شعار قسم ميدان

من إبراهيم الفقي إلى أحمد عمارة.. لماذا يؤمن الناس بـ "هراء العلاج بالطاقة"؟

نحو 30 ألف تفاعل، بين إعجاب ومشاركة وتعليق، حصلت عليها "مها العطار"، وهي شخصية شهيرة على وسائل التواصل الاجتماعي يتابعها أكثر من 750 ألف شخص، بسبب منشور يقول إن السبب الحقيقي في مقتل فتاة المنصورة يوم 20 يونيو/حزيران الحالي لم يكن إلا لوحة وقفت لتلتقط صورة بجانبها، لأن هذه الصورة حملت قدرا من الطاقة السلبية التي جذبت "العاشق المجنون" إلى الفتاة ليقتلها، ثم حذَّرت من "صورة الأجنحة" و"صورة التورتة" و"صورة الكارتون"!

لا يتوقف الأمر على هذه الحالة فقط، خبيرة أخرى في علوم الطاقة تُدعى "سها عيد" وتمتلك العدد نفسه تقريبا من المتابعين، تقول إن هناك علاقة بين الحروف التي نختارها لأسماء أطفالنا ومصيرهم، لأن الحروف تنقسم إلى أنواع بعضها قد يكون ضارا، بل وتُضيف زاعمة أن السبب في عدم استقرار بعض الدول مثل أفغانستان وباكستان وتايوان ولبنان يتعلق بحروف اسم الدولة، تحديدا كونها تنتهي جميعا بحرف النون الساكنة (ن)، وهو من "الأحرف الهوائية التي تجذب الطاقة السلبية"، بحسب زعمها.

هذا بالطبع ولم نتحدث بعد عن الدكتور أحمد عمارة، كبير متخصصي الطاقة في العالم العربي، الذي يتابعه 3.8 ملايين شخص على فيسبوك فقط، مع ملايين أخرى على يوتيوب وإنستغرام وغيرهما من المنصات، الأهم من ذلك أنه ضيف دائم على أهم البرامج التلفزيونية في الوطن العربي، ومساقاته منتشرة في كل مكان من المحيط إلى الخليج، عمارة لا يتوقف عند حاجز العلاج بالطاقة، بل يمد الخطوط على استقامتها ليُفسِّر القرآن من خلال وجهة نظر طاقية.

لكن لا شك أن أول مَن نشر فكرة العلاج بالطاقة في العالم العربي كان إبراهيم الفقي، ما زالت اقتباسات ومقاطع الرجل إلى الآن منتشرة في كل مكان على الإنترنت، وادَّعى أنه حاصل على الدكتوراه من جامعة تسمى "ميتافيزيقا"، وأنه يتخصص في نطاقات البرمجة اللغوية العصبية، وللرجل أكثر من 40 كتابا لا تزال تُباع إلى الآن، مع مساقات متعددة عن النجاح وقوة التفكير وقوة العقل الباطن وفن اتخاذ القرار وغيرها.

محطات في الجسد

يهتم الفقي ومعه كل أتباع هذا النطاق إلى الآن بالشاكرات(1)، وهو لفظ قادم من اللغة السنسكريتية ويعني "عجلة تدور". يُشير هذا المصطلح ببساطة إلى أن الجسم يحتوي على محطات تُنتج وتُخزِّن الطاقة، وحينما تنغلق تلك المناطق فإن سريان الطاقة في الجسد يتوقف، بالتالي تنشأ الأمراض والاضطرابات بأنواعها كافة، سواء كانت عقلية أو جسدية، وحينما تنفتح تسري الطاقة في الجسد جيدا، فتزول تلك المشكلات سواء كانت أمراضا أو مجرد تراجع مزاجي أو حظ سيئ.

تُستخدم الشاكرات في مجموعة متنوعة من ممارسات التأمل الدينية القديمة، تُسمى مجتمعة "التانترا"، وهي التقاليد الباطنية للديانات الهندية. وتختلف المعتقدات بين الديانات الهندية حول عدد الشاكرات، حيث تُشير العديد من النصوص البوذية باستمرار إلى خمس شاكرات، بينما تُشير المصادر الهندوسية إلى ست أو سبع شاكرات، وقيل عشر شاكرات، لكن كل ما سبق لم يكن إلا تقاليد دينية حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حينما ظهرت الشاكرات في أوروبا والولايات المتحدة مع ظهور كتاب السير جون وودروف "قوة الحية" (The Serpent Power) عام 1919، وكتاب تشارلز ليدبيتر "الشاكرات" (The Chakras) عام 1927، الذي قدَّم ألوان قوس قزح السبعة للشاكرات، التي تطوَّرت وتوسَّع انتشارها وأصبح عددها سبعة ثابتة، وهي النسخة التي تتجوَّل في العالم حاليا.

كتاب "الشاكرات" لـ "تشارلز ليدبيتر".

بعد ذلك أُضيفت مجموعة من السمات النفسية للشاكرات، وأصبحت في الستينيات والسبعينيات جزءا أساسيا من عمليات التنجيم والكابالا في الولايات المتحدة الأميركية، واعتنقتها ديانات زائفة مثل "العصر الجديد" و"الفكر الجديد"، كان هذا تحديدا هو طريق انتشارها العالمي، كالعادة فإن خرافات الولايات المتحدة الأميركية تحديدا تسافر إلى الوطن العربي بسهولة، سواء كنا نتحدَّث عن العلاج بالطاقة أو نظريات المؤامرة الخرافية.

اقرأ أيضا: إلى كل مستوردي الهراء الأميركي الأصيل في العالم العربي!

طاقة بلا طاقة

الآن ستظن أننا سنقضي بعض الوقت في تفنيد الشاكرات من وجهة نظر علمية، وهذا حقيقي، لكننا لن نحتاج إلى الوقت، حيث لا يوجد(2) دليل علمي على وجود مثل هذه الأشياء، ولا توجد دراسات تُشير إلى أن هذه الشاكرا هنا وهذه هناك، ولا توجد أي أرصاد تشخيصية أو تشريحية تُشير إلى وجود أيٍّ من هذه النقاط في الجسم، رغم دقة أدوات الفحص والأشعة التشخيصية الحالية، الشاكرات أصلا مفهوم لا يتناسب مع الفهم العلمي الحديث لكيفية استخدام الجسم البشري للطاقة وتخزينه.

أنظمة الشاكرات كذلك ساذجة، تتبع تفكيرا طفوليا، بمعنى مثلا أن الشاكرا الحمراء ستكون أفضل إذا أكلت طعاما أحمر اللون أو ارتديت ملابس حمراء! بل ستجد ادعاء يقول إن رفاهية الشاكرا الخامسة، التي تقع بالقرب من الحلق، تتعلق بقدرة الشخص على قول الحقيقة، لأن مكانها في الحلق!

تُمثِّل الشاكرات عمودا فقريا لفكرة أكثر اتساعا تُسمى "الطاقة" و"العلاج بالطاقة"، التي تقول إن هناك "طاقة حيوية"(3) تسري في الجسم وهي الفارق بين الجماد والحي، لكن هذه الطاقة الحيوية هي مجرد اصطلاح يُستخدم دون التدليل على شيء محدد، مثلا لو قلت لك: لِمَ الأفيون مخدر؟ فستقول لي: "بسبب قدرته على التخدير"، أنت هنا لا تفهم لِمَ يتسبَّب الأفيون بالتخدير، بل تُعيد السؤال لي بصيغة خبرية، الأمر كذلك بالنسبة للطاقة الحيوية.

في العلاج باللمس(4) على سبيل المثال، وهو أحد فروع خدعة الطاقة، يستخدم الممارسون أيديهم لتوجيه تدفق الطاقة في جميع أنحاء جسمك من أجل تعزيز الشفاء، قد يكون العلاج بلمس مباشر، أو رفع اليد أعلى الجسم لمسافة قصيرة وتحريكها، ويدَّعي ممارسو هذا النطاق أن العلاج باللمس يمكنه تخفيف القلق والتوتر، والمساعدة على التئام الجروح بسرعة، وتحسين وظيفة الجهاز المناعي، وتقليل الألم والغثيان والتعب والآثار الجانبية الأخرى للعلاج الكيميائي للسرطان، وتحسين أعراض الحالات المزمنة مثل الألم العضلي الليفي والذئبة الحمراء، والحصول على نوم أفضل والشعور بالهدوء والاسترخاء، بل ومنح المزيد من الثقة والوعي الذاتي، هل تتخيل أن علاجا واحدا فقط يُستخدم لكل تلك الأغراض؟!

هناك صور متنوعة للعلاج باللمس، أكثرها شهرة في قنوات اليوتيوب العربية "الريكي" (Reiki)، وهي ممارسة روحانية طوَّرها الياباني البوذي ميكاو أوسوي في 1922، وهناك أمر لطيف في تفنيد اللمسة الشافية، فأشهر التجارب في هذا النطاق أجرتها طفلة عمرها 9 أعوام تُدعى إميلي روز، وهي إلى الآن أصغر ناشرة في عالم الأبحاث. نُشرت الدراسة(5) في دورية "جاما" (JAMA) المرموقة سنة 1998.

إميلي روز ، أصغر ناشرة في عالم الأبحاث.

شارك في دراسة روز 21 ممارسا للمس العلاجي، ولأنهم يقولون إنهم يعالجون باكتشاف هالة الجسم من بعيد، قضت التجربة أن يحاولوا اكتشاف هالتها. وقف الممارسون على جانب واحد من جدار مُكوَّن من الورق المقوى، بينما وقفت إميلي على الجانب الآخر وغيَّرت مكانها من حين إلى آخر، ثم وضع الممارسون أيديهم من خلال ثقوب في الجدار، وكان عليهم الإشارة إلى ما إذا كان بإمكانهم استشعار حقلها الحيوي ومكان يدها، وعلى الرغم من أن جميع المشاركين أكَّدوا أنهم سيكونون قادرين على القيام بذلك، فإن النتائج الفعلية لم تدعم تأكيداتهم، وبعد تجارب متكررة نجح الممارسون في تحديد موقع يدها بمعدل لا يختلف كثيرا عن المصادفة.

إحدى صور الطاقة المنتشرة كذلك في الوطن العربي هي "الفونج شوي" (Feng Shui)، وهو تقليد صيني يحاول التحكم في صحة الفرد وثروته ومستقبله من آليات خلال ترتيب أماكن المعيشة والمقابر والهياكل المادية الخارجية والداخلية عموما (أثاث، مبانٍ، مدن)، يُستهدف من خلال هذا التقليد تنظيم هذه الأشياء لتكون منسجمة مع المعتقدات القديمة حول كيفية عمل الطاقة داخل البشر وبيئاتهم، تحتوي "الفونج شوي" على ادعاءات مثل: لو كان هناك نهر متدفق فقم ببناء بيتك على أحد جانبيه، لأن تدفق المياه هو تدفق للطاقة، يجب تصميم منزلك بحيث تسري الطاقة بين جنباته ولا تعوقها الجدران، علما بأن بيتك إذا تشابه مع بيت شخص آخر فهناك فرصة لارتباط المنزلين!

"الفونج شوي" (Feng Shui) هو تقليد صيني يحاول التحكم في صحة الفرد وثروته ومستقبله من آليات خلال ترتيب أماكن المعيشة والمقابر والهياكل المادية الخارجية والداخلية عموما.

تتكوَّن "الفونج شوي" من فكرتين منفصلتين، الأولى هي ادعاء علمي بوجود طاقة للمكان تتفاعل مع طاقة الجسم البشري، تساعد هذه الطاقة في الصحة والثروة، وهذا ببساطة ادعاء غير علمي(6)، ولا قيمة له بأي شكل، ولا توجد أية دراسات تؤيد هذا الاتجاه، "الفونج شوي" هي ممارسة ذات أصول دينية قديمة مسكونة بالخرافات والأبراج الصينية. أما الثاني فهو ادعاء فنّي، مع الزمن تطورت "الفونج شوي" لتصبح فنا جميلا، مثل فن ترتيب الزهور اليابانية، أو موسيقى الجاز، أو رسوم عصر النهضة، الفن هنا ينضم إلى عالم الهندسة المعمارية، والفن ليس علما، وليس هناك ضرر من ممارسته فنًّا.

تحيزات إدراكية

يزعم المؤمنون بالطاقة أنهم يختبرون تحسُّنا جسديا وعقليا وعاطفيا بعد محاذاة الشاكرات الخاصة بهم. لكن هذا له أسباب، أولها أحد العوامل الإدراكية مثل "التحيز التأكيدي"(7) (Confirmation bias)، ويعني أن الأفراد الذين يعتقدون بوجود شاكرات مرتبطة برفاههم سيكونون أكثر عُرضة لتذكُّر الأوقات التي حدثت فيها تحسينات في الرفاهية بعد أن اتخذوا خطوات لضمان فتح أو توازن هذه الشاكرات.

تخيَّل مثلا أنك تود شراء سيارة من النوع "هيونداي"، في كل يوم كنت تنزل فيه للشارع وترى الكثير من السيارات من أنواع مختلفة، لكن في اليوم الذي قررت فيه أن تشتري السيارة "هيونداي" إذا بك تبدأ في ملاحظتها في كل مكان، وكأن هناك رسالة لك تقول إن تلك السيارة هي المُختارة فعلا، لكن كل ما حدث فعليا هو أنك تحيزت لملاحظتها والتركيز عليها على حساب السيارات الأخرى.

وبالإضافة إلى العوامل الإدراكية، من المحتمل أيضا أن التأثيرات الاجتماعية تلعب دورا في هذا الصدد، فإذا قال فنان ما أو ممثل أو شخصية شهيرة على الإنترنت إن الشاكرات مفيدة، أو إذا انضممت إلى مجموعة تهتم بالشاكرات، فستتأثر بذلك.

على جانب آخر، قد يشعر مريض السرطان مثلا، الذي أقنعه أحدهم بعد يأس من العلاج الكيماوي أن يجرب العلاج بالطاقة، بالتحسن بعد جلسة علاج باللمس أو الهالات أو الشاكرات، لكن ذلك هو فقط تأثير الدواء الوهمي(8)، الدواء الوهمي هو مادة تُعطى للمريض يظن أنها تهدف إلى علاجه، ولا يكون لها تأثير حقيقي في علاج المرض بعينه، ولكن بها يُوهم المريض نفسيا بأن هذا العلاج الذي يتناوله يحمل شفاء لمرضه وأنه علاج فعال في التخلص منه.

يُستخدم هذا العلاج في اختبارات الأدوية الجديدة وفي الأبحاث الطبية، دون معرفة المُتداوي ما إذا كان هذا الدواء فعّالا أم لا، ويُطلق على الحالة التي يرى فيها المتلقي للدواء أنه قد شعر بتحسن فعلا بسبب توقعاته الشخصية "تأثير الدواء الوهمي" أو "استجابة الوهم"، هذا مرصود بالفعل في بعض الأدوية، يأخذ المشارك في التجربة مثلا علاجا وهميا على أنه دواء للصداع، فيتحسَّن قليلا ويظن أنه تلقى علاجا حقيقيا فعَّالا مع حالته، هنا كل ما يفعله صديقنا المصاب بالسرطان هو أنه سيُدمن تلك الجلسات التي تُعطيه بعضا من التحسُّن.

الطب المخادع

يعني التيقظ أن يركز الإنسان على اللحظة الحالية دون إطلاق أحكام، ويتضمَّن ذلك تمرينات مثل التنفس وغيرها.

لو تحدثت مع أحد معتنقي ادعاءات الطاقة وخرافاتها لقال إنك تتبع "الطريقة الرسمية" أو "النظامية"، وإن هناك "أشياء لا يمكن للعلم أن يفهمها"، ثم يحدثك أن العلم يرفض هذه التقاليد من بابها، وأن هذا الرفض له علاقة بـ "بارادايم" المنهج العلمي الذي لا يرى إلا بعين واحدة، لكن حتى في تلك النقطة فإن الطب كان قادرا على فهم الدور الفعال لتقنيات مقتبسة من تقاليد دينية قديمة.

خذ مثلا "التيقظ" أو "اليقظة الذهنية"(9) (Mindfulness)، بالفعل وجدت بعض الأبحاث أنها تقنيات يمكن أن تكون مفيدة مع بعض الاضطرابات النفسية، وتُستخدم حاليا علاجا مُكمِّلا مع الأدوية، وظهرت بالفعل نتائج جيدة لهذا التعاون الثري، واليقظة الذهنية هي تقليد بوذي قديم، استُخدم للتعبد ثم تحوَّل إلى صورة طبية غير دينية تحت اسم "العلاج المعرفي القائم على التيقظ" (Mindfulness-Based Cognitive Therapy)، ويعني التيقظ أن يركز الإنسان على اللحظة الحالية دون إطلاق أحكام، ويتضمَّن ذلك تمرينات مثل التنفس وغيرها، لكن هل تلاحظ الفارق بين ما هو علمي وما هو غير علمي؟

هناك تحديد واضح في حالة الاستخدام العلمي لتقنية علاجية ما، هناك نِسَب مئوية وأنواع محددة من المرض النفسي مثل القلق أو الاكتئاب، وهناك كذلك نسبة فشل واضحة ومعلنة ورأي عام أن هذا النطاق لا يزال يخضع للفحص العلمي، لذلك لا توجد درجة ثقة كبيرة بعد، وهناك تراكب بين أكثر من طريقة للعلاج (الدواء والعلاج النفسي)، لكن بالنسبة لمدرب الشاكرات أو اللمسة الشافية فإنه يعالج كل شيء من القلق الوظيفي الطبيعي وصولا إلى سرطان القولون، أضف أنك ستلاحظ في ممارسي هذه الخرافات أنه يتعاملون بمبدأ أن لكل شيخ طريقة، لا توجد طريقة واحدة لها منهجية معينة لعلاج مرض بعينه، ولكن لكل معلم أو أب روحي طريقته، كما أن لكل شيخ صوفي طريقته في التقرب إلى الله مثلا!

