كيف يؤدي الإهمال العاطفي في الطفولة إلى ارتكاب الأخطاء مستقبلا؟

الإهمال العاطفي للطفل هو شكل من أشكال سوء المعاملة النفسية- (بيكسلز)
الإهمال العاطفي للطفل شكل من أشكال سوء المعاملة النفسية (بيكسلز)

عمّان- عندما يهمل الوالدان طفلهما عاطفيا، ينشأ وهو مقتنع بأن مشاعره لا تهمّ، لأنه افتقد اهتمام أبويه بأحاسيسه في اللحظات التي كان يحتاج فيها إلى دفء تعاطفهما معه، ومن شأن ذلك أن يؤثر -بشكل مباشر- في شخصيته وسلوكياته مستقبلا.

ما الإهمال العاطفي للطفل؟

تعرّف المتخصصة النفسية الدكتورة جنا زعبلاوي الإهمال العاطفي للطفل بأنه فشل الوالدين في تلبية حاجات طفلهما العاطفية خلال السنوات الأولى، وتقول إن الإهمال العاطفي "ينطوي على تفاعلات عاطفية محدودة بين الأبوين والطفل. وهو شكل من أشكال سوء المعاملة النفسية، ويُعد من أكثر أنواع إساءة معاملة الأطفال انتشارا".

وتشرح أن "هذا يحدث أيضا عندما يعرّض الوالد أو مقدّم الرعاية الأساسي الطفل للعنف المنزلي الشديد، أو يرفض طلب العلاج لمشكلات الطفل العاطفية، أو لا يوفر له البيئة المناسبة للنمو والتطور السليم".

وأظهرت دراسات عدة أن الإهمال العاطفي قد يكون له تأثير سلبي أكبر على الصحة العقلية، مقارنة بجميع أنواع سوء المعاملة في مرحلة الطفولة، ويرتبط بالنتائج الجسدية والنفسية والتعليمية المضرّة، وفق زعبلاوي، مشيرة إلى أن ذلك يؤدي إلى زيادة اضطراب السلوك الداخلي والخارجي للطفل، فضلا عن تأخر نموه المعرفي والعاطفي.

وتضيف "عندما يدرك الطفل أنه يتم إهماله عاطفيا، فمن المرجح أن يصاب باضطرابات نفسية بمقدار الضعف مع بلوغه سن الخامسة عشرة، بما في ذلك تطوّر الاكتئاب والاضطراب الثنائي القطب، والقلق، واضطراب الهلع، والرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة".

1-اختصاصية الطب النفسي جنا زعبلاوي- (الجزيرة)
الدكتورة جنا زعبلاوي: الإهمال العاطفي يؤدي إلى اضطراب سلوك الطفل وتأخر نموه المعرفي والعاطفي (الجزيرة)

 

أعراض الإهمال العاطفي

وعلى عكس الإهمال الجسدي أو الإساءة، لا تؤدي الأبوة المهملة إلى ظهور علامات خارجية، مثل الكدمات أو الإصابات. وتوضح زعبلاوي أن أعراض الإهمال العاطفي عند الطفل خفيّة، على الرغم من الاختلافات الفردية، إذ يميل الأشخاص المُهمَلون إلى إظهار أنماط سلوكية معينة.

أما علامات الإهمال العاطفي للطفل، فتظهر على النحو التالي:

  • نمط التعلق المتجنّب غير الآمن، والتعلق غير المنظّم، وفي الحالات القصوى اضطراب التعلّق.
  • إظهار أنماط السلوك السلبي والمنسحب والعدواني مع الوالدين.
  • تأخر نمو الطفل وتطوّره.
  • السلبية أثناء التفاعلات بين الوالدين والطفل، والغضب تجاه الوالد.
  • التفاعل الاجتماعي الأقل إيجابية بشكل ملحوظ.
  • التأخّر في تطوير اللغة.
  • تجنب التفاعل مع الأطفال الآخرين.
  • الصعوبة في نسج صداقات.
  • مشكلات سلوكية، بما فيها أعراض اضطراب السلوك.

ما عواقب الإهمال العاطفي للطفل؟

وعليه، ترى زعبلاوي أن عواقب الإهمال العاطفي للطفل تكون وخيمة عندما يكبر. وتقول: "كل شخص تجربة وحياة مختلفة، فلا نستطيع أن نحدد المتضررين من الإهمال العاطفي كبالغين الآن بمجموعة واحدة".

وبالتالي، يفضَّل مراجعة طبيب نفسي للتقييم الكامل والمساعدة بعد التشخيص. وبحسب التشخيص يتم وضع خطة علاجية، وعادة ما تكون دوائية ونفسية (جلسات نفسية) للمساعدة على تخطي آثار الإهمال العاطفي منذ الطفولة، لمساعدته في تحسين نوعية حياته وعلاقاته وتحسّن وضعه النفسي والصحي، بحسب زعبلاوي.

