دعوة للمراجعة ومواجهة الاستعمار.. بيان "توبة ورجاء" من مجموعة شباب "المسيح أمام الحاجز" الفلسطينية

دعا البيان لإنهاء الاستعمار المالي والتأثير الغربي في الكنائس الفلسطينية، الذي "يستخدم لمسايرة مجتمعنا وتسكينه وبالأخص تأثير المسيحية الصهيونية"، ودعا كذلك إلى "مواجهة الأفكار المعادية للإسلام وأي توجهات أخرى تقصي الآخر".

المسيح عند الحاجز
شعار مجموعة "المسيح أمام الحاجز" المسيحية الفلسطينية التي أصدرت بيان توبة ورجاء ودعت إلى النضال لمقاومة الظلم (مواقع التواصل الاجتماعي)

مبتدئين بكلمات من "سفر عاموس" بالعهد القديم، أصدر شبان وشابات فلسطينيون مسيحيون بيانا وصفوه بالطارئ عبّروا فيه عن "توبتنا ورجائنا في ظل الظلم الواقع علينا"، ودعوا المتلقين للبيان إلى قراءته بتأنٍّ والتفكير مليًّا به وبالمسيح.

وقالت المجموعة التي تطلق على نفسها "المسيح أمام الحاجز" إننا "نقف بحزم في وجه العنف، ونبغض معاناة جميع الأبرياء، ولكننا نرفض أن نقع في فخ مساواة عنف النظام وتسلّطه بعنف المظلومين في مقاومتهم الأنظمة التي تقمعهم. إن عدم اتخاذ موقف صريح وحازم تجاه الأنظمة الظالمة، ومحاولة تبنّي الوسطية والاكتفاء باستنكار كل العنف ينمّ عن جهل أو دعم متعمّد أو غير متعمد للقوي".

وأردفت في البيان الذي صدر السبت الماضي "صلّينا من أجل السلام، الهدوء والصبر، ولكن علينا أن نقرّ بأنه ليس بإمكان السلام أن يحلّ من دون عدل حقيقي. لذلك، ومع إدراكنا لأهمية الصلاة، إلا أنها لا ينبغي أن تكون من أجل سلام به نعود إلى الوضع القائم الظالم، بل تدعو لسلام مغيّر يدرك الصلة الجوهرية بين السلام والعدل ويقود إلى مصالحة حقيقية".

وتعدّ المجموعة فرعا عن مؤتمر المسيح أمام الحاجز الذي يعقد كل عامين في مدينة بيت لحم.

وتابع البيان قائلا إن "غضب الفلسطينين هو غضب مقدس (أفسس 4 :26-27) ينفض عنه نير الظلم: ظلم الفصل العنصري، الاستعمار الاستيطاني، وقمع الفلسطينيين المستمر. قيادتنا السياسية وذوو النفوذ مشاركون في هذا القمع وقد خدموا القوي خدمة مباشرة وغير مباشرة. يسوع المسيح موجود اليوم مع الفلسطينيين المتألمين والمقاومين للطغيان عبر البلاد (متى 25: 31-46)"

وبدت كلمات البيان فريدة من نوعها وغير معتادة، فهي من ناحية تقدم نقدا ذاتيا غير مسبوق، وفضلا عن ذلك تؤكد ضرورة الفعل والعمل اللاعنفي لمقاومة الظلم بدلا من دعوات الهدوء السلبية.

"لاهوت تحرير فلسطيني"

وفي مقاله بمنصة "موندويس" (mondoweiss) رأى الكاتب جاك موناير أن ذلك البيان يبدو مستوحى من "لاهوت تحرير السود" معتبرا أن العديد من اللاهوتيين والناشطين الفلسطينيين المسيحيين الصاعدين يدرسون أفكار لاهوت التحرير، لا سيما إله المستضعفين لعالم اللاهوت الأميركي جيمس كون 1938-2018، وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أننا بحاجة إلى إعادة التفكير جذريا في كيفية إشراكنا في النظام الاستعماري القمعي الذي نعيش فيه.

ويتابع موناير أنه "مثلما كان لحركة الحقوق المدنية حضور مسيحي قوي في مقاومتها الاستعلاء العنصري، فيجب أن نجدها أيضا في السياق الفلسطيني.. هناك كثير مما يمكن قوله عن مقارنة هذين الموقفين المختلفين، ولكن خلاصة القول هي أن الشباب المسيحيين الفلسطينيين لديهم فهم جديد لوضعهم وهناك حاجة إلى التخلص من أغلال اللاهوت والتأثيرات الغربية التي ترمي إلى تسكين أوضاعنا".

وبرزت أفكار "لاهوت التحرير" في أميركا اللاتينية في خمسينيات وستينيات القرن الـ20 على يد دعاة إنجيليين ومبشّرين وقساوسة كاحتجاج وردّ فعل أخلاقي على الفقر والظلم الاجتماعي، ومطالبة بالتحرر السياسي للشعوب المضطهدة، وصاغ هذا المصطلح في عام 1971 الكاهن الدومينيكاني غوستافو غوتياريز إذ رأى أن اللاهوت الأوروبي الذي درسه لا يعكس الظروف المادية القمعية في أميركا اللاتينية.

