شعار قسم مدونات

غزة.. عندما يكون الخذلان من الأقربين!

طائرات مسيرة أو صواريخ إيرانية تضرب إسرائيل. وإيران بدأت للتو
طائرات مسيرة و صواريخ إيرانية تضرب إسرائيل (وكالات)

فجأة لمحت شرارة في الأفق، آبت إلى نفسها وكانت ما تزال في ليلها القاسي الممتد منذ وقت، لمحت شرارة عقب أخرى فانتزعت كفيها عن جراح تضمدها هي كل ما تبقى من واقع مدينتها، ثم حدقت ترنو في الأفق، وأدركت أن ما اجتاز الأجواء من حولها حمم نارية تتجه نحو سارقي ضحكات أطفالها، سمعت الدوي وتابعت سربا من كريات النار سابحة في الهواء فشيّعته بدعوات التسديد.

طمحوا بأبصارهم يتأملونها، رأوا خطوطها القانية ومسارها، فقالوا إنها على بعد لحظة من زعزة ذاك التل المحتل إن صدقت تقديراتنا التي اعتدنا الاعتماد عليها

قالت قذائف حمراء كانت تتسمر عند منافذ أحد الأنفاق الغزية، بيني وبين تلك الشرارات من نسب فمن أطلقها! وشائج الأهداف تجمعنا وسياق اللحظة يؤاخي بيننا في صف واحد.

وقالت مسيرات قد شاركت في يوم الطوفان: ركب من النار كأن عزائم أبناء كتائبنا قد حدت به، فهل صدر من خطاب يشرح تفاصيل غارتها هذه وما الذي قد وقع، أم أنها النصرة من بني قومنا قد وافت بعد أن لم تعد في الحسبان، ملبيين أخيرا وامعتصماه وقد هيئوا الراجمات وقدموا خيولهم البلق!

وطمح رجال غزة بأبصارهم يتأملونها، رأوا خطوطها القانية ومسارها، فقالوا إنها على بعد لحظة من زعزعة ذاك التل المحتل إن صدقت تقديراتنا التي اعتدنا الاعتماد عليها والتي تنافس مهارة الأجهزة التقنية في رصد الأهداف وتحديدها.

كان من أغرب ما رأته غزة مثيرا للاشمئزاز هو أن يكون من بني جلدتها من يشارك في اعتراض المسيرات عن العدو، ولا تدري هل تصدق أم لا تصدق

بردا على الفؤاد وشفاء للغليل، كانت غزة تتابع بنظراتها قوافل النار وهي تقض مضاجع المحتلين وقد أحاطت بهم المخاوف وهرعوا ولاذوا بشركائهم تحت وطأة الرعب في ليلة الأرق.

أجمل ما رأته غزة في المسيرات القادمة بين أمواج الدجى، أنها أول رصيد قل أو كثر ينخرط مع جهود أبناء غزة في سوح القتال مواجها لعقر محتلي الأراضي، فرأت فيه بيرقا يصطف خلفه المشجعون ويحتفي به أهل المقاومة والثغور ويهللون لموكبه.

دندن أزيز المسيرات ووصلت إلى ما وصلت له من الأهداف وشاهد العالم بأم عينيه انكبابها ماضية نحو وجهتها تخترق الآفاق وتغذ المسير، وكان من أغرب ما رأته غزة مثيرا للاشمئزاز هو أن يكون من بني جلدتها من يشارك في اعتراض المسيرات عن العدو، ولا تدري هل تصدق أم لا تصدق، رغم إلفها لكل ألوان الخذلان من الأقربين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.