شعار قسم ميدان

هل حقا يؤثر اسمك في تكوين شخصيتك ومستقبلك؟ علم النفس يجيبك

مؤخرا هناك العديد من الكتب تصدر لهدف واحد فقط، وهو تجميع أكبر كمية ممكنة من أسماء البشر في كتاب واحد، بهدف أن يكون هذا الكتاب عونا للآباء في اختيار اسم لطفلهم القادم، ويبحث الآباء عادة في هذا الأمر من الشهر الأول للحمل، ونلاحظ في الأجيال الحديثة اختيار بعض الأسماء المعقدة بعض الشيء، والتي غالبا ما تكون معانيها ومدلولاتها غير واضحة.

هذا الاهتمام باختيار الاسم قد يبدو مبالغا فيه، لكن اختيار الاسم ربما يكون أكثر أهمية مما نعتقد، ليس من زاوية الفرادة أو الغرابة كما يميل الكثيرون لفعله اليوم، ولكن لأن اسم الطفل قد يكون له دور في تشكيل هوية الإنسان خلال طفولته وحتى بعد نضوجه.

سلب الاسم يساوي سلب الهوية

لطالما كان لاسم الإنسان قيمة كبيرة، إلى درجة أن سلب الاسم طالما استُخدم عقابا ضد مرتكبي الأعمال الشائنة، وتعود جذور هذا الأمر إلى الحضارة المصرية القديمة، حيث كان الشخص الملعون أو المكروه من المجتمع يُحرم من اسمه، فلا يناديه به أحد، باعتبارها وسيلة للعقاب، وكأنهم بهذا الفعل لا يسلبونه اسمه فقط، بل يسلبونه هويته أيضا.(1)

تمثال للإله حورس "عند القدماء المصريين" (بيكسابي)

تظهر هذه الأهمية الاستثنائية لاسم الشخص في الحضارة المصرية القديمة في أسطورة حورس وإيزيس، حيث كان لحورس اسم سري لا يمكن لأحد أن يعرفه، لأن مَن يعرفه يستطيع أن يتحكم به، والأمر لا يتوقف على مصر القديمة، ففي الديانة المسيحية خلال طقوس طرد الشياطين، والمتعارف عليها حتى الآن في الفاتيكان، نجد أن القسيس الذي يعمل على طرد الشيطان لا يستطيع أن يطرده أو يكون له السطوة عليه إلا إذا عرف اسمه.(1)

في كتابه "Pattern and Growth in Personality" أو "النمط والنمو في الشخصية"، المنشور عام 1963، يقول عالم النفس الأميركي جوردون ألبورت، وهو أحد مؤسسي علم نفس الشخصية(2): "يبقى اسمنا هو أهم دعامة لهويتنا الذاتية طوال الحياة"، وقد كان ألبورت من أوائل علماء النفس الذين اهتموا اهتماما خاصا بدراسة شخصية الإنسان، متوقعا أن هناك عوامل وأنماطا يمكن من خلالها توقع بعض الصفات في شخصية الإنسان، وكان الاسم في نظره هو أحد أهم تلك العوامل.(11)(12)

الاسم باعتباره رمزا للذات

عادة ما يُظهِر اسم الشخص جانبا من شخصيته، سواء عِرقه أو دينه أو أي جانب آخر من جوانب كينونته، كما أن الاسم ذاته عادة ما يكون قادرا على توليد ردود أفعال مختلفة باختلاف المجتمعات، على سبيل المثال وجدت الأبحاث الأميركية التي أُجريت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول أن السير الذاتية المقدمة للأعمال، والتي تحمل أسماء عربية، كانت مُعرضة للرفض أكثر من الأسماء التي يبدو أن صاحبها أبيض أو ليس ذا أصول عربية، وهنا يصبح الفرق بين اسم "عبد الله" واسم "جيمس" فرقا يحدد طبيعة الحياة التي يعيشها هذا الفرد، فهل تظن أن هذا لن يؤثر على شخصيته وصورته الذهنية عن نفسه؟

اختيار اسم نادر وغريب لأطفالك لا يكون في صالحهم دائما، فما تمنحه لابنك ليس هدية، بل قضية يحملها معه بقية عمره يحاول تفسيرها للآخرين. (شترستوك)

في هذا الصدد يقول ديفيد زو الأستاذ الباحث في علم الأسماء بجامعة أريزونا(3): "نظرا لاستخدام الاسم لتعريف الفرد والتواصل معه يوميا، فإنه -الاسم- يمثل بشكل غير واعٍ صورته الذهنية الذاتية عن نفسه، خاصة الصورة الذهنية التي يظن أن الآخرين يرونه بها"، لا يقتصر الأمر قطعا على الأسماء الغريبة على هوية الدولة، مثل الأسماء العربية في الغرب مثلا، فهناك أمثلة أكثر شيوعا عن الأسماء وتأثيرها على تكوين شخصية الفرد مثل الأسماء السلبية (الحيوان – الجحش – العريان)، أو الأسماء التي تكون قديمة بعض الشيء لشاب بين أقرانه ذوي الأسماء الحديثة، كل هذا يؤثر على معاملة الآخرين لنا، وبالتالي يؤثر على تكوين صورتنا الذهنية عن أنفسنا.

