شعار قسم مدونات

إخوان فلسطين يحاولون إيقاظ الأمة!

(FILES) A Palestinian man walks from the Egyptian side of the border in a repaired bombed smuggling tunnel linking the Gaza Strip to Egypt, in Rafah, on November 29, 2012. A sprawling network of Hamas tunnels under the Gaza Strip has become a primary target for the Israeli military in its stated mission to defeat the Palestinian militants, experts say. (Photo by Patrick BAZ / AFP)
ما جرى أن الأمة لم تتحرك الحراك اللازم والمطلوب والمفترض تجاه فلسطين حتى وغزة تباد على مدار الساعة (الفرنسية)

الوقت من دم؛ هو وصف دقيق إلى حد كبير لما يجري في قطاع غزة، فكل ساعة بل كل دقيقة تمر تحمل معها ارتفاعا في عدد الشهداء والجرحى هناك، يضاف إليه زيادة أعداد المشردين الذين تدمر بيوتهم على مدار الساعة بالقصف الجوي والمدفعي.

وهذا بالتزامن مع تصد بطولي وذكي يقوم به شباب المقاومة، وفي مقدمتهم، كتائب القسام، للتوغل الإسرائيلي البرّي ويوقعون خسائر بشرية ومادية في قطاعات الجيش الإسرائيلي، يعلن عن جزء، ويخفي أجزاء ستتكشف لاحقا.

وإنها محرقة وحرب إبادة تشنها إسرائيل على شريط ساحلي ضيق فقير مكتظ بالسكان ومحاصر منذ 16 سنة، والحرب تقترب من شهرها الثالث.

هناك توتر في الجبهة اللبنانية، ولكنه منذ بدأ في الثامن من أكتوبر، تشرين الأول حافظ على قواعد اشتباك صار معلوما حدود تصعيدها، على الأقل حتى كتابة هذه السطور

شبه شلل في العالم والإقليم

كل هذا في ظل حالة شبه ثابتة على المستوى الدولي والإقليمي؛ فلا تظاهرات ولا حراكات ولا مسيرات تذكر في غالبية حواضر العرب، بعكس المدن الغربية والآسيوية، والموقف الرسمي العربي عموما يكرر جملا وعبارات استخدمت في أزمات سابقة، وكأنه التزام بـ(سكريبت) لا يتبدل فيه إلا صياغات زمكانية لا تمس جوهر الموقف.

وهناك توتر في الجبهة اللبنانية، ولكنه منذ بدأ في الثامن من أكتوبر، تشرين الأول حافظ على قواعد اشتباك صار معلوما حدود تصعيدها، على الأقل حتى كتابة هذه السطور، وأحداث في البحر الأحمر يتصدرها الجيش اليمني أو الحوثيون، وأخرى في سورية والعراق، لم تحدث تغيرا دراماتيكيا، في إصرار إسرائيل على مواصلة حربها ضد البشر والحجر في غزة وتكرار نفس الأهداف (القضاء على حماس ومنع تكرار ما جرى في السابع من أكتوبر) واستبطان هدف شبه معلن وهو إجبار الفلسطينيين في القطاع (وحتى في الضفة) على مغادرة وطنهم قسرا.

هذا ملخص عام لما يجري منذ عملية (طوفان الأقصى) التي جسدت ضربة عميقة لإسرائيل لم تشهد لها مثيلا على الصعد السياسية والعسكرية والاستخباراتية والمعنوية.

حماس ستطفئ شمعتها السادسة والثلاثين بعد أيام، وهي الحركة التي تشغل العالم كله هذه الأيام سياسيا وعسكريا وإعلاميا، وهي التي صارت هدفا لإسرائيل وأمريكا والعديد من الدول الغربية، التي تصمها بالتهمة الجاهزة (الإرهاب)، والتي انتهجت خيار مقاومة الاحتلال بما هو متاح

خريطة إسلاميي فلسطين

بيد أن الفكرة التي سأناقشها اليوم، تعود إلى ما يسبق الطوفان، من حيث أصل المقاومة الإسلامية في فلسطين، والتي تصدرها فرع الإخوان المسلمين في فلسطين (حركة المقاومة الإسلامية-حماس) التي انطلقت بعد بضعة أيام من انتفاضة الحجارة في مثل هذه الأيام عام 1987.

فعند النظر إلى المجاميع الإسلامية البارزة في فلسطين، نرى أنها انقسمت إلى ثلاث كتل أو توجهات أو رؤى فيما يخص الاحتلال الإسرائيلي، على النحو التالي:

  1. حزب التحرير الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني المولود في بلدة اجزم قرب حيفا، عام 1953 في القدس، والذي اعتبر أن كل عمل مقاوم في الأرض المحتلة يندرج تحت إطار(الجهاد الفردي) وأن الحل يكمن في تأسيس دولة خلافة إسلامية، تتولى عبر (جيوش الأمة) تحرير فلسطين وأية بقعة من أرضهم يحتلها الغرباء، والحزب حتى اللحظة عبر خطبائه ومنابره الإعلامية، ما زال ينادي بأن تتحرك الجيوش لإنقاذ فلسطين وأهلها، فهو يخاطب الجيوش علنا، بكونها تملك القوة القادرة على التحرير، ولا يكترث كثيرا بمخاطبة عامة الجمهور، بل قبل سنوات وزّع الحزب مواد مطبوعة ومنشورة على الإنترنت تتضمن معلومات عن عدة وعتاد معظم جيوش العرب، مقارنة مع الجيش الإسرائيلي خاتما بسؤال: ماذا تنتظرون؟ باعتبار أن هذه الجيوش وفق المعطيات الواضحة أقوى من جيش إسرائيل، والواجب الديني يحتم عليها التحرك لتحرير فلسطين التي تحتضن بيت المقدس.
  2. حركة الجهاد الإسلامي انطلقت بشكل أو بآخر من داخل الإخوان المسلمين قبل انتفاضة الحجارة، كنوع من التمرد على منهجهم، ورفض لمنهج فصائل م.ت.ف وقد جسّد ذلك شعار د. فتحي الشقاقي-رحمه الله- في وصف الحالة: إسلاميون بلا فلسطين، وفلسطينيون بلا إسلام؛ أي أن الحركات الإسلامية (الإخوان وحزب التحرير خاصة) لا يهتمون كثيرا بقضية فلسطين بانتظار تحوّلات إقليمية خارجها، وفصائل منظمة التحرير لا تعطي البعد الإسلامي للقضية أهميته الكافية التي تليق بها، لما تحمله من قدسية ومركزية، وتأثر الشقاقي ومن معه كثيرا بالثورة الإيرانية، ورأوها نموذجا، فيما اعتبرها الإخوان آنذاك تجربة.
  3. إخوان الضفة والقطاع (حركة حماس) وهم الأكثر تأثيرا وإمكانيات وشعبيتهم وقبولهم في الشارع الفلسطيني أكبر وهذا يظهر في أمور عدة منها أية انتخابات، وهم المنافس أو الخصم السياسي المركزي لحركة (فتح) كبرى فصائل م.ت.ف والعمود الفقري للسلطة التي تأسست بعد اتفاق أوسلو؛ وحماس ستطفئ شمعتها السادسة والثلاثين بعد أيام، وهي الحركة التي تشغل العالم كله هذه الأيام سياسيا وعسكريا وإعلاميا، وهي التي صارت هدفا لإسرائيل وأمريكا والعديد من الدول الغربية، التي تصمها بالتهمة الجاهزة (الإرهاب)، والتي انتهجت خيار مقاومة الاحتلال بما هو متاح، وهدفها تحرير كل فلسطين، لا بناء دولة تعاقدية على حدود 67.

لو بدأنا بفروع الإخوان المسلمين في المحيط والذين تجمعهم بحماس الفكرة والمنشأ والمرامي البعيدة؛ لوجدنا أنهم بين محاصر مقموع، وعاجز أو مهادن، أما النظم الرسمية فنعرف حالها، وأما الجماهير المليونية، فهي تحتاج إلى تنظيم وتأطير

تحريك الأمة

وحقيقة تدرك حماس أن هذا الهدف (تحرير كل فلسطين) وحتى ما دونه (تحرير القدس) أكبر وأعظم من قدراتها وإمكانياتها التي تطورت وتعاظمت من الناحية العسكرية في قطاع غزة، الذي ساهمت بدحر الاحتلال عنه في 2005 مساهمة كبيرة جدا، والذي يشكّل 1% من مساحة فلسطين الانتدابية، بل فوق طاقة كل شعب فلسطين في الوطن والشتات.

وإنها كي تحقق الهدف تحتاج إلى مشاركة فعالة وحيوية من أمة المسلمين عموما والعرب خصوصا، وأنها تمثل (صاعق تفجير) عبر مقاومتها المستمرة لطاقات الأمة باتجاه استرداد القدس والمسجد الأقصى، وهي في خطابها تحاول استنفار المستويات الرسمية والشعبية في محيطها، أي تسعى لإيقاظ الأمة، حتى وإن كانت لا تقول هذا صراحة معظم الوقت.

ولكن ما جرى أن الأمة لم تتحرك الحراك اللازم والمطلوب والمفترض تجاه فلسطين، حتى وغزة تباد على مدار الساعة، ولم تنقلب المعادلة الجامدة في خيار المحيط العربي في مواجهة إسرائيل، والقائم على المساومة، بل في السنوات الأخيرة انتقل جزء من النظام العربي الرسمي، إلى التطبيع الملامس للتحالف مع إسرائيل، وتبنى جزء من العرب سردية إسرائيل لأصل الصراع وأسبابه.

فلو بدأنا بفروع الإخوان المسلمين في المحيط والذين تجمعهم بحماس الفكرة والمنشأ والمرامي البعيدة؛ لوجدنا أنهم بين محاصر مقموع، وعاجز أو مهادن، أما النظم الرسمية فنعرف حالها، وأما الجماهير المليونية، فهي تحتاج إلى تنظيم وتأطير، والثورات المضادة، وطول العهد بالاستبداد استطاع تطويعها أو احتواء غضبها.

المسألة معقدة جدا، ولا بد من وضع الإصبع على مكمن الخلل، وهو ما سأحاوله في حديث لاحق بإذن الله تعالى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.