الناجيات من سرطان الثدي.. نقطة النور التي ترشد المصابات الجدد
قتل سرطان الثدي عام 2020 قرابة 685 ضحية حول العالم، لكن في الوقت ذاته فشل في الاستمرار بأجساد 7.8 ملايين امرأة ظللن على قيد الحياة في العام نفسه، عقب تشخيص إصابتهن بالمرض خلال السنوات الخمس السابقة لهذا التاريخ.
بحسب منظمة الصحة العالمية، انخفضت معدلات الوفيات جراء سرطان الثدي بنسبة 40% بين الثمانينيات من القرن الماضي وحتى 2020، وقد أسهم في هذا الانخفاض تحسن نظم العلاج، وأيضا زيادة الوعي، ونشره بطرق عديدة، أهمها الناجيات أنفسهن، واللائي يتحولن من مريضات متعافيات إلى داعمات ومصدر أمل للمصابات الجدد في الشفاء وعبور التجربة بأمان.
هكذا رسم سرطان الثدي مستقبلها
لم تكن جيهان الأصيل، محاربة سرطان الثدي المصرية، تتوقع حين علمت بإصابتها بسرطان الثدي، أنها سوف تتحول من مريضة عادية إلى أشهر داعمي مريضات السرطان في مصر.
تحكي جيهان قصتها للجزيرة نت "بالطبع شعرت بالخوف والفزع، والصدمة، لكن مع الوقت استسلمت لإرادة الله، واستلهمت الشجاعة من نفسي والمحيطين بي، حين بدأت العلاج من سرطان الثدي، كنت أجلس في غرف العلاج الكيميائي نتحدث عن أمور لا علاقة لها بالمرض، في الغالب مضحكة، كقططي مثلا، وفوجئت بكثير من المريضات يقمن بتغيير مواعيد جلساتهن كي يصبحن معي في الغرفة نفسها لنتجاذب أطراف الحديث، عند تلك النقطة شعرت بقوتي وتأثيري في الآخرين، وأدركت أنني قادرة على تقديم المساعدة".
عقب فترة من معايشة مريضات السرطان، وسماع مشاكلهن واحتياجاتهن، فكرت جيهان في طريقة لمساعدتهن، تقول "أعددت نفسي للمهمة، درست علم النفس، وعلم المشورة، والعلاج بالفن والسايكودراما، وعلم النفس الإيجابي، فكرت في مشروع للدعم النفسي، وحصلت على دبلومة في ريادة الأعمال، كان مشروع تخرجي حول الدعم النفسي لمريضات السرطان، ودعمتني وزارة التضامن الاجتماعي بجائزة قيمتها 30 ألف جنيه، ومن بعدها حصلت على مزيد من الدعم لكي أقوم بعمل ورش تدريبية للمحاربات لمساعدتهن على القيام بمشروعات صغيرة، وحاليا أقوم بعمل دبلومة في مجال الصحة العامة".
اسأل مجرب
حين علمت الفنانة المصرية شادية إصابتها بمرض سرطان الثدي، خلال فترة الثمانينيات، لم تكتف بإجراء عملية جراحية، لإزالة الورم في الخارج، ولكنها تبرعت في الوقت ذاته بمنزلها، لتتحول فيلتها إلى مسجد ومستوصف طبي، أما المطربة اللبنانية إليسا، فلم تكتف بالإعلان عن إصابتها بمرض سرطان الثدي، عام 2022، لكنها تحولت إلى محاربة تدعو مزيدا من النساء للكشف المبكر، واتخاذ ما يلزم من إجراءات، مؤكدة في تصريحات سابقة لها "التوعية بمخاطر السرطان قضيتي"، الموقف ذاته اتخذته الممثلة الشابة مي الغيطي، التي لم تكتف بالإعلان عن إصابتها، ولكنها راحت بدورها تنشر الوعي حول مرض سرطان الثدي، ومخاطره، وضرورة الوقاية منه بأشكال مختلفة.
وتابعت جيهان الأصيل "بعض الأشخاص يفكر في دعم مرضى سرطان، لكن من لا يعرف طبيعة المرض، ومن لم يمر بالتجربة، قد يضر أكثر مما يفيد، حتى لو كان هذا بدافع الحب، فالحب ليس كافيا لتقديم المساعدة، من هنا تأتي أهمية قيام المتعافيات بدورهن في تقديم الدعم، لأنه يكون قائما على الفهم، ومن قلب التجربة".
