الفخ البيلاروسي.. المهاجرون العرب في لعبة الحدود الأوروبية

خلال بضعة أشهر تمكنت بيلاروسيا من حشد عشرات آلاف الراغبين في الهجرة من الشرق الأوسط إلى حدودها مع الاتحاد الأوروبي، فيما بدا أنها عملية ممنهجة.

مهاجرون غير نظاميين يتجمعون على الجانب البيلاروسي من الحدود مع بولندا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 (وكالة الأنباء الأوروبية)
مهاجرون غير نظاميين يتجمعون على الجانب اليلاروسي من الحدود مع بولندا في نوفمبر/تشرين الثاني (وكالة الأنباء الأوروبية)

لم أكن أعرف حين التقيت "أمجد" الشاب العراقي الأربعيني في أحد مراكز الشرطة في بروكسل وطلب مني بلطف ترجمة وثيقة له أنه واحد من مهربي المهاجرين، ولم يكن بدوره يعرف أنني صحفي.

قادتني هذه الصدفة لاحقا إلى معرفة الكثير من الخيوط حول عمليات تهريب اللاجئين من بيلاروسيا نحو دول الاتحاد الأوروبي وما يحصل على تلك الحدود وعن طرق التهريب المختلفة.

"هل تود إحضاره إلى ألمانيا أم بلجيكا؟" هكذا خيرني "أمجد" خلال مكالمة هاتفية أجريتها معه أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 حين تظاهرت بأن قريبا لي موجود بتركيا ويبحث عن سبيل للوصول إلى إحدى دول الاتحاد الأوروبي.

أكد "أمجد" -الذي عرفت لاحقا أنه أحد أعوان "أبو العبد العراقي" -وهو أحد أشهر المهربين على وسائل التواصل الاجتماعي- بنبرة واثقة "ما إن يصل قريبك إلى بيلاروسيا حتى يحضره رجالنا بسياراتنا إلى بلجيكا أو ألمانيا، له أن يحدد وجهته النهائية".

بهذه الطريقة اختار آلاف المهاجرين من بلدان الشرق الأوسط وآسيا وضع مصيرهم في أيدي المهربين، فقد تم استدراجهم إلى بيلاروسيا عبر رحلات جوية منظمة ومكثفة وتسهيلات غير مسبوقة في الحصول على التأشيرات أو بدونها لمواطني بعض الدول، وعند وصولهم إلى مينسك يتم تسهيل ذهابهم إلى الحدود للعبور إلى بولندا وليتوانيا ولاتفيا ثم ألمانيا وبلجيكا.

ينشط "أبو العبد" وغيره من المهربين على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف، عدنا إلى حسابات فيسبوك فوجدنا العديد من الصفحات والمجموعات التي تروج ببساطة للهجرة غير النظامية عبر مهربي البشر أو وكلاء لهم، مثل (الهجرة من بيلاروسيا إلى أوروبا – تأشيرة بيلاروسيا وذهاب إلى ألمانيا- غروب بيلاروسيا بولندا.. الهجرة لأوروبا).

ويعلن هؤلاء عن إمكانية توصيل المهاجرين إلى ألمانيا من خلال إرسال نقاط تحميل لهم، وبعد دفع المبالغ المطلوبة لدى ما يسمونها مكاتب "التشييك" (مكاتب إيداع الأموال المتفق عليها مع المهرب).

خلال الأشهر الثلاثة من ديسمبر/كانون الأول وحتى أواخر فبراير/شباط تواصل معد التحقيق عبر واتساب ثم هاتفيا مع عدة مهربين يظهر من خلال صفحاتهم أنهم الأكثر نشاطا، تظاهر أنه موجود في مينسك ويرغب في العبور إلى بلجيكا، فأبدى الجميع استعدادهم لتهريبه ومن معه، لكن إلى ألمانيا عبر بولندا في مرحلة أولى.

حتى أواخر فبراير/شباط اتضح لنا من خلال تواصلنا مع المهربين أثناء التحقيق أن الطريق البيلاروسي ما زال سالكا إلى ألمانيا، وتراوحت عروض الأسعار بين "أبو جبل" و"علاء الدين العراقي" و" أبو محمد القلموني" وأبو الوليد" وغيرهم بين 2500 يورو (2800 دولار) و6500 يورو (7370 دولارا)، مع الاختلاف في بعض الامتيازات، من أهمها توفير دليل في بولندا أو ما يعرف في معجم المهربين والمهاجرين بـ"ريبري".

تواصل معد التحقيق أيضا مع مهاجرين عبروا من طريق بيلاروسيا إلى الاتحاد الأوروبي وآخرين لم ينجحوا وعادوا إلى بلدانهم أو بقوا في بيلاروسيا ينتظرون اللحظة الحاسمة للعبور.

ضمن هذا التحقيق تكشف الشهادات المؤثرة -التي توثق قصصا إنسانية مأساوية على الحدود- والوثائق وتحليل بيانات خطوط الطيران وعدد الرحلات وحسابات وسائل التواصل كيف نظمت بيلاروسيا تدفقا هائلا للمهاجرين إلى حدودها مع الاتحاد الأوروبي خلال أشهر معدودة، وكيف أصبحت الهجرة السرية صناعة منظمة تديرها أطراف بطرق ملتوية وحيل مبتكرة اخترقت الإجراءات الأمنية الأوروبية.

المصدر : الجزيرة