فيلم "يوميات شارع جبرائيل".. حينما شارك العالم كله معاناة الحصار الفلسطيني

فيلم "يوميات شارع جبرائيل" تجربة ذاتية للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي (مواقع التواصل)

وثّق المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي تجربته الذاتية خلال فترة الحصار التي فرضتها جائحة كورونا، وذلك باستخدام كاميرا الهاتف.

في باريس وبالتحديد في شارع جبرائيل الذي يعيش فيه قدّم مشهراوي تجربة إنسانية كمخرج ومنتج ومصور ومونتير أيضا، فيمكن القول إن الفيلم -الذي شارك ضمن مسابقة آفاق السينما العربية بالدورة الـ43 لمهرجان القاهرة السينمائي- استطاع المخرج الفلسطيني بتكلفة قليلة للغاية أن يوثق من خلاله تجربة مختلفة وإنسانية، ليؤكد أن الإبداع ليس بالأمر الصعب.

عناصر متكاملة بتكلفة قليلة

قام مشهراوي بكافة تفاصيل الفيلم، وقال في تصريحاته -على هامش الندوة التي أعقبت عرض الفيلم في مهرجان القاهرة- إنه لم يكن هناك سيناريو واضح في البداية، وكان يعتمد على التصوير بهاتف يمتلكه فقط، وهو ما يضيف ثراء إبداعيا للفكرة التي تعتمد على توثيق وتسجيل يوميات خاصة به، فاستخدام كاميرا الهاتف لم يقلل جماليات الصورة في الفيلم التي تعتبر من العناصر المميزة في "يوميات شارع جبرائيل".

قدّم مشهراوي عناصر الفيلم المتكاملة، سواء المونتاج الذي قام به على حاسوبه الشخصي، أو السيناريو بالمشاهد المتدفقة الثرية، حيث اختار الشخصيات التي قدمها بعناية دقيقة ليوضح الأزمة التي طالت العالم بالحصار بسبب "كوفيد-19″، وكيف أثرت في الحياة الإنسانية، مع مقارنة ذلك بطريقة ساخرة بالوضع الفلسطيني.

فيلم فلسطيني في فرنسا

استغل مشهراوي الوضع الذي فرضه عليه فيروس كورونا مع قيام فرنسا بإغلاق حدودها ونشر الشرطة في الشوارع، فأصبح مع سكان شارع جبرائيل محاصرين في حي مونتمارتر في العاصمة الفرنسية باريس، ليقارن ذلك بالحصار الذي يعيشه الفلسطينيون كل يوم في بلدهم، ليصبح العالم كله مشاركا الفلسطينيين تلك المعاناة، وهو ما عبر عنه بجملة "فجأة نصبح كلنا واحد، وبسبب الفيروس".

غير أنه حين ينتهي الإغلاق كل العالقين سيعودون إلى الوطن، "فالوطن يلزم أحيانا" كما علق مشهراوي بصوته في "يوميات شارع جبرائيل"، معبرا عن السنوات الطويلة من معاناة الشعب الفلسطيني دون أي نهاية، وعلى الرغم من تصوير الفيلم بالكامل في شارع جبرائيل بفرنسا فإنه يعتبر تجربة فلسطينية خالصة.

المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي (مواقع التواصل)

دمج ومقارنة

مقارنة ذكية لمشهراوي ربطها بدمج مشاهد لأفلامه السابقة في فلسطين، مما أضاف بعدا زمنيا مختلفا إلى الفيلم، مثل مشاهد سيارات الشرطة في شوارع باريس، وقيود التنقل التي فرضت، وبين مشاهد حظر التجول في فلسطين، وعبر عنها بجملة "حظر التجول في باريس 5 نجوم مقارنة بحظر التجول في فلسطين"، فبينما في باريس يستلزم الأمر تقديم طلب إلى السلطة المحلية لتوضيح سبب الخروج هناك معاناة يعيشها الفلسطينيون على أرضهم للحصول على تصاريح المرور عبر الحواجز الأمنية.

مقارنة ذكية أخرى قدمها مشهراوي حين بدأ يوثق ارتداء الكمامات بعد فترة من انتشار الوباء وبين استخدام الكوفية الفلسطينية، ليس فقط للوقاية من القنابل المدمعة، ولكن أيضا هي وسيلة الفلسطينيين للتخفي من الجيش الإسرائيلي تجنبا للاعتقالات.

الملصق الدعائي لفيلم "يوميات شارع جبرائيل" (مواقع التواصل)

من الذاتية إلى الثقافات المختلفة

62 دقيقة فقط مدة الفيلم، إلا أن مشهراوي بجانب توثيق تجربته الذاتية قدّم جيرانه الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، سواء جاره الذي جاء للبحث عن فرصة عمل تاركا زوجته في المغرب، إلا أنه قرر العودة إلى وطنه بمجرد فك الحصار، وجاره اليوناني الذي يعيش مع صديقته الإسبانية، وجارته "بوليت" (95 عاما) التي ينصحها الطبيب بالمشي يوميا لتعيش، فيصبح مشوارها علاجها اليومي هو طريقها إلى محل البقالة أمام البناية التي يعيشون فيها حتى تصاب بكورونا وترحل دون وداع بسبب الوباء، فيما قرر أن يهدي الفيلم إلى روحها تعبيرا عن محبته لها.

ويوثق مشهراوي في الفيلم -الذي استمر تصويره 18 شهرا- كيف تطورت الشخصيات مع اختلاف الثقافات والأعمار، بسبب الحصار الذي فرضه كورونا، وكيف أثر على حياتهم وقرارتهم، ليخرج الفيلم من ذاتية المخرج الفلسطيني الذي قرر أن يوثق تجربته الإنسانية، ليقدم تجربة أشمل من خلال التفاعل بينه وبين جيرانه في البناية التي يسكنها.

الحلم

هذا الشمول الإنساني في الفيلم والتجربة الذاتية الخالصة لمخرج فلسطيني عالق في باريس -وتحديد في شارع جبرائيل- كشف مشهراوي من خلالهما عن معاناة الفلسطينيين الذين سُلب منهم وطنهم وهويتهم، لكنه أيضا يؤكد على أن الاحتلال لم يسلب منهم روح الإبداع والحلم.

المصدر : مواقع إلكترونية