بدأت "الأصيل" مسيرتها بمبادرة حملت عنوان "بينك سايكوسوشيال سابورت" (الدعم النفسي والاجتماعي الوردي) بغرض وضع قدم مريضات السرطان على أول الطريق لمواجهة مرض مزمن عليهن أن يتعايشن معه لخمس سنوات على الأقل "أهم ما تحتاجه مريضة سرطان الثدي في بداية الإصابة أن تفهم نفسها، وأن تكون على علم بتأثيرات العلاج عليها، وبطريقة التغذية المناسبة، وكذلك أن تحصل على دعم نفسي كي تتمكن من مواصلة الرحلة بسلام".
التركيز على الحكايات والأثداء التعويضية
في الولايات المتحدة الأميركية، يتم تشجيع الناجيات على قص حكاياتهن بأنفسهن سواء عبر فعاليات، أو حتى عبر التدوين كما هو الحال في موقع "إم كلارن" الطبي، وفي ليبيا تواصلت الجهود طوال شهر أكتوبر/تشرين الأول من أجل تشجيع السيدات على مزيد من الاهتمام والتركيز لأجل الاكتشاف المبكر، عبر الاتحاد الليبي لمكافحة السرطان، والحملة الوطنية للتوعية بسرطان الثدي تحت عنوان "خطوة بألف خطوة افحصي".
أما في مصر، فتتواصل الجهود الرسمية والأهلية لمزيد من العناية بفكرة الكشف المبكر، وسد الثغرات التي تعاني منها مريضات سرطان الثدي، وعلى رأسها توفير الأثداء التعويضية، تقول الأصيل "اكتشفت أن السيدات اللائي يحضرن جلسات الدعم النفسي، ينقصهن الثدي التعويضي، والذي يتعلق توفيره لهن بشقين، أحدهما نفسي، بسبب تشوه المظهر العام، والثاني صحي، لأن غياب الثدي يسبب اعوجاجا في العمود الفقري، لذا كان على رأس أولويات الجمعية التي أسستها بعنوان "كانسر كير" توفير الثدي التعويضي مجانا، لغير القادرات، كما اكتشفت أيضا أن كثيرا من مريضات السرطان يتعرضن للهجر بمجرد إصابتهن بالمرض، وعليه، أسسنا وحدة للدعم القانوني والأحوال الشخصية مجانا".
منذ تعافت جيهان في 2016، أسهمت في تأسيس قسم الدعم النفسي في المكان الذي تلقت فيه علاجها عام 2017، السيدة التي حصلت على 16 جلسة كيميائية وإشعاعا، وخاضت بنفسها عملية استئصال للثدي، صارت قصتها كناجية ملهمة للكثيرات، وقد نجحت منذ 2018 في توفير المساعدة لأكثر من 2000 مريضة.
أضعف الإيمان "مجموعة"
لا يصدق من يرى مي حسن الأمين أن عمرها يتخطى الخمسين، حين تقف لتبدأ في رواية قصتها مع سرطان الثدي، في فعاليات مختلفة بالسودان.
مي، خريجة كلية الزراعة وحاصلة على ماجستير في النباتات الطبية والعطرية، عملت بالتدريس، وقد ساعدها ذلك على تقديم أداء أفضل ضمن حملات التوعية.
تقول مي للجزيرة نت "تم تشخيصي بسرطان الثدي عام 2018، وشعرت أني بحاجة لمشاركة تجربتي مع أخريات لمساعدتهن على تخطي "فوبيا السرطان"، وهو ما كان، بمجرد انتهاء علاجي، بحثت عن كل المنظمات العاملة في المجال بالسودان وبدأ التعاون، وكنت أعد لإطلاق منظمة تحمل اسم "ملهمون لمساندة مريضات سرطان الثدي"، لكن اندلعت الحرب، وتم تدمير عدد كبير من البنية التحتية الطبية، منها العيادات وأجهزة الكشف، كما تفرق العاملون في مجال المجتمع المدني بالعديد من البلدان حول العالم، لكنني ما زلت هنا، أواصل جهدي، عبر طرق مختلفة، أغلبها إلكترونية، صفحات فيسبوك، وعبر مجموعة على واتساب تضم أطباء من تخصصات مختلفة ومتعافيات".
وأضافت مي "أقوم بإرسال تنبيهات شهرية لدائرتي القريبة، بضرورة الفحص الشهري وطريقته، وأواصل قص حكايتي بطرق مشوقة، ودعوة المزيد من السيدات للكشف الشهري والاهتمام، مع التأكيد على ضرورة مواصلة الحياة، منها العمل خلال فترة العلاج، لأنه يساعد على رفع الروح المعنوية وتخطي التجربة، وقد ساعدني ذلك على المستوى الشخصي".