شعار قسم ميدان

تسريح الموظفين وانهيار الشركات.. أفلام جسدت أزمة الركود الاقتصادي على الشاشة

فيلم مكالمة هاتفية

في مطلع أغسطس/آب الجاري، أعلنت شركة "علي بابا" (Alibaba)، عملاق التجارة الإلكترونية الصيني، أنها سرَّحت قرابة 10 آلاف موظف من موظفيها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأنها تتوقع تسريح المزيد منهم خلال الفترة المقبلة جزءا من خطة تقليل النفقات في ظل التباطؤ العالمي. كان هذا الخبر بعد الإعلان عن انخفاض بنسبة 50% كاملة في الدخل الإجمالي للمنصة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي. (1)

 

بالتأكيد "علي بابا" ليست الشركة الأولى ولا الأخيرة التي تقوم بهذا الإجراء، حيث شهد العام الحالي 2022 موجة تسريحات عالمية هائلة لآلاف الموظفين في مختلف القطاعات بسبب تباطؤ الاقتصاد الذي تسببت فيه أزمة سلاسل التوريد بعد الخروج من أزمة كورونا، وأيضا الحرب الروسية الأوكرانية التي أثَّرت تأثيرا مباشرا في قطاعات اقتصادية حيوية تعرَّضنا لها في هذا التقرير.

 

ولأنها ليست المرة الأولى التي يشهد العالم فيها حالة ركود اقتصادي واسع النطاق بهذا الحجم، فالمكتبة السينمائية العالمية قدمت العديد من الأفلام التي تُركِّز خاصة على لحظة تسريح الموظفين وتوابع هذا القرار على حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية.

 

رجال الشركة

شعار فيلم ( رجال الشركة ) يوضح مجموعة من الموظفين يتراقصون فوق الحبال وعلى وشك السقوط منها – وسائل التواصل
شعار فيلم ( رجال الشركة ) يوضح مجموعة من الموظفين يتراقصون فوق الحبال وعلى وشك السقوط منها – وسائل التواصل (مواقع التواصل الاجتماعي)

بعد 12 عاما قضاها بوبي ووكر موظفا في شركته العملاقة، فوجئ بلا سابق إنذار باستبعاده من منصبه وكل المزايا التي يحصل عليها من وراء وظيفته المرموقة، وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في أواخر 2008. كان مبرر الشركة أن الأسواق تعاني ركودا هائلا، وأسهم الشركة في أدنى مستوياتها، فاضطرت آسفة -كما يعلن مديروها دائما- التخلي عن عدد كبير من الموظفين وإغلاق قطاعات كاملة.

 

بوبي يجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، حيث كان يقارب الأربعين من العمر، ويسدد أقساط الرهن العقاري لمنزله من وراء وظيفته التي حسبها آمنة، بينما تفرغت زوجته لتربية الأطفال. هنا، يضطر الموظف المخضرم الذي يعمل في شركة مرموقة في "وول ستريت" أن يبحث عن أي وظيفة، حتى ينتهي به الحال للعمل في ورشة نجارة شقيق زوجته بوصفها ملاذا أخيرا للحصول على أجر يومي.

 

من زاوية أخرى، نجد واحدا من كبار موظفي الشركة الذين استُبعِدوا يقرر الانتحار لأنه لا وسيلة أخرى لتسديد ديونه إذا عمل في وظائف متدنية. قطاعات كاملة يغادر موظفوها للشركات، بينما يعيش كبار مديري الشركة مستمرين في الحياة ببذخ رغم الأزمة العالمية، مع شعورهم ببعض الضيق لاضطرارهم للتخلي عن بعض الرفاهيات الصغيرة مثل تجديد حمامات السباحة!

 

فيلم "رجال الشركة" (The Company men) أُنتِج عام 2010، ويُعَدُّ واحدا من أفضل الأفلام التي جسَّدت الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008، خصوصا من زاوية الموظفين في القطاعات الصغرى والمتوسطة في الشركات بمختلف مجالاتها الذين تم تسريحهم، ويسلط الضوء على الظروف المأساوية التي مروا بها. الفيلم من بطولة بن أفليك وتومي لي جونز، وحقق إيرادات لا بأس بها، ولكنه لا يُعَدُّ فيلما تجاريا جماهيريا بقدر ما هو فيلم يجسِّد قضية ورؤية مؤلفه ومُخرجه.

 

عالق في الجو

رايان بينغهام موظف وسيم دائم الابتسامة، يتقاضى أجرا باهظا مقابل وظيفة محددة وهي: طرد الموظفين. أي شركة في أنحاء أميركا يقرر مديروها استبعاد عدد من الموظفين يطلبون خدمات بينغهام ليؤدي هذا الدور بدلا منهم، حيث يقابل الموظفين المخطط طردهم ويخبرهم بابتسامة واسعة أن خدمتهم قد انتهت في هذه الشركة، وأنه يعدهم بالطبع بالحصول على وظيفة أخرى سوف يساعدهم عليها.

 

يرحل الموظف من الشركة وعلى وجهه علامات الذهول، بينما يتلقى بينغهام اتصالا آخر من شركة أخرى في مدينة في ولاية أخرى بعيدة بأميركا تطلب خدماته، فيستقل الطائرة ليذهب لممارسة الدور نفسه في طرد المزيد من الموظفين من شركاتهم. كان بينغهام يستمتع بهذه الوظيفة، ويعتبرها فلسفته في الحياة، غير عابئ بكل الألم والمشكلات التي يتركها وراءه لهؤلاء الموظفين المطرودين.

 

لاحقا، يمر بينغهام بمواقف تجعله يتخلى عن هذه المتعة، بعد أن يتجرّع مرارة الألم الذي مرّ به هؤلاء الموظفون. يتعرّف على موظفة أخرى تعمل في وظيفته نفسها، تشاركه المرح والسعادة غير المحددة بأي معايير، ثم يُفاجأ بها تتخلى عنه وعن أسلوب حياته وتتمسك بأسرتها التي تهتم بها وتمنحها الأولوية، ليتسرَّب بداخله شعور بالمرارة الذي يحل محل المرح الذي طالما شعر به وهو ينظر إلى وجوه الموظفين الممتقعة والقلقة على أُسرهم بسبب قرار الطرد.

 

فيلم "عالق في الجو" (Up in the air) أُنتِج 2009 من بطولة النجم الأميركي جورج كلوني وفيرما فارميغا، مبني على رواية بالاسم نفسه نُشرت للمرة الأولى عام 2001، وجُسِّدت في الفيلم إبان الأزمة المالية العالمية عندما نشأت شركات متخصصة في إبلاغ الموظفين لاستبعادهم، مما جعل الفيلم يلقى رواجا واسعا في المشاهدات والتقييم، حيث حقق إيرادات تقارب 170 مليون دولار.

 

بيئة العمل

لا يعاني بيتر جيبونز من الاكتئاب والضيق الشديد فقط بسبب روتين عمله اليومي شديد الملل في شركة البرمجيات التي يعمل بها موظفا، بكل ما تعنيه كلمة روتين من معنى: انضباط في المواعيد، زي معين يلتزم به كل موظف، مدير ممل، بل يمتد الأمر إلى معاناة أخرى -فوق كل ذلك- من معاملة سيئة وجشعة من مدير شرس.

 

يجتمع بيتر مع زميلين له يعانون من المشكلات نفسها، ليقرروا جميعا الانتقام من شركتهم بتطوير برنامج حاسوبي خفي على أجهزة الحاسوب يختلس مبالغ شديدة البساطة وغير ملحوظة من الشركة، لتتراكم هذه الأموال وتُكوِّن مبلغا ضخما. يحدث هذا في الوقت الذي تبدأ فيه شركتهم بالاستعانة بمستشارين خارجيين لتقليل أعداد الموظفين والاستغناء عن عدد كبير منهم، مما جعل الثلاثي المُختلس يعتبرون اختلاسهم هذا أمرا عادلا ضد مجموعة من المديرين الأوغاد.

 

فيلم "بيئة العمل" (Office space) واحد من أشهر الأفلام الكوميدية التي أُنتجت عام 1999، لاقى انتشارا وقبولا نقديا واسعا، واعتُبر من أهم الأفلام التي تُسلِّط الضوء على بيئات الأعمال التي يديرها مديرون ساديون يستمتعون بإيذاء الموظفين وقطع أرزاقهم، فضلا عن الكثير من التفاصيل التي تدقق في الروتين الذي يغلف الكثير من الوظائف واستمتاع الإدارات بهذه الروتينية واعتبارها ملاذا آمنا ضد ضربات التغيير.

