مصر تستعد لمزيد من الغاز الإسرائيلي مجددا.. تجارة أم استهلاك محلي؟

منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط ​​قبالة سواحل حيفا (رويترز)

القاهرة – تسعى مصر وإسرائيل مجددا إلى زيادة حجم إمدادات الغاز بينهما إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين في أعقاب توقيعهما مذكرة تفاهم بشأن إمكانية زيادة إمدادات ‏الغاز، من دون التطرق إلى حجم الكميات أو قيمتها.

ويسعى البلدان -حسب مراقبين وخبراء- إلى الاستفادة من التقارب السياسي الذي بلغ ذروته مؤخرا في زيادة حجم التبادل التجاري في مجال الغاز الطبيعي بعد الاكتشافات الضخمة لحقول الغاز في شرق البحر المتوسط، التي تنذر بحدوث توترات بعيدة المدى بسبب الخلافات بين بعض الدول حول ترسيم الحدود البحرية.

على هامش اجتماعات منتدى غاز المتوسط بالقاهرة -الخميس الماضي- وقع وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا ووزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار على مذكرة تفاهم لإمكانية زيادة إمدادات ‏الغاز "لإعادة التصدير"، حسب بيان وزارة البترول المصرية.

وترأست مصر الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى غاز شرق المتوسط الذى عٌقدت أعماله بالقاهرة بمشاركة وزراء قبرص واليونان وإسرائيل والأردن، وحضور ممثلين عن دول أجنبية، وتم اختيار قبرص لرئاسة منتدى العام المقبل.

حديث وزيرة الطاقة الإسرائيلية -قبل أيام فقط من توقيع مذكرة التفاهم بشأن إمدادات الغاز الإسرائيلي- كان متناقضا مع بيان وزارة البترول المصرية، إذ قالت إن بلادها ستبدأ في ضخ المزيد من الغاز الطبيعي من حقل بحري شمال إسرائيل إلى مصر عبر خط أنابيب في الربع الأول من العام المقبل.

وأضافت الحرار -في مقابلة تلفزيونية- أن الغاز الإسرائيلي حاليا يتم استهلاكه في الغالب داخل مصر، ولا يوجد تحرك لضخ بعضه إلى مرافئ التصدير في دول شمال أفريقيا، من دون الكشف عن حجم هذه الإمدادات.

 

هدف مشترك

ويبدو أن مصر وإسرائيل تشتركان في الهدف نفسه، وهو التحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز الطبيعي، ولكن هل تساعد عملية استقبال الغاز الطبيعي وإعادة تصديره بينهما في تحقيق الهدف المشترك، في ظل تأكيد القاهرة أنها تستورد الغاز لتصديره وتأكيد تل أبيب أنه للاستهلاك المحلي.

في هذا السياق، يقول خبير شؤون النفط والطاقة الدكتور نهاد إسماعيل إن "المصادر الرسمية المصرية تقول إن الهدف من استيراد الغاز الإسرائيلي هو إيصاله إلى محطات تسييل الغاز ثم تصديره لأوروبا، ولكن هل فعلا تحتاج مصر لمزيد من الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي، علما أنها حققت اكتفاء ذاتيا عام 2018، وصدرت كميات للخارج -حسب تصريحات وزير البترول طارق الملا؟ هذا لم يتم تأكيده".

لكن إسماعيل لم يستبعد -في حديثه للجزيرة نت- أن تكون هناك دوافع سياسية وراء عملية تبادل الغاز الطبيعي بين البلدين.

وتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر -يضيف إسماعيل- بلا شك يعزز مكانة الأخيرة بوصفها لاعبا مهما محوريا في مجال الغاز في منطقة شرق المتوسط.

وأوضح خبير الاقتصاد والطاقة أنه -حسب تصريحات الملا أيضا- بلغت صادرات مصر 1.8 مليار قدم مكعب من الغاز المسال يوميا، وهي تطمح بدورها أن تكون مركزا كبيرا لإعادة تصدير الغاز بعد عملية التسييل، وهذا يفسر رغبتها في استيراد غاز إسرائيل، حسب الرواية الرسمية.

محطة بنزين – الجيزة الزمان: 2021 مصر وإسرائيل توقعان على مذكرة تفاهم لزيادة إمدادات ‏الغاز. المصدر: (الجزيرة نت)
يسهم قطاع البترول والغاز بنسبة 24% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر (الجزيرة)

تخمة إسرائيلية من الغاز وشهية مصرية

تدرس إسرائيل مد خط أنابيب بري جديد إلى مصر لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي لها بسرعة، وسيربط الخط شبكتي الغاز الطبيعي المصرية والإسرائيلية عن طريق شمال شبه جزيرة سيناء، وفق ما ذكرته وزارة الطاقة الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي.

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر -مطلعة على المباحثات الجارية حينها- قولها، إن خط الأنابيب الجديد سيسمح بزيادة الإمدادات إلى مصر بما يتراوح بين 3 و5 مليارات متر مكعب سنويا، وتستخدم هذه الإمدادات في تغذية شبكة الكهرباء المصرية، وزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا وآسيا، مشيرة إلى أنه سيكلف نحو 200 مليون دولار، وقد يصبح جاهزا لتشغيله خلال 24 شهرا.

وتستقبل مصر نحو 5 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الإسرائيلي عبر خط أنابيب تحت سطح البحر، وبذلك أصبحت موردا رئيسيا للغاز الطبيعي إلى مصر بناء على اتفاق تجاري ضخم لمدة 15 عاما لتوريد 85 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي قيمته نحو 19 مليار دولار يناير/كانون الثاني 2020.

وتبلغ صادرات مصر من الغاز المسال نحو 1.8 مليار قدم مكعب يوميا، وخلال الربع الثالث من عام 2021، قفزت إلى نحو مليون طن بنسبة زيادة بلغت حوالي 900% على أساس سنوي، في أعلى معدل نمو عالمي في تلك الفترة، في حين يتراوح إنتاجها ما بين 7 و7.2 مليارات قدم مكعب في اليوم.

وأسهم قطاع البترول والغاز بنسبة 24% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة في 2019/2020، حسب تصريحات وزير البترول المصري.

ضرر بالأمن القومي المصري

يعتقد الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى يوسف أن الاكتفاء الذاتي الذي حققته مصر عام 2018 كان مؤقتا؛ "لأنها منذ ذلك التاريخ توسعت في استخدام الغاز الطبيعي، وإذا كانت تنتج نحو 7 مليارات قدم مكعب يوميا وتستهلك 6.5 مليارات قدم مكعب يوميا، في حين أن حصة الشريك الأجنبي لا تقل عن 30%، فهذا يعني أن هناك فجوة تقدر بنحو 1.5 مليار قدم مكعب بعد خصم حصة الشريك".

وأعلنت مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي عام 2018، وتضاعف حجم الاستهلاك أكثر من 20 ضعفا، حيث وصل إلى 47 مليون طن خلال العام المالي الماضي، وتم توقيع اتفاقيات بترولية باستثمارات لا تقل عن 17 مليار دولار خلال 7 سنوات.

وأكد يوسف -في تصريحات للجزيرة نت- أن مصر ليس لديها سوى خيارين لسد الفجوة، إما عبر شراء حصة الشريك الأجنبي بسعر تفضيلي، أو استيراد الغاز من إسرائيل أو كليهما؛ وهذا يتعارض مع أبجديات الأمن القومي، وخطأ إستراتيجي ضد المصالح الاقتصادية المصرية على المدى البعيد.

ورأى الباحث في الاقتصاد السياسي أن على مصر أن تشتري حصة الشريك الأجنبي لسد أي فجوة في استهلاك الغاز الطبيعي؛ لأن شراء الغاز الإسرائيلي -حتى وإن أعادت تصديره كله أو جزءا منه- يقوي من شوكة إسرائيل ويدعمها اقتصاديا على حساب مصالح البلاد وأمنها القومي، مشيرا إلى أن مصر منحت إسرائيل فرصة عدم الاختناق بالغاز الذي تنتجه وتنهبه من جيرانها.

ويبلغ متوسط إنتاج الغاز الطبيعي في مصر أكثر من 6.8 مليارات قدم مكعب، ويقول وزير البترول طارق الملا إنه يتم تم إمداد جميع القطاعات بنسبة 100% وتغطية كامل احتياجات السوق المحلي، مشيرا إلى أن متوسط الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي بلغ ما يزيد على 6 مليارات قدم مكعب يوميا.

المصدر : الجزيرة