، الذي أعلن بدوره أنه ليس للبيع، ولا يزال ينتظر عودته قبل السفر إلى بانكوك يوم الجمعة في افتتاحية جولته الصيفية، لأن غيابه سيعني خسارة مضاعفة للنادي، فمن ناحية، سيخسر عددا من عقود الرعاية المحتملة في هذه الجولة، ومن ناحية أخرى، سيضطر لدفع الشروط الجزائية للعقود التي وقَّعها بالفعل. لو كان "وينزلو" مشجعا ليونايتد، أو حتى رونالدو، لعاد وأغلق الباب في تلك اللحظة. (7)

إف سي رونالدو

الآن سنمنحك دقيقة لتتخيل هذه المواقف مجددا مع تبديل اسم رونالدو باسم صلاح أو دي بروينه أو كانتي أو كين، وبعد أن تفشل في ذلك طبعا، سنخبرك أن رونالدو يتقاضى أكثر من كل هؤلاء، ولهذا السبب تحديدا هو لا يمانع إجبار النادي على معادلة صفرية، يضطر فيها النادي إلى الاختيار بين وجوده وبين أي شيء آخر. (8)

رانييك لم يحصل أبدا على السلطة الكافية لمواجهة هذه المواقف، ببساطة لأنه كان مدربا مؤقتا؛ عنوان وظيفته نفسه كان يُقلِّل منه بطريقة أو بأخرى، ولكن مجرد تخيُّل المواقف ذاتها مع مدرب مثل تن هاخ سيُجبر الجميع على الاختيار بين الهولندي والبرتغالي، ببساطة لأن الأول لن يقبل بإيقاف المران لأنه ليس "مرحا" بما يكفي، والثاني لن يقبل بأن يتحوَّل إلى جندي آخر في منظومة الأول ما دام بإمكانه أن يصبح جنرالا في مكان آخر، وهذا كله يقودك إلى حقيقة تغيب عن الكثيرين منا أحيانا؛ القدرات الأسطورية كثيرا ما يصحبها هراء أسطوري أيضا. (9)

المفارقة الطريفة أن أحد أهم الأسباب التي دفعت مانشستر يونايتد إلى التمسك برونالدو، رغم إبلاغه النادي برغبته في الرحيل، هي أنه ببساطة لا يملك الأموال الكافية للتعاقد مع بديل له هذا الموسم، لأن الأولوية كانت، وما زالت، لتدعيم الدفاع والوسط، ولو رحل ورغب يونايتد في استبداله فلن يستطيع. رونالدو أتى إلى يونايتد مقابل 20 مليون باوند، وعلى الأغلب لن يرحل بأكثر من هذا الرقم. يونايتد خاطر لأجل رونالدو، ولكنه لم يتوقع أن رونالدو لن يكون مستعدا للمخاطرة من أجله.

الغريب أن هذا التوقُّع كان منطقيا للغاية؛ رونالدو في السابعة والثلاثين من عمره، وسيبلغ الثامنة والثلاثين في فبراير/شباط المقبل، ومن المنطقي أن يبحث عن مشاريع قصيرة الأمد تُتيح له تحقيق أكبر عائد رقمي ممكن من سنواته المتبقية في الملاعب، حتى لو كان ذلك يعني التغيُّب عن المران والتفاوض مع المنافسين، بل وإجبار النادي على تقبُّل رحيله. هذه هي الطريقة التي حصل بها يونايتد على رونالدو من يوفنتوس أصلا!

الغريب كذلك أن مانشستر يونايتد، النادي الذي طالما فخر بقدرته على إعلاء علامته التجارية من خلال الدعاية على منصات التواصل، والترويج للسرديات الرومانسية الغارقة في النوستالجيا، واجترار ذكريات النادي لدغدغة مشاعر الأنصار والخصوم على حد السواء، قد صدَّق دعايته، ووقع في فخ السردية التي روَّج لها في بداية الموسم، رغم أنه حتى في حينها، كان رونالدو مستعدا للانضمام إلى مانشستر سيتي قبل التوقيع ليونايتد بساعات. تخيَّل لو كان قد حاول إيقاف المران هناك. (10) (11) (12) (13)

الكثير قد حدث من حينها؛ حقَّق الفريق أسوأ مواسمه في حقبة البريميرليغ على مستوى النقاط وفارق الأهداف، وتلقَّى هزائم مُذلة أمام خصومه، وأصبح ملعبه مرتعا للصغار والكبار على السواء، وكل هذا دفعه إلى تغييرات كبيرة في الهيكل الإداري تضمَّنت تعيين مدير رياضي ورحيل إد وودوورد ووضع ريتشارد آرنولد على رأس النادي والتعاقد مع مدرب يستطيع مجاراة كبار البريميرليغ تكتيكيا لأول مرة منذ اعتزال فيرغسون في 2013. (14) (15)

مانشستر يونايتد في طريقه إلى التغير، ولكن رونالدو لا ينوي أن يصحبه. في الواقع، ليس هناك أدل على نِيَّات رونالدو من البداية سوى ركاكة الأسباب التي ساقها معسكره لتبرير رحيله الآن، التي تتلخَّص في أنه لا يرى يونايتد طموحا بما يكفي لأنه لم يضم أسماء كبيرة في سوق الانتقالات، سوق الانتقالات الذي لم يصل إلى منتصفه.

المفارقة المئة هنا أن سانشو وفاران ورونالدو ذاته كانوا من "الأسماء الكبيرة" التي ضمَّها يونايتد في الصيف لتجنُّب مصيره الحالي، وعندما لم يسِر ذلك على ما يُرام، لجأ رونالدو -كعادته- إلى إلقاء اللوم على الجميع، وهذا ما يجعل هذه القصة أطول "ميم" رأيناه لـ"وينزلو" على الإطلاق، إذ لا يبدو أن مانشستر يونايتد سيمل الهراء ويغلق الباب قريبا، في حركة ميكانيكية واعية تماما، لم تعد تحتمل المزيد من الهراء.

____________________________________________

المصادر:

  1. "وينزلو" رأى ما يكفي – Know Your Meme
  2. مانشستر يونايتد فكّر في بيع رونالدو في يناير والآن هو يريد الرحيل – The Athletic
  3. رونالدو يستمر في كونه مشكلة وحلا عظيما لمانشستر يونايتد – The Guardian
  4. رونالدو هو أكبر مشكلة قد تواجه مدرب مانشستر يونايتد القادم – The Guardian
  5. رحيل رونالدو قد يؤلم الآن ولكنه سيُمكِّن مانشستر يونايتد من المُضي قُدُما – The Guardian
  6. مانشستر يونايتد لا يتوقع حضور رونالدو للمران الأول تحت قيادة تن هاخ بسبب "ظروف عائلية" واحتمالية رحيله – The Athletic
  7. لماذا يرغب رونالدو في الرحيل عن مانشستر يونايتد؟ – The Athletic
  8. أعلى الرواتب في البريميرليغ بعد انضمام نجم مانشستر سيتي الجديد إرلنغ هالاند إلى القائمة – Talk Sport
  9. رانييك: "فريق مانشستر يونايتد عاجز عن لعب لعبة الضغط" – The Guardian
  10. عصر مواقع التواصل.. هل صار الجمهور هو الحاكم الفعلي لكرة القدم؟ – الجزيرة
  11. عصر المشجعين الجدد.. كيف اختلف جمهور كرة القدم بعد مواقع التواصل؟ – الجزيرة
  12. لماذا قرر مانشستر سيتي عدم التعاقد مع رونالدو رغم الفشل في التعاقد مع هاري كين؟ – Sports Illustrated
  13. مانشستر سيتي "تفادوا رصاصة" بعدم التوقيع مع كريستيانو رونالدو بعد التقارير الصادرة عن إحداثه للعديد من المشكلات في غرفة ملابس مانشستر يونايتد – Talk Sport
  14. التهليل لفوز مانشستر سيتي بالدوري؟ هذا ليس مانشستر يونايتد! – The Athletic
  15.  رحيل رونالدو عن مانشستر يونايتد قد يفيد الجميع – The Athletic
المصدر : الجزيرة