 

مكالمة هامشية

مدير الشركة: هل تتذكرون ما أخبرتكم به في أول يوم عمل معي في هذه الشركة؟ هناك 3 وسائل للنجاة في هذا العمل: كن الأول، أو كن الأذكى، أو غِش!

 

عندما استُدعي أحد كبار الموظفين في شركة أوراق مالية ضخمة في نيويورك لمقابلة موظفة الموارد البشرية، أخبرته الموظفة بنبرة هادئة أنه مطرود. وقبل أن يحاول الرجل استيعاب ما سمعه للتو، أخبرته الموظفة أن الشركة تعمل على تخفيض أعداد الموظفين بسبب الصعوبات التي يعاني منها السوق العالمي، مع بدء اندلاع الأزمة المالية العالمية في نهاية عام 2008.

 

حاول الرجل أن يعود إلى مكتبه ليجمع أغراضه، ليُفاجأ بالأمن يمنعه من أخذ أي شيء، وأنه يُساق إلى الخارج جبرا. ينصرف الموظف وإلى جانبه عشرات الموظفين الآخرين الذين تم الاستغناء عنهم، وعلى وجوههم ملامح الذهول والخوف من مستقبل مظلم ينتظرهم، في الوقت الذي يشعر أحد أهم مديري الشركة بالحزن الشديد على مرض كلبه ويبدو متأثرا كأكبر ما يشغله، متجاهلا بشكل كامل مأساة الموظفين الذين قُطع عيشهم للتو.

 

ثم تأتي اللحظة الصادمة، الأسواق تنهار تماما والشركة على شفا الانهيار المحقق خلال ساعات، ويجب بيع الشركة خلال 24 ساعة فقط وإلا ستتعرض الشركة لخطر الانهيار الكامل. يهرع الجميع بحثا عن الموظف الذي طُرد للتو ويحتفظ ببيانات وأرقام الشركة كافة، ليتحوَّل المشهد من احتقار كامل لموظف طُرد صباحا إلى أهم شخص يسعى للبحث عنه طوال الليل جميع مديري الشركة ليُخلِّصهم من ورطتهم التي وجدوا أنفسهم بها.

 

"مكالمة هامشية" (Margin Call) واحد من أهم الأفلام التي شهدتها السينما المستقلة بعد الأزمة المالية العالمية، الذي صدر عام 2011، ورُشح لعدد كبير من الجوائز الدولية. الفيلم يُسلِّط الضوء بشكل كامل على الجانب المُظلم للإجراءات الضرورية التي تتبعها الشركات الكبرى لحماية نفسها من الانهيار دون أي اعتبارات إنسانية لموظفيها والعاملين بها، التي تبدأ عادة من الاستغناء عن صغار الموظفين الذين يقومون بأداء الوظائف والمهام الحقيقية للشركات، بينما ينعم كبار المديرين بجميع الامتيازات الباذخة دون أن يقدموا شيئا جوهريا في تطوير الشركات وحمايتها من الانهيار.

 

السيد ماما

في مطلع الثمانينيات، كان العالم يمرّ بركود اقتصادي عنيف أدى إلى تسريح الآلاف من وظائفهم النظامية مع تباطؤ شديد للأسواق في مختلف القطاعات. من بين الذين تم تسريحهم كان مهندس المحركات "جاك" الذي كان يعمل في وظيفة مرموقة في شركة فورد للسيارات. فجأة وجد جاك نفسه عاطلا عن العمل، وهو أب لثلاثة أطفال وزوجة ربة منزل، مما جعل حياته الوظيفية والشخصية على المحك.

 

ثم تحدث المفاجأة وتحصل زوجة جاك على وظيفة بدوام كامل وأجر كبير في شركة إعلان وتسويق كبرى، مما يجعلها تندفع لشغل هذه الوظيفة لتوفير المال للأسرة، بينما يتفرَّغ جاك لتربية الأطفال بالكامل ومتابعة احتياجاتهم، لتتحوَّل المعادلة في المنزل: الوالد الذي كان يعمل مهندسا في مجال شديد التخصص ويقضي معظم وقته في العمل يتحوَّل إلى رعاية أبنائه طوال اليوم، بينما ربة المنزل تتحوَّل إلى موظفة مسؤولة عن توفير نفقات زوجها وأبنائها.