ربما علينا أن نوضح الآن أن اختيار اسم نادر وغريب لأطفالك لا يكون في صالحهم دائما، فما تمنحه لابنك ليس هدية، بل قضية يحملها معه بقية عمره يحاول تفسيرها للآخرين، عندما يُسأل كثيرا عن معنى اسمه أو عندما ينطق الآخرون اسمه بشكل خطأ. في دراسة مهمة حول مسألة الرضا الذاتي عن الأسماء، نُشرت عام 1998، أفاد الباحثون أن الأسماء غير الشائعة ترتبط بمشكلات في التكيف الاجتماعي، مؤكدين أن الاسم غير العادي يؤدي بدوره إلى ردود أفعال غير متوقعة من الآخرين، ما يؤدي بعد ذلك إلى تقييمات غير متوقعة لصاحب ذلك الاسم الغريب أو النادر.

أوضحت الدراسة نفسها كذلك أن الأشخاص الذين لديهم أسماء غير شائعة كانوا أكثر عرضة من أقرانهم للرغبة في التهرب من المدرسة والنفور من الدراسة في طفولتهم، كما أن درجاتهم في الاختبارات كانت في كثير من الأحيان أقل من درجات أقرانهم.

في دراسة أخرى نُشرت 2010 في المجلة الطبية "سوشيال سايكولوجيكال آند بيرسونالتي ساينس (Social Psychological and Personality Science)"، تحت عنوان: "الأسماء الأولى السيئة: تأثير الاسم في تقدير الشخص وعلاقته بالآخرين"، جمع الباحثون(5) بيانات من 12 ألف مشارك بالغ لديهم أسماء تُعد سيئة في ثقافة مجتمعهم، وقد أوضحت تلك البيانات أن الشخص صاحب الاسم السيئ أو المرفوض من المجتمع أو الغريب يكون معرضا لفقدان احترامه لنفسه، والشعور بالوحدة، بل يمكن أن يؤثر على قدرته على الاستيعاب ودرجة ذكائه.

تأثير دوريان جراي

(مواقع التواصل)

ما تقوله هذه الدراسات وغيرها ببساطة هو إن الاسم يلعب دورا لا يجب تجاهله في تكوين شخصية الفرد وصورته الذهنية عن نفسه، ولكن هل يمكن أن تصدق حقا أن الاسم يمكن أن يكون له دور في المظهر الخارجي للإنسان؟ في الحقيقة لقد رصد علماء النفس والاجتماع ظاهرة يتعرض لها البشر فيما يخص العلاقة بين أسمائهم ومظاهرهم الخارجية، وأطلقوا على تلك الظاهرة اسم "تأثير دوريان جراي".(6)

دوريان جراي هو شخصية في رواية للكاتب أوسكار وايلد التي تحمل اسم "صورة دوريان جراي"، والذي كان في أحداث الرواية لا يتقدم في العمر، بينما لوحته المرسومة بالحجم الطبيعي هي ما يظهر عليها علامات تقدُّم العمر، وقد اختار العلماء هذا الاسم لتوضيح كيف يمكن للعوامل الداخلية أن تؤثر بشكل غير متوقع على الطبيعة الجسمانية للشخص، بما يشمل تأثره بالاسم الذي منحه له والداه وهو صغير.(6)

في دراسة نُشرت عام 2016، تحت عنوان "نحن نبدو ظاهريا مثل أسمائنا: تجلي الصور النمطية للاسم على شكل الإنسان"(7)، أكد الباحثون وجود علاقة قوية بين أسماء الناس ومظاهرهم الخارجية، وهذا لأن الصورة الذهنية التي يكوِّنها الإنسان بناء على الصورة النمطية للاسم في المجتمع يكون لها تأثير في مظهره الخارجي، لأنه يبدأ في كثير من الأحيان في التصرف وفقا لهذه الصورة دون وعي منه، بالطبع نحن لا نقصد هنا الملامح الجينية للإنسان، بل نقصد سائر السمات الشكلية المكتسبة مثل تسريحة الشعر، ومدى الاهتمام بالبشرة، ونوعية مساحيق التجميل المستخدمة، وكل ما يسهم في تشكيل المظهر الخارجي للإنسان.

حتى أسماء الشهرة لها تأثير

وجد الباحثون أن أسماء الشهرة أو الألقاب التي تُطلق على الطفل من أقرانه لعبت دورا مهما في تشكيل صورته الذهنية عن نفسه بالسلب أو بالإيجاب. (شترستوك)

هذا فيما يخص الأسماء التي يختارها لنا آباؤنا، ولكن هناك أسماء أخرى تُلصق بنا مع الوقت، وهي أسماء الشهرة، والتي يكون لها تأثير كبير علينا، خاصة الأسماء التي تُطلق علينا في طفولتنا من الأقران على سبيل التنمر.

في فترة التسعينيات في مصر مثلا كان "بكار" يُطلق على أي طفل ذي بشرة سمراء نسبة إلى الشخصية الكارتونية الشهيرة حينها، بينما كان اسم "دبدوبة التخينة" يُطلق على أي طفلة ممتلئة الجسد، و"أبو أربع عيون" للأطفال الذين يرتدون نظارات طبية، و"بلية" للشخص قصير القامة، فهل تلك الأسماء التي نعتنا بها أصدقاؤنا والتصقت بنا منذ صغرنا بسبب شيء ما في مظهرنا الخارجي لها تأثير على احترامنا لذاتنا وثقتنا في أنفسنا؟

في ورقة بحثية نُشرت في موقع "تشيلد ريسيرش نت (Child research net)"، تحت عنوان "The Social Effects of Nicknames" أو "التأثير الاجتماعي لأسماء الشهرة"(8)، وجد الباحثون أن أسماء الشهرة أو الألقاب التي تُطلق على الطفل من أقرانه لعبت دورا مهما في تشكيل صورته الذهنية عن نفسه بالسلب أو بالإيجاب، مؤكدين أن الأطفال الذين يُطلق عليهم أسماء شهرة سلبية يفقدون الثقة في أنفسهم منذ الصغر، خاصة إن كان اللقب يخص لون البشرة أو حجم الجسم.

أسماؤنا واختياراتنا الحياتية

تشير الدراسات إلى أن الأسماء تلعب دورا لا يستهان به في تشكيل توجهات أصحابها وخياراتهم وتفضيلاتهم الحياتية. (شترستوك)

حسنا، من الواضح أن الاسم أبعد ما يكون عن كونه مجرد "لفظ" نُميَّز به عن غيرنا، ولكنه أمر يشكل هويتنا وصورتنا الذاتية عن أنفسنا، كما أنه يلعب دورا مهما في نظرة الآخرين إلينا، ولكن هناك مجال آخر يتدخل فيه الاسم في حياتنا دون أن ندري وبلا وعي منا، وهو تحديد اختياراتنا في الحياة.

مؤخرا وجد الباحثون(9) في علم الاجتماع والنفس أن أسماء الأشخاص لها دور في اختياراتهم فيما يخص مَن يتزوجون، وأين يعيشون، والمهنة التي يحلمون بها، بل إن هناك دراسة مقارنة أُجريت في أميركا وبلجيكا أوضحت أن اسم الشخص ربما يؤثر على اختياراته السياسية.

في دراسة نُشرت عام 2011 في مجلة "سايكولوجيكال ساينس" (Psychological science)، تحت عنوان: "هل يمكن لاسمك أن يؤثر في اختياراتك؟"(9)، أكد الباحثون أن حروف اسم كل شخص تلعب دورا، دون وعي منه، في تحديد اختياراته المهنية ومكان معيشته وشريك حياته، وأطلقت الدراسة على تلك الظاهرة اسم "implicit egotism" أو "الأنانية الضمنية"، وهي تعني الميل اللاواعي للناس إلى تفضيل الأشياء التي تشبه ذواتهم.(9)

بالطبع لا يقتصر الأمر على الاسم، وربما لا يكون حتى هو العامل الأهم، لكن الدراسات السابقة وغيرها تشير إلى أن الأسماء تلعب دورا لا يستهان به في تشكيل توجهات أصحابها وخياراتهم وتفضيلاتهم الحياتية(9)، لذا ينصح علماء النفس والاجتماع دائما بالتفكير مليا في اختيار اسم الطفل، لا ليكون معقدا أو نادرا أو غريبا عن أقرانه، ولكن ليكون رفيقا جيدا لرحلته في الحياة، وليس عقبة في طريق تحقيق أحلامه أو ثقته في نفسه.

_____________________________________________

المصادر

  1. We look like our names: The manifestation of name stereotypes in facial appearance.
  2. NAMES AND POWER
  3. Pattern and Growth in Personality
  4. How your name affects your personality
  5. First-Name Desirability and Adjustment: Self-Satisfaction, Others’ Ratings, and Family Background
  6. Unfortunate First Names: Effects of Name-Based Relational Devaluation and Interpersonal Neglect"
  7. What’s in a Name?": Representing "The Picture of Dorian Gray"
  8.  We Look Like Our Names: The Manifestation of Name Stereotypes in Facial Appearance
  9. The Social Effects of Nicknames
  10. Does your name dictate your life choicesGood or Bad, Baby Names Have Long-lasting Effects
المصدر : الجزيرة