كيف أصبحت مصر من أكبر مصدري العالم للبرتقال؟

مصر تنتج نحو 4.5 ملايين طن موالح تتضمن محاصيل من البرتقال البلدي والصيفي واليوسفي والليمون (رويترز)

القاهرة – ما إن يأتي يناير/كانون الثاني، حتى تتهلل أسارير ماهر عبد اللطيف (مُزارع ومُصدّر) فها قد بدأ شهر الخير يحمل معه الإنتاج الوفير من محصول البرتقال ليتوج مجهوده بقدر من الرضا بعد المجهود المضني الذي رافقه على مدار أشهر في الزراعة، ومن ثم جني المحصول في حقله منذ الصباح الباكر.

حال ماهر لا يختلف عن حال أغلب مواطنيه في قرية إيمياي بمحافظة القليوبية، والتي تعد واحدة من أكثر المحافظات في إنتاج وزراعة البرتقال في البلاد، فربما كان القطن المصري معروفا عنه غزارة الإنتاج خلال الخمسينيات والستينيات حتى أطلق عليه الذهب الأبيض وقتها، إلا أنه وبمرور الزمن وتغير اتجاهات الزراعة أصبح البرتقال يضاهي القطن ليطلق عليه الذهب الأصفر الذي يملأ حقول كثير من محافظات دلتا مصر خلال تلك الفترة.

إحصائيات وأرقام

تنتج مصر كميات كبيرة من الموالح (تشمل البرتقال واليوسفي والليمون) الأمر الذي تعبر عنه العديد من الإحصائيات التي تتحدث عن حصيلة الصادرات، حيث تشير آخر الأرقام الرسمية إلى أن إجمالي الصادرات وصل إلى مليون و871 ألفا و150 طنا من يناير/كانون الثاني 2021 حتى 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، حسب تقرير من هيئة الحجر الزراعي مقدم لوزارة الزراعة.

وتعد مصر بين أكثر 5 دول مُصدّرة للموالح في العالم حيث تنافس إسبانيا وجنوب أفريقيا بحسب تقارير عالمية، وبلغت تكلفة التصدير 843 مليونًا و154 ألفا و859 دولارا، بحسب أحدث تقرير صادر عن المجلس التصديري للحاصلات الزراعية في سبتمبر/أيلول الماضي. وتصدر مصر للعديد من الأسواق والدول، أبرزها السعودية وهولندا والصين والإمارات وبنغلاديش والمملكة المتحدة وأوكرانيا وعُمان وماليزيا، حسب تقرير لوزارة الزراعة الأميركية منتصف العام الماضي، عوضا عن ارتفاع الطلب من دول أوروبا منذ تفشي وباء كورونا.

جولة ميدانية

وبجولة داخل إحدى مزارع قرية إيمياي يبدو مجموعة من العمال، وخلال أجواء شديدة البرودة منذ الصباح الباكر، يحملون قفافا كبيرة أمام أشجار البرتقال الممتدة على مرمى البصر بالقرية، يعملون جميعا على جمع ثمار البرتقال في تناغم، حتى إذا امتلأت قفافهم توجهوا إلى سيارة نقل كبيرة ليضعوا البرتقال بها، ثم يعاودون الكرة بالعودة والجني مجددا.

وهو الأمر الذي يعمل فيه أغلب أهالي القرية، خلال الموسم الذي يستمر حتى العمل على الحصاد منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول وحتى أبريل/نيسان.

علاء أحد هؤلاء العمال الذين حاورتهم الجزيرة نت، حيث أكد أن موسم جمع البرتقال مصدر رزقه والكثير من العمال الزراعيين في إيمياي وما يجاورها من قرى، لافتًا إلى استيقاظه عقب صلاة الفجر الخامسة صباحا، واتجاهه للحقول مع زملائه من أجل بداية جمع البرتقال من الشجر، وهي عملية لا تخلو من مصاعب حسب كلامه، خصوصا أن العمل يستمر بصورة مستمرة حتى غروب شمس اليوم طوال الموسم.

وأوضح أنه يتم تقسيمهم إلى مجموعة تقوم بقطع الثمار ومجموعة أخرى تحمل القفاف ومجموعة تتولى فرز البرتقال وتعبئته وهكذا، لافتا إلى أن الأمر ليس سهلا فقطع الثمار يتوالى لساعات ولكنه في الوقت نفسه باب رزق الكثير من العمالة بالقرية ينتظرونه جميعا من عام إلى آخر.

وحول أسباب الاهتمام بالبرتقال المصري خصوصا، يرى عبد اللطيف، خلال تصريحاته للجزيرة نت، أن الأمر يعود إلى خصوبة وجودة التربة في الدلتا وملاءمة الظروف المناخية، وهي المقومات التي تجعل الزراعة جيدة وتعمل على تميز البرتقال كشكل وطعم ولون، بجانب الاهتمام والرعاية التي يلقاها المحصول من المزارعين.

وأضاف "يصبح موسم الجني خلال يناير/كانون الثاني موسم فرحة للقرية كلها "فالجميع هنا يعمل في زراعة وإنتاج البرتقال ابتداء من الفلاح والتاجر والعامل والسائق وصاحب السيارة النقل" مضيفا أن الموالح عموما والبرتقال خصوصا أصبح عليها طلب كبير الأمر الذي ازداد خلال فترة فيروس كورونا نظرا لما تحتويه من فيتامينات مهمة على رأسها فيتامين سي.

ولفت عبد اللطيف إلى أن جمع البرتقال يمر بعدة مراحل، فبعد الجمع يتم فرزه وتعليبه ثم التوجه به إلى محطات التصدير من أجل التعليب والتجهيز لتصديره للخارج حسب الرؤية الفنية للمصدر، أو يتم بيعه جملة إلى التجار مباشرة.

أسباب

"تعد الموالح محاصيل الفواكه الأولى في مصر من حيث مساحة زراعتها والإنتاج والأهمية حيث يوجد أكثر من نصف مليون فدان مزروع موالح، يتركز أغلبها في الدلتا والوادي بمعدل 55% من مساحة زراعة الموالح بمصر" كما يقول الدكتور محمد مليجي الخبير الزراعي في تصريحات صحفية.

ولفت مليجي إلى أنه في مصر يوجد هناك فارق بين درجات حرارة الليل والنهار وهو ما يعمل على تحسين جودة البرتقال وباقي أنواع الموالح الأخرى، ولهذا تكون ثمرة متميزة على مستوى السوق المحلي أو في الخارج.

وأوضح أن مصر تنتج نحو 4.5 ملايين طن من الموالح تتضمن محاصيل من البرتقال البلدي والصيفي واليوسفي والليمون، ويتم تصديرها واستهلاك الباقي محليا، مؤكدا أنه رغم تفوق مصر في زراعة الموالح وتصديرها للخارج، فإنه توجد بعض التحديات المتمثلة في أمراض النبات، وهو أمر يظهر في الدلتا بسبب ارتفاع مستوى الماء بالتربة في الوقت الذي تحتاج فيه زراعة الموالح إلى مياه قليلة لا تزيد على 1.5 متر، الأمر الذي يعرض النبات إلى أعفان الجذور وغيره من أمراض، بجانب تفتيت الحيازات الزراعية بعد وفاة المالك والاتجاه إلى زراعات مختلفة للفدادين المختلفة.

وأشار الخبير الزراعي إلى أن هناك دولا تفوق مصر في إنتاج للبرتقال ولكنها لا تصدره مثل البرازيل التي تصنع أكثر من 73% من إنتاجها مما يعزز من القيمة المضافة عندها اقتصاديا، بينما نسبة التصنيع في مصر 3% ويتضمن ما لا يتم تصديره، مؤكدا أن التصنيع يمكن أن يضيف قيمة أكبر كما يعمل على تقليل الفاقد أو التالف، كذلك يعمل على زيادة تشغيل أيد عاملة، نظرا لإمكانية بيع المنتج المصنع في صورته النهائية غير المكلفة عند تصديره كمنتج محلي بجودة عالية.

المصدر : الجزيرة