 

فيلم "السيد ماما" (Mr. Mom) تدور أحداثه في إطار كوميدي كامل بالتأكيد، لكنه يسلط الضوء أيضا على واحدة من أكبر الأزمات التي واجهها سوق التوظيف عموما والأميركي خصوصا إبان أزمة ركود عنيف عصفت بآلاف الموظفين في مناصب ومجالات مختلفة، وما يتبع هذه النوعية من الأزمات من تغيير كبيرة في بنية الأسرة لدرجة أن يتحوَّل الأب ليتولى مهام الأم، وتقوم الأم بمهام الأب.

 

الفيلم صدر عام 1983 من بطولة مايكل كرايتون وتيري جار، ولاقى انتشارا جماهيريا واسعا أثناء فترة عرضه، وما زال واحدا من أكثر الأفلام التي يُوصى بمشاهدتها في أوقات الأزمات الاقتصادية ذات الطابع العالمي التي تكون مرتبطة عادة بموجات تسريح كبيرة لآلاف الموظفين حول العالم.

 

قبعة غلين روس

نحن هنا نتحدث عن عمل يُعَدُّ من أيقونات أفلام التسعينيات، على الرغم من أنه لم يحظَ بالانتشار الجماهيري الكافي آنذاك، فإنه حقق إعجابا نقديا وفنيا كبيرا، واحتل مكانا دائما في قوائم أفضل أفلام تلك الحقبة. فيلم "قبعة غلين روس" (Glengarry Glen Ross ) هو فيلم دراما أميركي أُنتج عام 1992، واجتمع فيه مجموعة من كبار ممثلي هوليوود، على رأسهم آل باتشينو وجاك ليمون وكيفين سبيسي وغيرهم.

 

مجموعة من رجال المبيعات المخضرمين في مجال العقارات يصلهم الخبر السيئ بالصاعقة: سيتم استبعاد الجميع واستبقاء اثنين فقط منهم، وذلك بحلول نهاية الأسبوع، بناء على نتائجهم في المبيعات. هنا تظهر واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية العصيبة للموظفين، حيث كلٌّ منهم يحمل همًّا شخصيا مؤلما في حياته، أحدهم لديه ابنة مريضة ترقد في المستشفى ويتولى مسؤولية رعايتها ونفقات خدمتها الصحية، بينما يعاني الموظفون الآخرون من أزمة وجودية أخرى تهدد حياتهم الشخصية إذا طُرِدوا من الوظيفة.

 

في هذه الظروف العصيبة تدور أحداث الفيلم، حيث يسعى كلٌّ منهم بكل الطرق للبقاء في منصبه مستخدما كل أساليبه وحيله في التسويق لتحقيق أعلى قدر من المبيعات والأرقام، تتحوَّل المؤسسة إلى صراع بين عباقرة المبيعات في الشركة في محاولة للنجاة من خطر الطرد المحتوم، والبقاء ضمن الاثنين الناجيين من الاستبعاد.

 

الفيلم مليء بالحبكة الدرامية والحوار المميز الذي جعله من أفضل الأفلام التي تُجسِّد الحياة الوظيفية الصعبة التي تقوم بشكل كامل على الصراع من أجل النجاة، فيتحوَّل هذا الصراع إلى إطلاق إبداعات مذهلة في إطار تنافسي محموم لا يتحلى دائما بالنزاهة، ولكنه بلا شك يُطلق وحش الإبداع من عقاله لتحقيق أي شيء مهما كان الثمن في أسرع وقت ممكن!

 

أخيرا، بالتأكيد لا أحد يحب أن يمر بتلك اللحظة التي يخشاها كل موظف ينتمي إلى عمل اعتاد أن يؤديه لسنوات طويلة، وبنى عليه كل تفاصيل حياته ونفقاتها. ومع ذلك، لطالما كانت هذه اللحظة العصيبة التي ظنّها البعض نهايتهم الوظيفية سببا في فتح المزيد من الأبواب لفرص أفضل بكثير بالنسبة للأشخاص الذين مروا بها، الذين ذكروا لاحقا أنه لولا تلك اللحظة لما كانوا قد وصلوا إلى ما وصلوا إليه.

———————————————————————————————————–

المصادر

1 – Alibaba Lays Off Nearly 10,000 Employees In 3 Months: Report 

المصدر : الجزيرة