"تو يويو" الحاصة على جائزة نوبل في الطب والفسيولوجيا 2015، لأنها اكتشفت الفوائد الجمة لعشبة "Artemisia annua"، واستخرجت منها مادة الأرتميزين التي حققت فاعلية مرتفعة مع مرض الملاريا.

في عام 2015، حصلت الصينية "تو يويو" على جائزة نوبل(10) في الطب والفسيولوجيا، لأنها اكتشفت الفوائد الجمة لعشبة "Artemisia annua"، واستخرجت منها مادة الأرتميزين التي حققت فاعلية مرتفعة مع مرض الملاريا، قبل هذا الاكتشاف كانت العشبة بالفعل جزءا من الطب الصيني التقليدي، لكنها لم تكن مُوجَّهة لاستخدام محدد، وكانت تُستخدم لكل الأغراض، لكن مع البحث العلمي أصبحنا نعرف آلية عمل هذه المادة الفعالة وحركيتها في الجسم، وتركيزاتها وجرعاتها المناسبة لكل حالة مرضية، نعرف كذلك أن لها أعراضا جانبية، وأن هذه الأعراض تظهر مع جرعة محددة، هل سمعت من قبل عن مدرب طاقة يتحدث عن أعراض جانبية للتقنية التي يعالجك بها؟ بالطبع لا.

قارِن ما سبق بأكثر مفاهيم صنوف الطاقة قدرة على إيضاح طبيعتها بالنسبة لنا، وهي لا شك "الهالة"(11) (Aura). وفق معتقدات العصر الجديد، الهالة فيض نوراني مُلوَّن يغلف جسم الإنسان أو أي كائن حي أو جماد، بالنسبة لهم هي مُكوِّن خفي من مكونات الجسد، ويدَّعون أنهم يمكنهم رؤية حجم ولون ونوع تلك الهالات. بمعنى أوضح، الهالة هي علم تشريح غيبي، تنعكس على صحة الإنسان وترتبط بالشاكرات.

بالطبع تُعَدُّ هذه المزاعم علما زائفا، ولا توجد أدلة علمية لإثباتها، ولم تظهر القدرة على رؤية الهالات عندما اختُبرت في إطار التجارب المقارنة المحددة، لكن هؤلاء الذين يعالجون بالطاقة سوف يستمرون في إخبارك أن ما يمارسونه "لا يتعلق بخط سير الطب التقليدي"، وهذا حقيقي لو تأملت قليلا، فهم بالفعل لا يمارسون طبا ولا علما، بل هم رهبان في ديانة معاصرة متلونة تتمكَّن من هضم كل الديانات الأخرى، لذلك من السهل أن تجد مدرب العلاج بالطاقة يرتدي عباءة الشيخ ويُفسِّر القرآن والحديث، لأن هذه الاصطلاحات كالطاقة والشاكرات والهالة وطاقة المكان العلاج باللمس يُمكن أن تُمرَّر تحت غطاء الدين.

في النهاية يبقى السؤال: لِمَ لا تزال هذه الخرافات، التي تُشكِّل سوقا ضخما بقيمة مليارات الدولارات حول العالم وخاصة في الوطن العربي، مستمرة إلى الآن رغم فشلها أمام الاختبار الرصين؟ لا نعرف سببا واضحا، لكن ربما يكون السبب هو أن يأس الناس وفقدانهم الثقة في المنظومات أو المفاهيم الكبرى المرجعية، مثل العدل الاجتماعي والعلم والسياسة وحتّى المفاهيم الدينية، هو ما منح تجار الزيف الفرصة أن يَعِدوا الناس بعلاج سريع لكل الأمراض، وحياة هانئة، وتواصل لا محدود، وقدرات السوبرمان في القراءة والعمل والثروة والجنس، فلم يكن هناك بُدٌّ من الاستسلام لكل هذا الهراء المستورد!

________________________________________________

مصادر

  1.  العلم الزائف وادعاء الخوارق: أدوات المفكر النقدي – جوناثان سي سميث
  2. The Energy That Wasn’t There
  3. Energy Healing: Looking in All the Wrong Places
  4. The Skeptic Encyclopedia of Pseudoscience -, Michael Shermer
  5. A Close Look at Therapeutic Touch
  6. العلم الزائف وادعاء الخوارق: أدوات المفكر النقدي – جوناثان سي سميث
  7. How Confirmation Bias Works
  8. Placebo effect
  9. Mindfulness-Based Cognitive Therapy
  10. Tu Youyou
  11.  The Skeptic Encyclopedia of Pseudoscience -, Michael Shermer
المصدر : الجزيرة