الجلسات النفسية تساعد الفرد على تخطي آثار الإهمال العاطفي منذ الطفولة-(بيكسلز)
الجلسات النفسية تساعد الفرد على تخطي آثار الإهمال العاطفي منذ الطفولة (بيكسلز)

الدفق العاطفي المركز

يقول المستشار الأسري والتربوي الدكتور منير عقل إن إهمال الطفل عاطفيا في بيته أو مدرسته أو محيطه الذي نشأ فيه، سيجعله يتعلق بكل من يمنحه الحنان والعاطفة. وهنا يكمن الخطر، فقد يتلقى الطفل أسلوب حياته وربما معتقداته ومفاهيمه وطريقة تذوقه وحديثه ولغته من أشخاص أو جهات غير الأبوين، وفق المستشار عقل.

أما إستراتيجية معالجة الآثار السلبية للإهمال العاطفي، فتكمن في الدفق العاطفي المركّز والحنان الموجّه إلى الطفل من الوالدين، ولا سيما الأم التي إذا ضمّته وقبّلته وابتسمت له ورعته، انتعشت أساريره واطمأن قلبه، "لذا، نجد الأطفال والفتيان الذين ترعاهم أمهاتهم وتهتم بتربيهم وتمنحهم من وقتها القسط الأكبر، هم الذين يتوافر لديهم القدر الكافي من الاتزان والاطمئنان والانسجام مع محيطهم"، بحسب عقل.

ويشرح أنه "يجب ألا يقل احتضان الطفل عن 7 مرات يوميا، ولا سيما احتضان البنت من الأب واحتضان الابن من الأم، لأنه ثبت علميا أن الاحتضان والعناق يساهم في زيادة إفراز هرمون الحب (الأوكسيتوسين)، فأجسامنا تنتجه عادة عندما نشعر بمشاعر الحب. ولذلك أطلق عليه اسم "هرمون الحب" أو "هرمون العناق"، إذ يساعدنا على توثيق الارتباط بأطفالنا وأحبابنا، ويعزّز مشاعر الرضا والأمان والثقة تجاه الذين نهتم بهم بالفعل".

المستشار الأسري الدكتور منير عقل
الدكتور منير عقل: على الآباء والأمهات دمج أطفالهم في التجارب الاجتماعية الطبيعية لتكوين صداقات (الجزيرة)

دمج الطفل بالتجارب الاجتماعية

ويضيف المستشار عقل أن "من المعالجات السلوكية التي يجب على الآباء والأمهات القيام بها، العمل على دمج أطفالهم في التجارب الاجتماعية الطبيعية، مما يمكّنهم من تكوين صداقات، لأن عزلهم سيضر بنموهم المعرفي والعاطفي والاجتماعي، كما أن إشغال الأطفال بأعمال جسدية تعطيهم الإحساس بأنهم مفيدون وأنه يمكن الاعتماد عليهم".

ويُنصَح المستشار باعتماد الحوار والنقاش الهادئ والبنّاء بين أفراد الأسرة، لأنه يولّد المشاعر الإيجابية عند الأطفال والمراهقين ويمنحهم مزيدا من الطمأنينة، كما أن أخذ آرائهم واستشارتهم والاستماع إليهم.. سيزيد من ثقتهم بأنفسهم ويصقل شخصياتهم. مؤكدا أن من شأن هذه المعالجات أن تؤدي إلى إعادة إنتاج شخصية متوازنة ومستقرة داخليا، تساعد الطفل والمراهق على أن يتعامل مع الآخرين بطريقة سوية، ويحسّن الظن بالمجتمع ويبعد عن الأساليب الخاطئة في الحياة.

الإهمال العاطفي للطفل وأخطاء الحياة

نشر موقع "سيكولوجي توداي" (psychologytoday) تقريرا عدَّدَ الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الفرد مستقبلاً في حال كان يعاني من الإهمال العاطفي في الطفولة، ومنها:

  • أن تصنّف نفسك على أنك من ذوي العيوب: قد تشعر بأن الأشخاص من حولك لديهم بعض الصفات التي تفتقر إليها، وربما تشعر بالحيرة عندما ترى الآخرين متحمّسين للغاية أو مبتهجين أو واثقين من خطواتهم. وبالتالي، فإن الخطأ الذي ترتكبه دائماً أنك تميل إلى إبقاء الآخرين على مسافة منك حتى لا يروا عيوبك.
  • تشعر بالمسؤولية تجاه الآخرين: وذلك لأنك تتمسّك بالمشاعر وتتشبّث بها، ولأنك لا تستمع إلى مشاعرك، فإنك تصبح متناغماً بشكل خاص مع مشاعر الآخرين، ولا تولي اهتماماً لما تشعر به وتريده وتحتاجه.
  • تجبر نفسك على إغفال حاجاتك: إذ تعتقد اعتقادا راسخا بأنه يمكنك -بل يجب عليك- فعل كل شيء بمفردك، وتشعر بالضعف عند طلب المساعدة، ونادرا ما تعبّر عن رغباتك وحاجاتك عندما يكون ذلك في مصلحتك.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية