شعار قسم ميدان

نايكي وأديداس وبوما.. من البدايات المتواضعة إلى الهيمنة على رعاية منتخبات مونديال قطر

Soccer Football - FIFA World Cup Qatar 2022 - Group B - United States v Wales - Ahmad Bin Ali Stadium, Al Rayyan, Qatar - November 21, 2022 General view of rainbow coloured adidas boots REUTERS/Carl Recine

مع انطلاق بطولة كأس العالم في قطر لعام 2022، بوصفها أول دولة عربية شرق أوسطية تستضيف المسابقة العالمية، يتابع المليارات حول العالم تنقلات الكرة داخل الملعب، ويتفرغون لحسابات المكسب والخسارة ومستويات الأداء وفرص التأهل لمنتخباتهم الوطنية للأدوار اللاحقة. ولكن بالتأكيد لا يقتصر الأمر فقط على مُتعة اللعب والمشاهدة، فهناك أعين أخرى تتابع المونديال فقط للتركيز على ملابس اللاعبين وأحذيتهم، بغض النظر عن فوز فريق أو تعثر فريق آخر.

 

بحسب الأرقام، بلغ حجم سوق صفقات رعاية ملابس الفِرَق العالمية نحو 30 مليار دولار في نهاية عام 2021، ويُتوقع أن يتصاعد ليصل إلى 40 مليار دولار بحلول عام 2027، وهو ما يجعلها سوقا ضخمة تتقاتل عليها الشركات الرياضية العالمية الكبرى لمحاولة تضخيم حصتها من الكعكة. وبالتأكيد يأتي في مقدمة هذه الشركات العمالقة الثلاثة الأشهر "أديداس" و"بوما" و"نايكي". (1، 2)

 

وفي الوقت الذي تُهيمن فيه هذه الشركات على صناعة الملابس الرياضية فإننا جئنا لنتساءل: كيف نشأت هذه الشركات؟ هل بدأت بتحالف من مستثمرين رأسماليين كبار يملكون ثروات ضخمة، أم أن وراءها قصة مختلفة؟ وكيف تحولت إلى علامات تجارية ضخمة تدر مليارات الدولارات؟ وما وضعها حاليا في رعاية المنتخبات المشاركة في قطر؟

 

أبناء العم دايسلر

على اليمين، رودولف مؤسس "بوما" (Puma)، وعلى اليسار شقيقه أدولف مؤسس شركة "أديداس" (Adidas)
على اليمين، رودولف مؤسس "بوما" (Puma)، وعلى اليسار شقيقه أدولف مؤسس شركة "أديداس" (Adidas) (مواقع التواصل)

في عشرينيات القرن العشرين، كان رجل الصناعة الألماني "دايسلر" مكتفيا تماما بمصنع الأحذية الصغير الذي يملكه ويديره في مدينة "هرتسوغن أوراخ" التي تقع في جنوب ألمانيا. لم يبدُ عليه طموحا خاصا بالانتشار خارج مدينته، ناهيك بالانتشار خارج ألمانيا بالكامل، وكان مهتما فقط بتصميم وصناعة الأحذية الرياضية الخفيفة المخصصة بالأساس للمشي، إلى جانب ممارسة بعض الأنشطة الرياضية العادية.

 

رحل دايسلر، وورث ولداه "أدولف" و"رودولف" مصنعه، وقررا أن يُطلقا عليه اسم "مصنع الأخوين دايسلر" للإبقاء على اسم أبيهما والاستمرار في تصنيع الأحذية الرياضية، وإن بدأ الشابان الطموحان في التعاون أكثر لتوسيع نشاط المصنع في السنوات التالية، حتى جاءت الفرصة الكبرى لعرض أحذيتهما في حدث عالمي واسع، وهو "دورة الألعاب الأولمبية" التي عُقدت في برلين عام 1936 تحت الحكم النازي.

جيسي أوينز يقفز قفزة طويلة مرتديا حذاء "دايسلر" الذي نال به الميدالية الذهبية في أولمبياد 1936 في برلين
جيسي أوينز يقفز قفزة طويلة مرتديا حذاء "دايسلر" الذي نال به الميدالية الذهبية في أولمبياد 1936 في برلين (مواقع التواصل)

في تلك الفترة، وضع الأخوان كل ما يملكانه من خبرات لتصميم وصناعة أفضل الأحذية الرياضية وتسويقها بين العدّائين الرياضيين، وكان من حُسن حظهما أن العدّاء الفائز بالميدالية الذهبية في الأولمبياد "جيسي أوينز" حصد اللقب وهو يرتدي حذاء "دايسلر"، وهو ما ساهم في تعزيز العلامة التجارية للشركة بشكل كبير تُرجم إلى زيادة عدد الطلبات على الأحذية، خصوصا في نطاق القارة الأوروبية.

 

لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ودبَّت الخلافات بين الأخوين بعد أن بدأ صيت مصنع "دايسلر" يتنامى بشكل كبير، فقررا تقسيم المصنع وإنهاء الشراكة بأن ينال كلٌّ منهما نصيبه فرديا ويُديره بالشكل الذي يراه مناسبا. وبينما كان الأخوان منهمكين في تقسيم المصنع والأوراق القانونية والرسمية، اندلعت فوق الرؤوس أكبر حرب شهدها التاريخ، وهي الحرب العالمية الثانية التي بدأت عام 1939. (3)

 

الأوغاد الذين عادوا

(مواقع التواصل)

بعكس ما كان يأمل الأخوان بأن يأخذ كلٌّ منهما حصته ويستقل عن الآخر، توقف المصنع تماما مع توقف كل شيء في ألمانيا لمدة 6 سنوات، وتوجيه جميع الجهود والمصانع للإنتاج الحربي ومرفقاته، فضلا عن انهيار البنية التحتية بالكامل تقريبا، مما أدى إلى توقف كل الأنشطة الرياضية التي تعتمد على إنتاج الأحذية، ليس فقط في ألمانيا وإنما على مستوى العالم أجمع تقريبا.

 

في الأيام الأخيرة للحرب، ومع زحف الحلفاء إلى العاصمة الألمانية برلين سنة 1945، سجَّل التاريخ واحدا من أغرب المواقف وأكثرها طرافة، الذي كان ضربة البداية لنشأة عملاقين كبيرين في عالم الشركات الرياضية. كان أدولف مع زوجته في أحد المخابئ يحتمي به من قصف الطائرات، وقرر أخوه رودولف أن يُنهي خصومته مع أخيه في هذه اللحظات مع شعوره باقتراب الأجل، فتوجَّه هو وزوجته أيضا للاختباء في المخبأ نفسه، لتكون لحظة النهاية التي تجمع كل أطراف العائلة.

 

تذكر المصادر التاريخية أن رودولف عندما دخل وزوجته إلى المخبأ، صاح أخوه "أدولف" الذي كان موجودا في المخبأ: "لقد عاد الأوغاد الأقذار من جديد!". كان التوقيت سيئا للغاية، حيث كان يقصد أدولف بندائه هذا طائرات الحلفاء الذين عادوا للقصف مرة أخرى، ولكن عندما سمعها أخوه رودولف اعتبر أنه هو المقصود بهذه الإهانة، وأن أخاه وجّهها له عن قصد، فقرر أن يغادر المكان وألا يتصالح مع أخيه أدولف أبدا.

أديداس و بوما
(شترستوك)

انتهت الحرب، وعاد الأخوان وكلٌّ منهما مُشبَّع بعداء الآخر، وقررا إكمال إجراءات فض الشراكة في مصنع أبيهما دايسلر، وأن يستقل كلٌّ منهما عن الآخر. أخذ رودولف نصيبه من مصنع أبيه وذهب لإنشاء شركته الخاصة لتصميم الأحذية الرياضية، أطلق عليها اسم "رودا" تيمُّنا بالحروف الأولى من اسمه، ثم حوَّل الاسم إلى "بوما" (Puma)، بينما ذهب أدولف لتأسيس شركته الخاصة هو الآخر وأطلق عليها اسم "أديداس" (Adidas).

 

منذ ذلك الوقت، تحوَّلت كلٌّ من "أديداس" و"بوما" إلى أكبر علامتين تجاريتين ألمانيتين يعرفها العالم الرياضي في جميع أنواع المسابقات، مع توسيع نشاطهما ليتجاوز الأحذية إلى الملابس والمعدات الرياضية وأدوات اللعب. أصبحت كلٌّ من "أديداس" و"بوما" تُدرّ إيرادات سنوية بمليارات الدولارات، وتتصارعان في جميع المناسبات الرياضية للاستحواذ على اهتمام الجمهور الرياضي، كأن المنافسة استمرت إلى الأبد بعد وفاة الإخوة الأعداء! (3)

 

العملاق الثالث

بدأت "نايكي" تحت اسم "بلو ريبورن سبورتس" لاستيراد وتوزيع الأحذية اليابانية في أميركا
بدأت "نايكي" تحت اسم "بلو ريبورن سبورتس" لاستيراد وتوزيع الأحذية اليابانية في أميركا (مواقع التواصل)

في مطلع الستينيات، كانت "أديداس" و"بوما" تستحوذان استحواذا كاملا على سوق الأحذية الرياضية. لكن الشاب الأميركي فيليب نايت المتخرِّج حديثا في جامعة ستانفورد، والمهتم برياضة الجري، قرر التوقف قليلا بمساعدة مدربه "بيل باورمان" لرصد السوق، وعقد مقارنة بين الأحذية الألمانية والأحذية اليابانية التي كانت قد بدأت في الازدهار مؤخرا.

 

كانت الشركات اليابانية قد بدأت في إنتاج أحذية عالية الجودة، وهو ما جعل أنظار الرياضيين حول العالم تتوجه إليها، خصوصا مع ثمنها الرخيص نسبيا مقارنة بالأحذية الألمانية. لذلك، وبمزيد من الفضول، سافر فيليب إلى اليابان، وقرر أن يتعاقد مع شركة أحذية رياضية يابانية باسم "أونتسوكا تايجر" على أن ترسل إليه الشركة 300 زوج من الأحذية مقابل 600 دولار مقدما، وتُسدَّد بقية المبلغ من الأرباح، وبذلك تحوَّل فيليب إلى الموزع المعتمد للشركة اليابانية في أميركا.

 

وبسبب علاقاته الواسعة في الوسط الرياضي، تمكَّن فيليب وشريكه بيل من بيع جميع الأحذية سريعا، مما ساعدهم في الإطلاق الرسمي لشركة توزيع الأحذية باسم "بلو ريبورن سبورتس" عام 1964، ليستمر نشاطها بالوتيرة نفسها على مدار عدة سنوات؛ تشتري "بلو ريبورن سبورتس" الأحذية اليابانية، وتُضيف إليها بعض التصميمات وتبيعها مُحسنة إلى مراكز الرياضة والسباق، لتحظى بشهرة متصاعدة في السوق الأميركي.

 

هذا النجاح المتزايد جعل الشريكين يتفقان في مطلع السبعينيات على إعادة تسمية العلامة التجارية باسم "نايكي" (Nike)، وهو اسم مُستمد من آلهة النصر لدى الإغريق القدماء. ومع ارتفاع الطلب على أحذية "نايكي" ذات الأصول اليابانية، بدأت بوادر الخلاف تدب بين بيل وفيليب وبين اليابانيين بسبب نقص التوريد، مما ترتب عليه إلغاء الشراكة في مطلع السبعينيات. (5)

 

فقط افعلها

NEW YORK - FEBRUARY, 2020: Nike sport store in Manhattan. Nike is one of the world's largest suppliers of athletic shoes and apparel. The company was founded on January 25, 1964.
(شترستوك)

وقع الميلاد الحقيقي لشركة "نايكي" عندما أطلقت خطها الخاص لتصنيع الأحذية، بعد خبرة طويلة امتدت لعدة سنوات في توزيع الأحذية اليابانية في السوق الأميركي ومعرفة آراء العملاء وما يريدونه بالضبط في الأحذية الرياضية. صدر الحذاء الأول للشركة باسم "سووتش" (Swoosh) في مطلع السبعينيات، تزامنا مع انطلاق دورة الألعاب الأولمبية التي عُقدت في ميونيخ الألمانية سنة 1972.

 

استغلت "نايكي" الدورة الأولمبية للترويج لأحذيتها بإقناع مشاهير الرياضيين بارتدائها مجانا والاستفادة بمزايا تصميمها الإبداعي، حتى سجلت المسابقة عددا كبيرا من المتسابقين الفائزين بالجوائز الأولمبية ارتدوا أحذية "نايكي"، ما أعطاها دفعة تسويقية ممتازة، عزَّزتها في السبعينيات بالتعاقد مع عدد من شركات الدعاية والإعلان الكبرى التي روَّجت لأحذيتها ترويجا أوسع في أميركا وحول العالم.

 

بقدوم الثمانينيات، كانت "نايكي" قد أصبحت ملء السمع والبصر، ففي عام 1980 كانت تستحوذ على 50% من سوق الأحذية الرياضية في أميركا، وطُرحت للاكتتاب العام (IPO). لاحقا، ومع اشتعال المنافسة، أطلقت "نايكي" حملات تسويقية ضخمة بالاستعانة بعدد من كبار اللاعبين والرياضيين حول العالم، على رأسهم نجم كرة السلة الأميركي "مايكل جوردان"، للترويج لحذائها الشهير "إير جوردان" الذي ساهم في رفع مبيعات الشركة الأميركية في الثمانينيات والتسعينيات ارتفاعا كبيرا، بإيرادات تقدر بمليارات الدولارات، وعلامة تجارية شديدة الانتشار في الوسط الرياضي. (5)

 

العمالقة الثلاثة في قطر

2180909705

لعدة عقود، كانت شركة "أديداس" هي المُهيمنة على رعاية المنتخبات في مسابقات كأس العالم، ففي مسابقة كأس العالم سنة 1974 التي عُقدت في ألمانيا، هيمنت "أديداس" على حقوق رعاية 9 من أصل 16 منتخبا مشاركا في المسابقة، أي إن نصف المنتخبات المشاركة في البطولة كانت تحمل شعارها. وبقدوم عام 1990، كانت شركة "أديداس" هي الشركة الراعية لثلثي المنتخبات المشاركة في المسابقة التي أُقيمت في إيطاليا.

 

ظل الأمر كذلك حتى بدأت "نايكي" في الظهور على استحياء في مسابقات كرة القدم في التسعينيات، حيث شهد العالم ظهورها في سوق رعاية المنتخبات لأول مرة في مونديال فرنسا 1998، برعاية 5 منتخبات مُشاركة، مع تنامي سُمعتها العالمية بصفتها شركة رياضية واعدة تحقق انتشارا سريعا وكبيرا في المبيعات، رغم حداثة عُمرها آنذاك مقارنة بالشركات العريقة في السوق العالمية مثل "أديداس" و"بوما".

 

لاحقا، زاد حضور علامة "نايكي" التجارية في مسابقات كأس العالم لتتجاوز "أديداس" بفوارق بسيطة، ثم تستمر في تصدُّر سوق الرعاية في مونديال قطر 2022 برعاية 13 منتخبا مشاركا في البطولة، لتصبح في المركز الأول لرعاية الفِرَق المُشاركة، ثم تأتي "أديداس" ثانيا بفارق كبير في المركز الثاني برعاية 7 منتخبات، ثم "بوما" التي شاركت برعاية 6 منتخبات جميعها من المستوى المتوسط.

انفوجراف
(الجزيرة)

ستيفان بورشه، المتحدث الرسمي لشركة "أديداس"، علّق على تقدُّم "نايكي" وتجاوزها لـ"أديداس" في مونديال قطر 2022 قائلا إن "العبرة بالكيف وليس الكم"، وإن شركة "أديداس" قدمت رعاية لسبعة منتخبات ستة منها ضمن قائمة أفضل 20 منتخبا في العالم، على رأسها الأرجنتين وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا. ولكنه لم يذكر أن شركة "نايكي" بدورها ترعى 7 منتخبات ضمن قائمة العشرين الأولى أيضا، على رأسها منتخب البرازيل الفائز الأكبر بدورات المونديال، إلى جانب فرنسا والبرتغال وهولندا، فضلا عن منتخب الدولة المُضيفة قطر، ومنتخبات أخرى واعدة على رأسها المنتخب السعودي.

 

أما بقية المنتخبات الستة التي لم تحصل على حقوق رعاية من الشركات العملاقة الثلاثة، فقد تولت حقوق رعايتها شركات أخرى متنوعة أقل شهرة، حيث ترعى شركة "ماراثون" منتخب الإكوادور، وشركة "ماجد" ترعى المنتخب الإيراني، بينما يرتدي منتخب كوستاريكا ملابسه من شركة "نيو بالانس"، ومنتخب تونس يحمل علامة "كابا"، وشركة "هامل" لمنتخب الدنمارك، فيما تتولى شركة "one all sport" الأميركية رعاية منتخب الكاميرون. (1، 6، 7)

 

في النهاية، من الواضح أن "نايكي" تحقق أعظم انتصاراتها في السنوات الأخيرة في سوق رعايات ملابس المنتخبات الرياضية، وأنها بالفعل حسمت معركة حقوق الرعاية في كأس العالم لصالحها، متفوقة على خصومها الذين سيطروا على الأسواق لعقود طويلة قبلها. ومع ذلك، ستظل المنافسة مشتعلة بين الثلاثي العالمي ليس فقط في ساحات كرة القدم، وإنما في جميع المجالات الرياضية الأخرى، جماعية كانت أو فردية.

————————————————————————————-

المصادر:

1 – Qatar World Cup: Nike defeats Adidas in the $30bn battle of the football kits 

2 – $39.8 Billion Worldwide Licensed Sports Merchandise Industry to 2027

3 – The hatred and bitterness behind two of the world’s most popular brands

4 – Puma and Adidas’ rivalry has divided a small German town for 70 years — here’s what it looks like now

5 – The Success Story of Nike: How to Build a Billion-Dollar Brand

6 – Nike Is Winning the World Cup Jersey Battle

7 – 2022 World Cup Kit Makers Battle – 32 Teams, 9 Brands

المصدر : الجزيرة