ويشير مصطلح "اللاهوت الأسود" إلى النظرية الدينية الرائجة في كنائس أميركا السوداء حيث تسعى لتحرير الناس من صور الاستعباد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتعدّ قضايا الحقوق المدنية أولوية لها.

ويقول بيان مجموعة المسيح عند الحاجز إن "علينا أن نقف ونناصر كرامتنا وكرامة إخوتنا وأخواتنا ممن نتقاسم معهم العيش المشترك والآلام والدماء التي تصرخ من الأرض. حان وقت المقاومة اللاعنفية من خلال عمل يشهد لإلهنا، إله المظلومين، مبني على إرث الثبات الفلسطيني". ويتابع البيان "علينا أن نكون مجتمعا يصوّب أنظاره إلى العمل، ويلتزم مناصرة الأخرس والمظلوم؛ على بياناتنا وكتبنا اللاهوتية وعظاتنا أن تكون متجذرة في واقعنا وسياقنا، وتصدق بمزيد من الأعمال، وإلا فهي منقوصة وفارغة".

ويردف البيان "علينا اقتلاع عقليتنا القبلية التي تحاول عزلنا عن جيراننا وعن الواقع من حولنا. إننا نستغرق جلّ طاقتنا في نزاعات داخلية للقوة، المناصب والمال، وهي أمور علينا أن نكون مستعدين أن نخسرها نحن تلاميذ المسيح وملكوت الله. يستغل ظالمونا هذه العقلية لتفريقنا، لذلك علينا أن نتحد بتكاتف مع بعضنا بعضا (يوحنا 17: 21)".

ويدعو البيان لإنهاء الاستعمار المالي والتأثير الغربي في الكنائس الفلسطينية، الذي "يستخدم لمسايرة مجتمعنا وتسكينه وبالأخص تأثير المسيحية الصهيونية"، ودعا كذلك إلى "مواجهة الأفكار المعادية للإسلام وأي توجهات أخرى تقصي الآخر".

وأشار البيان إلى ضرورة "مواجهة ذوي المناصب بالحقيقة بحزم، وذلك يتضمن قيادتنا" داعيا إلى "تطوير الخطوات التي تحارب قمع المستضعفين في مجتمعنا وتجديد التزام التكاتف مع المظلومين".

مسيحيّو فلسطين

وفي مقاله السابق المنشور بالجزيرة نت رأى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، حنا عيسى، أن أخطر ما لقيه مسيحيو فلسطين، ولا سيما بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، هو التهويد ومصادرة الأراضي، مؤكدا أن "جذور المسيحيين العرب عميقة في أرض فلسطين، فالقدس تشعّ دوما بالحياة وتغذيها، واستقبلت على مرّ العصور إخوة وأخوات في الإيمان من حجاج مقيمين وعابرين، دعتهم للتعرف على المصادر المغذية لإيمانهم".

ويقول موناير إنه على حد علمه "لم يصدر أحد في مجتمعنا بيانا مثل بيان توبة ورجاء" معتبرا أن "تصريحات النقد الذاتي العامة غير معتادة هنا، ومن المحتمل أن تسبب كثيرا من ردود الفعل السلبية، ولكن هذا يمكن أن يوقظ النائمين من سباتهم ويفتح نقاشات عن دورنا في هذا الصراع".

ويتساءل "من الناحية الديمغرافية، نحن جزء صغير من السكان في هذه الأرض، ومع ذلك يمكن للمرء أن يجادل بأن تأثير المسيحيين الفلسطينيين داخليا وخارجيا ضخم.. هل نستخدم إمكاناتنا الكاملة؟".

وفضلا عن ذلك، يتابع موناير، "إذا كنا نتوقع من المجتمع الدولي إنهاء الاحتلال والتمييز في هذه الأرض من أجلنا، فإننا مع الأسف مخطئون. لقد حان الوقت لكي نتّحد معا ونعيد التفكير في نهجنا تجاه هذا الصراع وإعادة بناء إستراتيجيتنا. ينبغي لنا أيضا كسر العقلية القبلية، بغض النظر عن الطريقة التي يعاملنا بها الآخرون، وعلينا الوقوف بقوة مع قناعاتنا".

وتصف مجموعة المسيح أمام الحاجز نفسها بأنها تتكون من "شابات وشبان، مسيحيات ومسيحيين، فلسطينيات وفلسطينيين من أراضي الـ48، القدس، والضفة الغربية وغزة؛ لا يمكننا أن نبقى صامتين إزاء ما يحدث في مجتمعنا". وأضافوا "نقرّ بذنبنا ونتوب عن خمودنا، ركوننا وعدم تكاتفنا مع أشد المتألمين من القمع الاستعماري في الأحداث الأخيرة وعلى مدى سنوات. أخفقنا في أن نكون ملحا ونورا في هذه الأرض، ولهذا نتوب عن خطايانا بالتزام العمل. يأتي ذلك في ظل إظهار ذوي المناصب في مجتمعنا تقصيرا شديدا في بياناتهم وتصرفاتهم حيال الظلم المستمر الذي يعيشه الفلسطينيون".

وتركز مؤتمرات "المسيح أمام الحاجز" على فئة الشباب المسيحي الفلسطيني، وتسعى لتشجيعهم على أخذ دور فعال كاتّباع للمسيح في نشر العدالة والسلام، من خلال مناقشة التحديات السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا من منظور الكتاب المقدس.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية