ممر زنغزور.. معبر حيوي إلى آسيا الوسطى
شريط بري يبلغ طوله 40 كيلومترا، يمر عبر منطقة "زنغزور" الأرمنية، ويربط أذربيجان بإقليم نخجوان المتمتع بالحكم الذاتي، التابع لأذربيجان إداريا، والمنفصل عنها جغرافيا.
وتحوَّل ممر زنغزور إلى واحد من أكثر القضايا الخلافية بين أرمينيا وأذربيجان منذ حربهما عام 2020، حيث تتهم أذربيجان أرمينيا بالتنصُّل من التزاماتها وفق الاتفاق المبرم بينهما، وتهدد بفتح الممر بالقوة، وامتد الصراع ليشمل دولا إقليمية أخرى مثل تركيا وإيران وروسيا.
ويلعب ممر زنغزور دورا حاسما في زيادة الاتصال الإقليمي، ويتسع تأثيره بحيث يربط أوروبا بآسيا، ويساهم في توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول، كما يعزز مكانة جنوب القوقاز في نظام العلاقات الاقتصادية الدولية.
الموقع
يقع ممر زنغزور عند التقاء جبال القوقاز الصغرى ومرتفعات الأناضول وجبال زاغروس، ويربط أذربيجان بإقليم نخجوان الأذري المتمتع بالحكم الذاتي، حيث تفرق بينهما الأراضي الأرمينية.
والممر عبارة عن شريط بري يبلغ طوله 40 كيلومترا، يمر بمنطقة "زنغزور" التاريخية، والتي تطلق عليها أرمينيا اسم "سيونيك"، وذلك بالقرب من الحدود الأرمينية الإيرانية، عبر مدينة "مِغري"، حيث المسافة الأقصر بين إقليم نخجوان وبقية أذربيجان.
جذور تاريخية
كانت زنغزور منطقة أذرية يسكنها مسلمون أتراك، قبل أن يضمها الاتحاد السوفياتي إلى أرمينيا في عشرينيات القرن الماضي، وأصبحت المنطقة إحدى مقاطعات "أرمينيا"، وأطلق عليها اسم "سيونيك".
وتسبب الاقتطاع في فصل إقليم نخجوان الأذري الذي يتمتع بالحكم الذاتي عن أراضي أذربيجان الأم، وخلال الحقبة السوفياتية، ربطت موسكو نخجوان بالأراضي الأذرية الرئيسية، عبر بناء خطين للسكك الحديدية، يمران من منطقة زنغزور.
وكان هذان الخطان يستخدمان بنشاط لنقل الركاب والبضائع، لكن هذه السكك أصبحت غير صالحة للاستخدام خلال حرب ناغورني قره باغ الأولى، التي بدأت عام 1992.
وفقدت بذلك أذربيجان اتصالها البري المباشر مع نخجوان، وكان عليها أن تصل إليها برا أو جوا عبر أراضي إيران وجورجيا، ففقدت بالتالي الاتصال المباشر مع تركيا، التي لا تمتلك حدودا مع أذربيجان إلا في الجزء الشمالي الغربي من نخجوان.
وفي نهاية حرب ناغورني قره باغ عام 2020 التي استمرت 44 يوما، وانتهت لصالح أذربيجان، وقع البلدان يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني اتفاقا ثلاثيا لوقف إطلاق النار إلى جانب روسيا، وضم بنودا تتعلق بفتح طرق النقل.
وجاء في المادة التاسعة من الاتفاق "تضمن جمهورية أرمينيا سلامة خطوط النقل بين المناطق الغربية لجمهورية أذربيجان وجمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي، من أجل تنظيم حركة المواطنين والمركبات والبضائع دون عوائق في كلا الاتجاهين".
وبالنظر إلى أن بنود الاتفاق المتعلقة بالنقل كانت خطوطا عامة دون تفاصيل محددة، فإنها أفضت لظهور تأويلات مختلفة للأمر، وهو ما سبب مشاكل مستمرة بين أذربيجان وأرمينيا.
وتعتقد أذربيجان بقوة أن المادة 9 تشمل فتح ممر زنغزور، على الرغم من أن روسيا، التي من المفترض أن يكون حرس حدودها مسؤولا عن الإشراف على النقل بين أذربيجان وأرمينيا، لا تشير إلى الطريق باسم ممر زنغزور ولا على أنه "ممر"، إلا أنها تدعم افتتاحه.
وتحوَّل مشروع الممر إلى إحدى أكثر القضايا الخلافية بين أرمينيا وأذربيجان منذ حربهما عام 2020، حيث تتهم أذربيجان أرمينيا على الدوام بالتنصُّل من التزاماتها بإنشاء طريق نقل وفق الاتفاق المبرم.
ومن جانب آخر، ترفض أرمينيا إمكانية إنشاء "ممر زنغزور" دون أن تكون لها سيطرة عليه، وذلك خشية أن تفقد سيطرتها على حدودها الجنوبية، التي تُعَدُّ المنفذ الوحيد إلى إيران.
وتصاعد الخلاف بين البلدين، إلى درجة تهديد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بأن بلاده ستضع يدها على أراضي ممر "زنغزور" بالقوة، في حال لم تُعطِ أرمينيا لباكو ما تريده.
ومع إعلان أذربيجان استعادة سيادتها على كامل إقليم ناغورني قره باغ، إثر عملية عسكرية خاطفة يوم 19 سبتمبر/أيلول 2023، تجدد الاهتمام بممر زنغزور الذي يُعبر عن طموحات تركيا وأذربيجان بعد حسم هذه الجولة من الصراع.
وجاء اختيار إقليم نخجوان ليستضيف لقاء القمة بين علييف ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان لينطوي على قدر كبير من الرمزية بشأن توجهات البلدين في المرحلة المقبلة، واعتبر إشارة قوية من الجانبين على عزمهما إنشاء ممر زنغزور الذي قد يغير الجغرافيا السياسية في جنوب القوقاز وصولا إلى آسيا الوسطى.
واتهم الرئيس التركي إيران بأنها تعرقل إنشاء ممر زنغزور، الذي يربط بلاده بأذربيجان، وأعلنت تركيا في 13 سبتمبر/أيلول 2023 أنها ستبدأ قريبا العمل على إنشاء الممر.
مشروع زنغزور
ترى أذربيجان أن فتح ممر زنغزور يعنى إعادة بناء السكك الحديدية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، وبناء طرق سريعة في المنطقة لربط أذربيجان بمنطقة نخجوان، ويهدف الممر -بحسب باكو- إلى منح أذربيجان إمكانية الوصول غير المقيد إلى نخجوان دون أي نقاط تفتيش في أرمينيا أثناء المرور عبر أراضيها.
ويعد الممر جزءا من طريق نقل إستراتيجي يمتد من العاصمة الأذرية باكو إلى قارص، المحافظة الشرقية لتركيا، بحيث يمنح الممر تركيا وصولا مباشرا إلى أذربيجان، مرورا بالأراضي الأرمينية، وهذا يتطلب اتفاقية شاملة بين أرمينيا وأذربيجان.
وبشكل عام، فإن الممر هو مشروع جيوسياسي يربط أوروبا بآسيا الوسطى والصين عبر طريق أذربيجان-تركيا.
وفي حين ترفض أرمينيا فتح "ممر" فإنها تقترح إنشاء ثلاث نقاط عبور حدودية جديدة للسماح بعبور المركبات الأذرية من أذربيجان إلى إقليم نخجوان على الجهة الأخرى من الممر، وفق مشروع قرار نشره جهاز الأمن القومي الأرميني في 18 أغسطس/آب 2022، الأمر الذي يفي نظريا بما تضمنته المادة 9 من الاتفاق.
وحُددت النقاط عند المواقع الآتية: في قرية "سوتْك" الواقعة على حدود منطقة "كَلْبَجَر" الأذربيجانية في الشمال، وفي "قرة هونغ" الأرمينية الواقعة على حدود منطقة "قُبادلي" الأذربيجانية في الجنوب، وكذلك في "يراسك" الواقعة على حدود نخجوان الأذربيجانية.
وفيما اتفق الطرفان بالفعل على إعادة بناء خط سكة حديد يعود إلى الحقبة السوفياتية، تباين رأيهما حول الوضع القانوني لذلك الطريق أو الطرق عموما، وتكمن المشكلة في أن استخدام مصطلح "ممر" يشير إلى مستوى من السيادة الأذربيجانية على الطريق، وهو ما ترفضه أرمينيا.
ووفقا لاتفاق 2020، يجب أن "يُسيطر" حرس الحدود الروسي على خطوط النقل الجديدة.
أهمية ممر زنغزور
على الرغم من أن طول ممر زنغزور ليس كبيرا ولا يغطي مساحة واسعة على الخريطة العالمية، إلا أنه يتمتع بأهمية جيوسياسية كبيرة، وسيكون له -في حال تم فتحه- تأثير كبير على بنية اتصالات النقل في المنطقة.
ويلعب الممر دورا حاسما في زيادة الاتصال الإقليمي، ليس فقط على مستوى القوقاز، ولكن أيضا عبر أوراسيا الكبرى، حيث ينضم إلى الأراضي التركية والروسية والإيرانية والأرمنية وآسيا الوسطى ويربط أوروبا بآسيا.
كما أن افتتاحه سيساهم بشكل إيجابي في تنمية المنطقة، وسيعمل على توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول، وسيضيف شريانا جديدا لممرات النقل الدولية التي تمر عبر المنطقة، ما يعزز مكانة جنوب القوقاز في نظام العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتعد أذربيجان وتركيا وروسيا المستفيدين المباشرين الرئيسيين من افتتاح الممر، بالإضافة إلى دول إقليمية أخرى، وفي حين أن حلف شمال الأطلسي وروسيا كانا على خلاف في ما يتعلق بالعديد من القضايا من الصراع الأوكراني إلى الشرق الأوسط، يبدو أن لدى كل منهما وجهات نظر إيجابية بشأن فتح طريق النقل.
وفي ما يلي أبرز الدول المستفيدة من فتح الممر:
أذربيجان
من أبرز المكاسب التي ستجنيها أذربيجان من افتتاح الممر استعادة الاتصال البري المباشر مع نخجوان، ويتم الاتصال البري بدون فتح الممر في الغالب عبر إيران، وهو ما يجعل المسافة أطول والتكاليف أعلى، علاوة على أن اعتماد أذربيجان على إيران في ذلك، مكّن الأخيرة من استخدام الوضع أداة للضغط السياسي.
ويساعد الاتصال المباشر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ويحول دون وجود مخاطر في ما يتعلق بالأمن الاقتصادي للإقليم.
ومن جانب آخر، يساهم الممر في تطوير العلاقات الاقتصادية مع تركيا، حيث ستكون المسافة إلى تركيا عبر ممر زنغزور أقصر بمقدار 340 كيلومترا، وذلك عبر خط السكك الحديدية باكو–تبليسي-قارس.
تركيا
يوفر فتح الممر طريقا بريا مباشرا من تركيا إلى كامل أذربيجان، شريكتها الرئيسية في المنطقة، حيث يقتصر اتصال تركيا البري المباشر دون فتح ممر زنغزور على إقليم نخجوان فقط، وليس الأراضي الرئيسية لأذربيجان.
وقد تم إنشاء روابط النقل مع أذربيجان عبر أراضي جورجيا وإيران، وهو ما زاد المسافة وتكاليف النقل، ومن ثم فإن إنشاء الممر الجديد سيخلق فرصا لمزيد من توسيع العلاقات الاقتصادية بين أذربيجان وتركيا، بما في ذلك السياحة.
كما سيزيد فتح الممر من مكانة تركيا مركزا لنقل الطاقة والبضائع من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية عبر طرق بديلة تتجاوز الأراضي الروسية.
ويمكن اعتبار ممر زنغزور، ضروريا لمشروع الممر الأوسط الذي تتنباه تركيا، ويعد أقصر طريق بين شرق آسيا وأوروبا.
ويمتدّ الممر الأوسط بدءا من الصين، أكبر مصنع ومصدر في العالم، مرورا بكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، وتركمانستان في آسيا الوسطى، ليعبر بحر قزوين وصولا إلى أذربيجان ومنها إلى جورجيا قبل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.
ويوفر ممر زنغزور وصولا أفضل إلى دول أخرى في آسيا الوسطى تربطها بتركيا علاقات تاريخية وثقافية قوية، الأمر الذي يعمل على ربط جغرافية "العالم التركي الممزق"، عبر مشاريع النقل والخدمات اللوجستية.
ويخدم المشروع مساعي أنقرة لتأكيد دورها في قيادة منطقة أوراسيا التركية، ويرفع من أسهم "منظمة الدول التركية"، التي تتكون من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان، فضلا عن تركمنستان بصفة مراقب.
روسيا
يتيح فتح الممر سيطرة روسيا على أحد الممرات الرئيسية في جنوب القوقاز، فوفق اتفاق 2020 سيتم تنفيذ السيطرة على ممر زنغزور من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وهو مما يعزز موقع روسيا في المنطقة.
كما يخلق فتح الممر فرصا جديدة لروسيا، خاصة بعد أن قُطِعَت جميع الخطوط الجوية والبرية والبحرية بينها وبين وأوروبا، بسبب الحرب في أوكرانيا، ما أثر على الاقتصاد الروسي، الذي يعاني قبل ذلك من مشاكل كثيرة.
وأدى تدهور العلاقات بين روسيا وجورجيا بعد حرب عام 2008 إلى الحد بشكل كبير من قدرة روسيا على الحصول على اتصال بري مع أرمينيا، وإقامة روابط برية دائمة معها، بسبب إغلاق خط السكة الحديد الأبخازي والمشاكل المتعلقة بطريق لارس العلوي السريع.
ونتيجة لذلك، اعتمدت روسيا على إيران لنقل البضائع، وخاصة المعدات العسكرية، إلى أرمينيا، ومن خلال الممر، ستحصل روسيا على اتصال مباشر بأرمينيا عبر أذربيجان ما يسمح بدوره لروسيا بإقامة علاقات اقتصادية أكثر استدامة مع حليفتها الرئيسية في جنوب القوقاز.
أرمينيا
يسمح فتح الممر بتحرر أرمينيا من عزلتها الاقتصادية، حيث كانت أذربيجان وتركيا قد أغلقتا حدودهما مع أرمينيا بعد احتلالها الأراضي الأذرية عام 1992، ونتج عنه عدم توفر طريق بري آمن ومستدام إلى روسيا، شريك أرمينيا الاقتصادي الرئيسي.
ومنذ بداية الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، لم يكن هناك خط سكة حديد بين أرمينيا وروسيا، وكان الطريق البري الوحيد المتاح هو طريق لارس العلوي السريع، الذي يمر عبر أراضي جورجيا، ويمر عبر تضاريس صعبة، وأحيانا يتم إغلاقه بسبب سوء الأحوال الجوية، ما يسبب تأخيرا في نقل البضائع من أرمينيا إلى روسيا والعكس.
علاوة على ذلك، أدت التوترات السياسية بين جورجيا وروسيا في بعض الأحيان إلى إغلاق هذا الطريق، والطريق الآخر الذي يمر عبر جورجيا هو خط السكة الحديدية عبر أبخازيا، وهو مغلق أيضا بسبب المشاكل السياسية بين روسيا وجورجيا.
اعتراضات أرمينيا
بالرغم من الفوائد الجمَّة التي ستجنيها كافة الأطراف الأقليمية، والتي تمتد بدورها لتشمل مساحة أوسع عالميا، فإن العديد من الأطراف تبدي تخوفا من تنفيذ المشروع، وتتمثل بشكل رئيسي في أرمينيا وإيران.
أكدت أرمينيا رفضها السماح بأن يكون لأذربيجان "ممر" عبر الأراضي الأرمينية، وقال وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن إنشاء ممر "عبر أراضي أرمينيا، لكنه خارج عن سيطرتنا غير مقبول لنا، وينبغي ألا يكون مقبولا للمجتمع الدولي".
وتعتبر أرمينيا أن إنشاء ممر زنغزور من دون نقاط سيطرة وتفتيش أرمينية تقويض لسيادة البلاد، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على حماية مصالحها الوطنية.
وتدرك الحكومة الأرمينية فائدة فتح ممر زنغزور، غير أن تصرفاتها الحذرة ومخاوفها بشأن الممر تعود للاستياء الشعبي من إنشائه، ويتم التعبير عن الآراء ضد الممر في أرمينيا بشكل رئيسي من قبل الجماعات القومية، التي يدعمها جزء كبير من السكان، كما أصبح الموضوع أداة في أيدي المعارضة لمهاجمة الحكومة.
وبالمحصلة، فإن أرمينيا تعتقد أن المخاطر الجيوسياسية لممر زنغزور بالنسبة لها أكبر من الفوائد الاقتصادية، لذلك تعمل الحكومة الأرمينية على تأخير أو منع فتحه.
اعتراضات إيران
يثير المشروع مخاوف إيران التي تخشى انقطاع حدودها مع أرمينيا، وتطويقها في منطقة القوقاز من قبل تركيا وأذربيجان، وقالت القيادة الإيرانية إن تغيير "الحدود التاريخية" في المنطقة "خط أحمر"، كما صرح القادة العسكريون مرارا بأنهم لن يسمحوا بمثل هذه الخطوة، وعملوا على تعزيز الحشود العسكرية في المنطقة الحدودية.
وفي أعلى مستويات القيادة، أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي معارضته لأي تغيير من هذا النوع، وهو موقف أعرب عنه في محادثات مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان خامنئي قد قال عقب انتهاء حرب ناوغرني قره باغ الثانية بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020 "إننا فرحون بعودة قره باغ إلى أذربيجان، لكن إذا كانت هناك سياسة لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارض تلك السياسة، لأن تلك الحدود كانت طريقا للتواصل منذ آلاف السنوات".
ومما يثير قلق إيران أيضا الأدوار النشطة المحتملة لتركيا وأذربيجان في المنطقة، وبفضل التضامن والتعاون العسكري بين أنقرة وباكو في حرب ناغورني قره باغ الثانية، يمثل الطرفان قوتين صاعدتين في المنطقة.
ويمثل إنشاء الممر، تهديدا مباشرا للأمن القومي الإيراني، إذ تخشى طهران من أن تصبح باكو وجهة جذابة للأذريين الإيرانيين، الذين تتركز إقامتهم بشكل رئيسي في المناطق القريبة من أذربيجان، وتشترك معهم غالبية سكانها في الأصل العرقي واللغوي والثقافي.
ووفقا للباحث في شؤون أوراسيا، علي بمان إقبالي زارج، فإن تضارب المصالح الأجنبية بمنطقة أوراسيا يشكل تهديدا للأمن القومي الإيراني، كما أن إنشاء ممر تركي سيلحق الضرر بمجال الترانزيت (إعادة التصدير) الإيراني عبر قطعه ممر شمال-جنوب أو تقويضه، فضلا عن قطع الطريق بوجه إيران للوصول إلى أوروبا عبر أرمينيا.
إضافة إلى أن ممر زنغزور يهدف إلى نقل الطاقة من أوراسيا وآسيا الوسطى إلى أوروبا، ما يعني أنه سيضع حدا نهائيا للحاجة الأوروبية إلى الطاقة الإيرانية.
"ممر طوراني"
وُصف مشروع زنغزور بأنه ممر "طوراني" في إشارة إلى تيار الوحدة بين أبناء العرق التركي، على اعتبار أن تركيا تسعى للوصول إلى مناطق نفوذها التاريخي في آسيا الوسطى.
واتهم السفير الإيراني الأسبق في أذربيجان محمد باقر بهرامي -في تصريح للتلفزيون الإيراني- كلا من إسرائيل وبريطانيا وتركيا وأذربيجان بالعمل من أجل خلق "عالم تركي" عبر إنشاء ممر يمتد حتى تركمانستان، بل وحتى مناطق الإيغور المسلمين في الصين.
وذكر بهرامي أن إيران مستعدة لتقديم خطة بديلة لربط نخجوان بجنوب أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية، مشيرا إلى إمكان إنشاء عدة جسور على نهر آراس الواقع على الحدود مع أذربيجان وأرمينيا.
"ممر الناتو"
وُصف مشروع زنغزور أيضا بأنه ممر للناتو (حلف شمال الأطلسي)، إذ أن الحلف -الذي يضم تركيا في عضويته- بتشجيعه على إنشاء هذا الممر يسعى إلى الوصول إلى روسيا عبر بحر قزوين.
وحذر السفير الإيراني السابق في باكو، محسن باك آئين، من أن هذا سيقطع اتصال إيران بروسيا عبر الأراضي الأرمينية، وأن الناتو يرى مصلحته في الوصول برا إلى مياه بحر قزوين عبر ممر زنغزور على حساب إيران، وقطع اتصالها بأرمينيا التي تعتبر بوابة إيران نحو أوروبا الشرقية.
ماذا تغير في 2023؟
أعلنت أذربيجان استعادة سيادتها على كامل إقليم ناغورني قره باغ بعد عملية عسكرية خاطفة شنتها يوم 19 سبتمبر/أيلول الجاري، وانتهت في اليوم التالي بإبرام اتفاق لوقف النار واستسلام الانفصاليين الأرمن في الإقليم.
أصبحت أذربيجان في وضع عسكري وسياسي متقدم يمكنها من إعادة تشكيل الواقع في زنغزور بما يخدم مصالحها ومصالح تركيا. وتوقع بعض المراقبين الغربيين -بعد سيطرة أذربيجان على عاصمة ناغورني قره باغ- أن تتقدم القوات الأذرية للسيطرة على منطقة زنغزور التابعة إداريا لمقاطعة سيونيك أقصى جنوب أرمينيا، في ظل ما يوصف بأنه "انكفاء" من جهة روسيا التي تنشر قواتها لحفظ السلام بين البلدين.
باتت روسيا -الداعم التاريخي لأرمينيا- منشغلة بحربها في أوكرانيا، كما أن العلاقات توترت بينها وبين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بعد إعلانه خطوات للانفتاح على الولايات المتحدة والتعاون معها.
ويذكر موقع "أوراسيا نت" أن روسيا باتت لها مصلحة كبيرة في فتح ممرات عبر القوقاز بعد أن قطعت خطوط إمدادها غربا إلى أوروبا، بسبب الحرب في أوكرانيا. ولذلك فإن موسكو تسعى للحصول على خطوط نقل إضافية مع تركيا وقد تضغط على يريفان في هذا الملف.