بالتقاليد الجماعية.. مغربيات يتحايلن على الغلاء للتحضير لشهر رمضان
الرباط – لا يكاد المار يطأ أزقة الأحياء الشعبية في المدن المغربية هذه الأيام حتى تداهمه روائح نفاذة يتبين منها الدقيق المحمص واللوز المجروش والشمر واليانسون والسمسم وغيرها، وهي روائح تعكس جزءا من مشهد سنوي لاستعدادات الأسر لاستقبال رمضان، وهو شهر عزيز يحظى بمكانة خاصة لدى الكبار والصغار.
وعلى الرغم من حالة الغلاء التي تشهدها المملكة المغربية -والتي شملت جميع المواد ولا سيما الغذائية منها- فإن الأسر تحرص على استقبال شهر رمضان وفق الطقوس المتوارثة عن الأجداد، فالأزمة -حسب المغربي- عابرة، لكن التقاليد لا تفريط فيها.
تقاسم واقتصاد
تتقاسم السيدة فاطمة المزكلدي وبناتها المهام لإعداد طبق "سلو" (السفوف) الشهير والمرتبط بشهر رمضان الفضيل، تقشر إحداهن اللوز المسلوق، فيما تطحن الأخرى السمسم المحمص، أما الأم فتراقب الفرن حيث يستوي الدقيق.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsالمصريون يستعدون لرمضان.. الزينة قبل “الياميش” أحيانا
خصصت نساء هذه العائلة نهاية الأسبوع لإعداد طبق "سلو"، فيما سيكون اجتماعهن الأسبوع المقبل لإعداد حلوى الشباكية.
تقول فاطمة للجزيرة نت "بدلا من أن تعد كل واحدة من سيدات العائلة أطباق رمضان لوحدها اتفقنا على تقسيم قيمة المكونات اللازمة وإعدادها جماعة".
ويعد سلو والشباكية والمحنشة والمقروط وبريوات اللوز من الأطباق المرتبطة بالموائد الرمضانية، ويتم تجهيزها وحفظها في شهر شعبان، وتستغرق هذه الحلويات والأطباق وقتا لإعداد كميات كبيرة منها يتم استهلاكها طوال رمضان، وأيضا خلال عيد الفطر.
دأبت مريم (ابنة فاطمة) على شراء حلويات وأطباق رمضان من سيدات محترفات في هذا المجال، فهي لا تجد الوقت الكافي بسبب انشغالها في وظيفتها وشؤون البيت وتربية الأطفال.
وتقول للجزيرة نت إن رمضان في الذاكرة الشعبية المغربية مرتبط بالكثير من الطقوس والتجهيزات التي تشرف عليها النساء.
وتضيف "أفكر في بعض الأحيان بأن أتخلى عن بعض هذه الطقوس، لكنني لا أستطيع، وأجد نفسي أقوم بما اعتدت عليه سنويا، هذه الطقوس تجعلني أحس بأن رمضان شهر مختلف ومميز عن بقية الشهور، ففيه نصوم ونصلي التراويح في المساجد ونجتمع عائليا، وأيضا لا نفرط في الأطباق الخاصة بهذا الشهر والملابس التقليدية بأنواعها".
وبسبب موجة الغلاء التي طالت كل المواد قررت مريم هذا العام البحث عن حل يناسب وضع أسرتها المالي، فاشتركت مع أمها وشقيقتها في إعداد لوازم رمضان.
وتشرح ذلك قائلة "3 كيلوغرامات من السلو كانت ستكلفني بين 45 و60 دولارا إن اشتريتها من المحال التجارية، لكن باشتراكي مع أمي وشقيقتي في شراء اللوازم والإعداد كلفتني الكمية ذاتها نحو 18 دولارا".
وتضيف بابتسامة المنتصر "إنها طريقتي في التحايل على غلاء المعيشة".
التقليل من النفقات
وبالنسبة إلى رحمة عاطر فإن لها طريقة أخرى في التعامل مع موجة الغلاء، إذ اعتادت على تجهيز كل ما يلزمها بالاعتماد على نفسها ومهاراتها في المطبخ، وهو ما فعلته هذا العام أيضا.
تقول رحمة للجزيرة نت "كنت في السنوات الماضية أعد كمية كبيرة من كل نوع من حلويات رمضان، أما هذا العام فقررت تقليص الكمية وتعاملت بنوع من الاقتصاد حتى لا نفرط بأجواء شهر رمضان، ونستهلك القدر الذي نحتاج إليه فقط".
وبينما تستعد بعض المغربيات لرمضان بإعداد الحلويات والأكلات التقليدية في المنزل تفضل أخريات اللجوء إلى محال متخصصة في هذه المنتجات.
بشرى مكاوي (صاحبة محل مختص ببيع الحلويات والفطائر وسلو وكل ما يتعلق برمضان) لها زبونات تعودن على منتجاتها لسنوات.
تأثر مشروع بشرى بغلاء الأسعار، وتحكي بأسف وخيبة كيف أن الغلاء لحق بكل المواد، وتعدد في حديثها للجزيرة نت قيمة الزيادات بين شعبان العام الماضي وهذه الفترة، لتخلص إلى أن كل شيء تضاعف.
لم تستطع هذه السيدة رفع أسعار منتجاتها بشكل يتناسب مع الزيادات التي شملت كل المكونات التي تحتاج إليها في صناعتها، مما قلص هامش الربح الذي انخفض بشكل كبير، فقررت إضافة بين نصف دولار ودولار في الكيلوغرام من كل منتج حتى لا تفقد زبائنها.
وبالنسبة لبشرى فإن جميع الطبقات الاجتماعية تأثرت بأزمة الغلاء، وهو ما تلاحظه من خلال تعاملها مع زبائن أوفياء، فهؤلاء لم يتخلوا عن اقتناء منتجاتها الرمضانية، لكن مشترياتهم انخفضت مقارنة بالسنوات الماضية.
وتوضح قائلة "بعض زبائني كانوا يشترون مثلا 7 كيلوغرامات من حلوى الشباكية، الآن يكتفون بـ3 كيلوغرامات فقط".
الطقوس جزء من هوية
بدوره، يؤكد الدكتور علي الشعباني الباحث في علم الاجتماع حرص الأسر المغربية على ممارسة التقاليد والطقوس المرتبطة بالمناسبات الدينية عموما، خصوصا رمضان وعيدي الفطر والأضحى وعاشوراء، سواء في ما يتعلق بالأكلات والحلويات والمقتنيات واللباس.
ويوضح الشعباني في حديثه للجزيرة نت أن الأسر تجد في التعلق والتمسك بتلك الطقوس وإحياء التقاليد نوعا من تحقيق الذات.
ويضيف "وكأن هؤلاء يريدون أن يتميزوا عن سواهم عبر إحياء التقاليد العريقة".
وينظر المغاربة -وفق الشعباني- إلى كل تلك الممارسات بوصفها تراثا ورثوه عن أجدادهم، سواء في شقه المادي أو المعنوي، لذلك يصرون على الحفاظ عليه والافتخار به واعتباره جزءا من هويتهم.
ويضيف "على الرغم من أن الأمر يتعلق بأكلات ولباس ومقتنيات مادية فإن المغربي يعتبرها جزءا من شخصيته وهويته، إن تخلى عنها فكأنه تخلى عن هذه الهوية".
ويشير إلى أن هذا الحرص والتعلق بالطقوس والتقاليد لا يخفت في الأزمات الاقتصادية، بل يستمر بشكل ما، إما بالتقليل من حجم الإنفاق أو الاحتفال بشكل رمزي، لكن لا يتم التخلي عنها بالمطلق.