إصلاح الأمم المتحدة.. هل هو حلم بعيد المنال؟

NEW YORK, NY - SEPTEMBER 19: UN Secretary General Antonio Guterres addresses the United Nations General Assembly at UN headquarters, September 19, 2017 in New York City. Among the issues facing the assembly this year are North Korea's nuclear developement, violence against the Rohingya Muslim minority in Myanmar and the debate over climate change. (Photo by Drew Angerer/Getty Images)
غيتي

منذ عقود، تتوالى المطالبات بإصلاح الأمم المتحدة ومراجعة آليات عملها، ويمثل مجلس الأمن نقطة محور هذه الدعوات خصوصا ما يتعلق بعضويته وصلاحياته. ورغم أن هذه الدعوات لم تثمر حتى الآن فإن صوت المطالبة بالإصلاح لم يخفت منذ أن انطلق من داخل المؤسسة الأهم والأكبر في العالم.

طبيعة الإصلاحات
تركز العديد من الدعوات التي أطلقت للمطالبة بإصلاح المتحدة على إصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر ديمقراطية وتمثيلا لدول العالم وتعبيرا عن موازين القوى الدولية التي تغيرت كثيرا بعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة في أربعينيات القرن الماضي.

فمجلس الأمن هو الذراع الأقوى للأمم المتحدة، والأداة الأبرز لتكريس هيمنة القوى العظمى في العالم، وفرض إرادتها على دول العالم الثالث، ونتيجة لذلك تمحورت العديد من الدعوات، خصوصا التي طرحت من خارج الدول الدائمة العضوية فيه، في المطالبة بتوسيع عضويته بشكل عادل ومناسب، حيث تغيب عنه القارة الأفريقية وأميركا الجنوبية، وتحضر فيه القارة الآسيوية بقدر لا يتناسب مع حجمها السكاني مقارنة ببقية دول العالم.

ويندرج موضوع حق النقض (الفيتو) الخاص بالدول الخمس الدائمة العضوية (أميركا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا) ضمن المطالب التي تضمنتها هذه الدعوات.

وتشمل تلك المطالب أيضا إعادة هيكلة الأمم المتحدة، وإصلاح أمانتها العامة، واستحداث إجراءات تتضمن ترشيد الإنفاق وتحسين قدرات المنظمة على إدارة عمليات حفظ السلام.

أهم الدعوات
تعود البدايات الأولى للمطالبة بالإصلاح إلى ستينيات القرن الماضي حين طالبت وقتها حركة عدم الانحياز بإصلاح الأمم المتحدة، وفي السبعينيات أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بإعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة بحثا عن السبل الكفيلة بتعزيز دور المنظمة ومنحها مزيدا من الفعالية.

وخلال السنوات اللاحقة، تصاعدت دعوات الإصلاح داخل وخارج هياكل ومؤسسات الأمم المتحدة، فمن الداخل قدم بعض أمنائها العامين مثل بطرس غالي وكوفي أنان مقترحات للإصلاح الداخلي، وقدم العديد من زعماء العالم رؤى متعددة.

وقدم غالي -الذي تولى منصب الأمانة العامة بين عامي 1991 و1996- رؤية لإصلاح الأمم المتحدة في يونيو/حزيران 1992 بتفويض من رؤساء دول العالم لتجديد المنظمة الدولية.

واشتملت الرؤية التي قدمها غالي لإصلاح مجلس الأمن تحت عنوان "خطة للسلام" على مجموعة مفاهيم منها الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام وحفظ السلام وبناء السلام.

ولاحقا قدم أنان مشروعا مماثلا الإصلاح أمام الدورة الاستثنائية للجمعية العامة يوم 16 يوليو/تموز 1997، تركز على مسارين إداري يهدف للنهوض بالعمليات الإدارية، وتنظيمي يسعى لدعم مقدرة المنظمة على الاستجابة الحيوية والفاعلة للاحتياجات المتزايدة.

وعام 2006 قدم أنان تقريرا للجمعية العامة تضمن مقترحات كجزء من خطة إصلاح واسعة لتطوير الهيكل التنظيمي والإداري للمنظمة.

وركز التقرير -الذي صدر بعنوان "الاستثمار في الأمم المتحدة: من أجل منظمة أقوى"- على تحسين قدرة المنظمة على الانتشار وإدارة عمليات حفظ السلام.

وعلى مستوى الدول، طالب العديد من الأفارقة والمسؤولين بأميركا اللاتينية في مناسبات كثيرة بإصلاح الأمم المتحدة بشكل يضمن العدالة والتمثيل المناسب لجميع قارات العالم. واشتهر العقيد الراحل معمر القذافي -من بين أمور- أخرى بالهجوم على المنظمة وعلى مجلس الأمن الذي وصفه أكثر من مرة بمجلس الرعب.

وعام 2013 قدمت فرنسا مشروعا لإصلاح مجلس الأمن يركز على ضبط اللجوء إلى حق النقض، عبر تعهد الدول الأعضاء الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن -طوعيا وجماعيا- بعدم اللجوء إلى حق النقض في حالات الجرائم الواسعة النطاق.

ودعما لذلك المقترح، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تنازل بلاده من طرف واحد عن استعمال حق النقض ضد أي مشروع قرار ذي مصداقية يرمي إلى وقف ارتكاب الجرائم الواسعة النطاق.

ثم تقدمت فرنسا لاحقا يوم 3 سبتمبر/أيلول 2015 بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، يحد من استخدام حق النقض للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، سرعان ما واجهته روسيا بـ "الفيتو".

كما دعت دولة قطر أكثر من مرة لإصلاح مجلس الأمن الدولي وزيادة أعضائه ليكون ذا طابع تمثيلي ومسؤولة وفعالة وأكثر شفافية ومرونة، وقادرا على التكيف في سبيل التصدي للتحديات التي يواجهها المجتمع الدولي، ويعكس الوقائع الحالية بشكل أفضل.

واستضافت الدوحة مطلع عام 2017 مؤتمرا نظم تحت عنوان "تنشيط النقاش حول إصلاح مجلس الأمن" شارك فيه ممثلون لنحو ثلاثين دولة، وناقش سبل إصلاح مجلس الأمن كجزء من إصلاح شامل للأمم المتحدة.

من جانبه، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2014 أن التغيرات التي طرأت على النظام العالمي منذ إنشاء الأمم المتحدة تحتم خضوع المنظمة لتغيير جذري وشامل.

وشدد أردوغان -في رسالة تهنئة للأمم المتحدة بمناسبة يومها العالمي- على ضرورة تكييف هياكل المنظمة على النحو الذي يمكنها من الاستجابة للمشاكل على الصعيد العالمي، بما فيها مجلس الأمن.

وأوضح أن بلاده ترى ضرورة أن يكون مجلس الأمن قادرا على توسيع التمثيل وخاضعا للمساءلة واعتماد أسلوب عمل شفاف وفعال، وفق رسالة أردوغان.

وفي يناير/كانون الثاني 2017، تعهد الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش بالعمل من أجل إصلاح الأمم المتحدة، وقدم مقترحات لتحقيق ذلك الغرض، تعهد فيها بإصلاح المنظمة وإحداث "طفرة" دبلوماسية للتغلب على العقبات في محادثات السلام، وتعزيز دورها في حل النزاعات الدولية.

وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة في سبتمبر/أيلول 2017 قدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب رؤية لإصلاح الأمم المتحدة من عشرة بنود تتضمن تعهدات وتأكيدات ترمي جميعها لدعم مسيرة الإصلاحات التي بدأها غوتيريش، وتهدف طبقا للبند الثاني لجعل المنظمة "أكثر فعالية وكفاءة".

أما البند السادس من هذه الوثيقة فينص على وجوب الحد من الازدواجية والتكرار في مختلف هيئات الأمم المتحدة. كما تنص في بندها التاسع على وجوب أن يجري الأمين العام "تغييرات ملموسة" في منظومة العمل الأممية لتحسين أدائها في ميادين العمل الإنساني والإنمائي والسلام.

وحظيت مبادرة ترمب بموافقة 126 بلدا كانت ممثلة بمستويات مختلفة من رؤساء دول ووزراء وموظفين كبار استمعوا إلى الخطاب المقتضب لترمب. ولاحقا، دعت المندوبة الأميركية الأممية نكي هيلي الدول الـ 67 التي لم توقع على الإعلان إلى القيام بذلك.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات