لماذا تتبرع النساء بأعضائهن أكثر من الرجال؟

اعتمادًا على تحليل معدلات التبرّع في أوروبا، فإن أكثر من ثلث النساء اللواتي يعاني أزواجهن من الفشل الكلوي تبرّعن بإحدى الكليتين لأزواجهن (بيكسابي)

على الرغم من أن أول عملية زرع كلية ناجحة كانت من متبرّع رجل لامرأة عام 1950، فإن الباحثين والأطباء المتخصصين في زراعة الكلى حول العالم لاحظوا أن غالبية المتبرّعين اليوم بهذا العضو الحيوي من الجسد ينتمون إلى "الجنس اللطيف".

وتشكل النساء 58% من المتبرعين الأحياء بالكلى، فيما يشكل الرجال 42% منهم. وتتسع الفجوة في الولايات المتحدة حيث تمثل النساء 63%، مقابل 37% من الرجال.

وتشير بيانات عالمية رسمية إلى أن 6 من بين كل 10 متبرّعين بالكلى نساء، بينما هناك 6 من كل 10 متلقين للكلى رجال، فلماذا نجد النساء أكثر استعدادًا للتبرع بأعضائهن وما دوافعهن لذلك؟

زوجة ورحمة

تقول رنا منصور، سيدة لبنانية تبرّعت بإحدى كليتها لزوجها الشاب، وهي أم لولدين، إنها فور علمها بمرض زوجها (تكيّسات الكلى) لم تتردّد في إجراء الفحوص الطبية اللازمة واتخاذ القرار بالتبرّع له بكليتها.

تقول رنا للجزيرة نت "لم يكن أمامي سوى هذا الخيار إنقاذًا لحياة زوجي من جهة، وحتى لا يعيش ولداي يتيمين من جهة أخرى، فضلا عن معرفتي عن حجم المعاناة الكبيرة لمرضى غسيل الكلى، وأثر ذلك على المريض وعائلته".

تعيش رنا اليوم حياة طبيعية مع عائلتها الصغيرة، وتؤكد أنها غير نادمة على ذلك القرار، "فأنا شريكة حياة زوجي، والعلاقة الزوجية أساسها المودة والرحمة"، وفق تعبيرها.

الأم أول المتبرّعين

تعد غريزة العطاء والإيثار عند الأم، ولو على حساب جسدها، أحد الأسباب الرئيسة للتبرع بالكلى. وهذا ما فعلته أماني محمود، من صعيد مصر، عندما أصيبت ابنتها بمرض الكلى، وهي في العاشرة من عمرها، واضطرت إلى جلسات الغسيل 3 مرات أسبوعيا.

وبعد مرور أكثر من 8 سنوات على إجراء العملية، تؤكد أماني للجزيرة نت عدم ندمها لحظة على قرارها، وتقول "لو عاد بي الزمن ثانية إلى الوراء، سأتبرع بكليتي مجددا لفلذة كبدي".

أسباب اجتماعية وبيولوجية

تعزو الدكتورة أديرا ليفن، أستاذ الطب في جامعة كولومبيا البريطانية، تفوّق النساء على الرجال في مجال التبرع بالكلى إلى عوامل ثقافية، فالمجتمع يتوقع دائما من المرأة أن تبادر بالتبرع لأطفالها أو أحد أفراد أسرتها، انطلاقا من غريزة الأمومة، بحسب موقع "سي تي في نيوز" (CTV news) الكندي.

وتقول إن هناك، أيضا، عوامل اقتصادية تجعل الرجل يحجم عن التبرّع، باعتباره المعيل الأساسي للأسرة، وخشية تأثر الدخل جراء العمليات الجراحية وفترات المتابعة بعد الجراحة.

وتُرجع كاثرين تينكام، الطبيبة المتخصصة في زراعة الكلى بجامعة هيلث نتورك في تورنتو، التفاوت بين الجنسين إلى أسباب بيولوجية "فجهاز المناعة عند المرأة يعمل على تكوين الكثير من الأجسام المضادة خلال فترات الحمل، ما يزيد من احتمالات رفض جسم المرأة لهذه العملية، وبالتالي يزيد تبرّعهن ويقل تلقّيهن".

وتضيف كاثرين "بينما تزيد نسبة النساء المصابات بمرض الكلى، مقارنة بالرجال، فإن النسبة الأكبر من الرجال يصلون إلى مرحلة الفشل الكلوي، ويحتاجون بالتالي إلى زراعة كلية لضمان بقائهم على قيد الحياة".

الزوجات يمنحن فرصة أخرى للحياة

أظهرت دراسة ألمانية، اعتمادًا على تحليل معدلات التبرّع في أوروبا، أن أكثر من ثلث النساء اللواتي يعاني أزواجهن من الفشل الكلوي تبرّعن بإحدى الكليتين لأزواجهن، فيما اقتصرت نسبة الرجال المناسبين للتبرع لزوجاتهم من الناحية السريرية على واحد فقط من كل 15 رجلا، بما يعادل 6.5% فقط.

ووفق بحث أجراه باحثون من كلية العلوم الصحية في إسبانيا على عينة من الزوجات اللواتي تبرعن بكليتهن لأزواجهن، والمنشور في مجلة "بي إم سي" (BMC) التابعة لجمعية الكلى بالمملكة المتحدة، فإن المشاركات لم ينظرن إلى التبرع كعمل بطولي، بل أخذن القرار بمنتهى اليسر والسهولة، انطلاقًا من شعورهن بالمسؤولية الاجتماعية والدور الأخلاقي الذي ترسمه الثقافات المختلفة للزوجة.

ويشير البحث إلى أن العوامل الاقتصادية تلعب دورًا مهمًّا في الأمر، إذ أكدت الزوجات المشاركات أن مرض أزواجهن وعواقبه على حياتهن وعبء الرعاية الصحية كان دافعًا لهن للتبرّع بهدف تحسين حياة الأزواج وإعفائهم من جلسات الغسيل الكلوي.

وذكرت النساء المشاركات أنهن لم يندمن على قرار التبرّع، ولو عاد الزمن بهن إلى الوراء سيقدِمن على الفعل ذاته مرة أخرى.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية