رغم معارضة الأزهر.. لماذا تصر الحكومة المصرية على إقرار "توثيق الطلاق"؟

divorce
اللجنة المكلفة بوضع مشروع القانون الجديد أضافت بندًا يتعلق بتوثيق الطلاق على غرار توثيق الزواج استجابة لطلب الرئيس (شترستوك)

القاهرة – سجال واسع تشهده مصر هذه الأيام، إثر الخلاف الفقهي القانوني بين الحكومة المصرية ومؤسسة الأزهر الشريف بشأن قضية توثيق الطلاق.

ويقول خبراء قانونيون ورجال دين مصريون إن تمسك الحكومة بتمرير قانون "توثيق الطلاق" يعكس محاولة فرض رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي "حتى في الأمور التي تناقض الشرع والدستور وإسكات كل صوت يخالفه"، بينما يرى آخرون أن "المسألة لا تتعدى كونها محاولة لحماية الأسرة المصرية".

فعلى الرغم من رفض هيئة كبار العلماء فكرة عدم الاعتداد بالطلاق الشفوي، التي طرحها السيسي عام 2017، وتأكيدها أنها مخالفة للإجماع، فقد أكد الرئيس المصري أخيرًا أن الحكومة تواصل العمل على إقرار توثيق الطلاق "حتى لو كان هذا الأمر سيغضب البعض".

وسبق أن شهدت مصر سجالًا بسبب تصدّي هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للفكرة التي يواصل السيسي دفع الحكومة والبرلمان نحو تقنينها، بداعي أنها نابعة من حرصه على سلامة الأسرة واستقرارها ومصالح الأطفال.

وخلال احتفالية يوم المرأة المصرية، قال السيسي إن الحكومة تعكف على وضع القانون لعرضه على البرلمان "لأن الضرورة الواقعية تقتضي إزالة ما هو أكثر ضررًا"، لكنه أشار أيضًا إلى أن مشروع القانون سيخضع لحوار مجتمعي لضمان إعداده إعدادا موضوعيا ومتوازنا.

الأزهر لم يرد

عندما ثار الجدل بشأن عدم وقوع الطلاق الشفوي، كان أصل الخلاف أنها فكرة تخالف ما استقر عليه إجماع العلماء، بل ما كان معمولًا به في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أوضحت هيئة كبار العلماء في بيانها آنذاك.

ولم يصدر موقف رسمي من الهيئة بعد التصريح الأخير للسيسي بشأن العمل على إنجاز القانون، لكنها أكدت في السابق أنها استقرت بشكل نهائي على وقوع الطلاق الشفهي بإجماع المذاهب كافة، وقالت إن كل الأرقام الرسمية التي يستند إليها الرئيس هي في الأصل حالات موثقة وليست شفهية.

أهمية "توصيف الطلاق"

الدكتور حمادة شعبان عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر قال إن تحديد الموقف الشرعي من هذا القانون يعود إلى هيئة كبار العلماء، كونها المخوّلة بالتعامل مع هذه الأمور، لكنه رأى -في حديثه إلى الجزيرة نت- أن الأمر من وجهة نظر الحكومة ربما ينطوي على محاولة لحل بعض المشكلات الأسرية.

ورأى شعبان أن توصيف الطلاق مسألة شديدة الأهمية، لأن الطلاق الشفهي من دون توثيق يمنع المرأة من الزواج ويجعلها رهينة إثبات كونها مطلقة، فضلًا عن مسائل أخرى تتعلق بحق الرجل في ردّها خلال فترة العدّة، أو حقها في الزواج بآخر، وهو ما قد يوقعها تحت طائلة القانون أحيانًا.

وأشار إلى أن العصر الحديث يستوجب توثيق كل شيء حفاظًا على الحقوق وعلى الأسرة، معتبرا أن حديث مفتي البلاد عن تلقي نحو 300 ألف سؤال بشأن وقوع الطلاق يؤكد أن التلفظ بالكلمة غالبًا ما يكون من دون قصد أو رغبة جادة وقتئذ.

وكشف مفتي الجمهورية شوقي علام عن تلقي دار الإفتاء 300 ألف طلب فتوى عن حالات الطلاق في السنوات الخمس الأخيرة، لم يُبت سوى بوقوع حالتين منها فقط، مطالبًا بضرورة توثيق الطلاق.

الرئيس المصري أكد أن الحكومة تواصل العمل على إقرار توثيق الطلاق "حتى لو كان هذا الأمر سيغضب البعض" (الفرنسية)

تقنين ما يريده الرئيس

المحامي المتخصص في قضايا الأسرة محمد صلاح قال إن الأمر برمّته "يعود إلى رغبة الحكومة في تقنين ما يريده الرئيس، وإن كان مخالفًا للشريعة"، مضيفا -في حديث للجزيرة نت- أن "عدم توثيق الطلاق لا يعني عدم وقوعه، والأصل في هذه المسائل أن تكون الكلمة الأخيرة للأزهر".

ورأى صلاح أن هذا القانون "سيفتح الباب أمام التلاعب بشرعية الحياة الزوجية، لأن الله الذي شرّع وقوع الطلاق الشفوي أدرى بمصلحة الأسرة من رئيس البلاد الذي يصر على التصادم مع الشريعة لأسباب غير مفهومة".

وأردف "حتى الطعن بالقانون أمام المحكمة الدستورية لن يُقبل غالبًا، لأن المحكمة كثيرًا ما أقرّت ما أراده الرئيس ورفضت ما رفضه، بينما المسألة ستظل شرعية بالدرجة الأولى ويفترض أن يكون مرجعها الأزهر".

وتساءل صلاح: "ما موقف الزوجة التي طلقها زوجها شفاها من دون توثيق ويريد أن يطلبها إلى فراش الزوجية؟ أين حقها في التمسّك بعدم حقه في مساسها، التزامًا بالشرع إذا كان القانون يتعامل معها أنها زوجة له؟".

وخلص المحامي إلى أن "صدور القانون في شكله النهائي سيحسم الجدل بشأن مخالفته للشرع من عدمه، لأنه ربما يعالج المخاوف التي تثيرها الأحاديث الحالية عن شكل القانون".

شيخ الأزهر هو المستهدف

في المقابل، رأى الدكتور محمد الصغير، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومستشار وزير الأوقاف السابق، أن "كسر شيخ الأزهر هو أساس تمسّك الحكومة بتمرير هذا القانون الذي يوازي ما قام به الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عندما منع الصيام من أجل زيادة الإنتاج في عام 1962".

وأضاف الصغير -في حديثه للجزيرة نت- أن "السيسي يحاول أن يظهر أنه مجدّد في كل شيء، ويرفض فكرة أن يتصدى الأزهر لرؤية طرحها هو، ولذا فإن الأمر هنا يتعلق تحديدًا برغبته في كسر شوكة الدكتور أحمد الطيب الذي لا يغرّد ضد الرئيس، لكنه أيضًا لا يغرّد معه، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بصحيح الدين".

وقال الصغير إن القانون سيؤدي إلى مشكلات لا حصر لها، لا سيما في ما يتعلق بشرعية معاشرة الزوجين بعد وقوع الطلاق شفيها من دون توثيقه، وأيضًا في شأن الميراث؛ وهي مسألة شرعية راسخة، ومعروف أن الطلاق يخرج الزوج والزوجة من الوارثين قولًا واحدًا.

divorce
مؤيدو مشروع القانون يرون أن الطلاق دون توثيق يمنع المرأة من الزواج ويجعلها رهينة إثبات كونها مطلقة (شترستوك)

قانون برعاية الرئيس

وتعكف الحكومة المصرية منذ مدة على إعداد قانون للأسرة يتضمن أمورًا من بينها تأسيس صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين لدعمها ماليا عند وقوع خلاف بين الزوج والزوجة. وتقول الحكومة إن القانون الجديد سيحل بدلًا من 6 قوانين قديمة.

وقال عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصري إيهاب رمزي -لشبكة "سي إن إن" (CNN) الأميركية- إن الهدف من قانون الأحوال الشخصية الجديد تحقيق التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة، والحد من حالات الطلاق عبر توثيقه، وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدًا أنه يتماشى مع الشريعة الإسلامية.

وكانت اللجنة المكلفة بوضع مشروع القانون الجديد أضافت بندًا يتعلق بتوثيق الطلاق على غرار توثيق الزواج، استجابة لطلب الرئيس، وهو بند يعفي الزوجة من أي ترتيبات تترتب على الطلاق قبل إبلاغها به رسميا.

وفي فبراير/شباط 2021 سحبت الحكومة مشروع قانون الأسرة بسبب تصدي شيخ الأزهر لكثير من مواده، خصوصًا ما يتعلق بتنظيم الخطبة، وعقد الزواج وآثاره وأحكامه، والطلاق والنفقة والحضانة.

وينص الدستور المصري على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الرئيسي، ويمنح الأزهر حق الإشراف على كل جوانب التشريع بصفته المرجع الأساسي للعلوم الدينية والشؤون الإسلامية في مصر والعالم.

المصدر : الجزيرة