"الصمت الاختياري" لدى الأطفال.. أسبابه وعلاجه

من أكثر الأعراض الشائعة في البيئة الدراسية: الانسحاب ووضع اليدين فوق العينين وفوق الأذنين لتجنب الأضواء والأصوات العالية أيضا (بيكسلز)

بيروت – للصمت الاختياري عدة مسميات، منها "الخرس الانتقائي" أو "الصمت السلبي" أو حتى "التباكم"، وهو ظاهرة مرضية يختارها الطفل حلا للهروب من بعض المشكلات النفسية والاجتماعية. فيلتزم الصمت والخجل الكلامي لدرجة الامتناع عن الكلام مع الآخرين في أماكن معينة وفي مواقف محددة مع أشخاص معينين، إلاّ أنه في مواقف أخرى يتحدث أحيانا وبطلاقة وبشكل عادي مثل المنزل.

وهذا الاضطراب النفسي ينتاب الطفل في المواقف الاجتماعية خاصة في المدرسة، ومعظم الأطفال يعانون من "الرهاب الاجتماعي" ومن القلق الشديد. وهذا ما يميز "الصمت الاختياري" عن الأطفال ذوي التوحد الذين يلازمهم الاضطراب في جميع المواقف ومدى حياتهم.

يختار بعض الأطفال "الصمت الاختياري" في المواقف الاجتماعية وفي المدرسة خاصة، ويعاني معظمهم من "الرهاب الاجتماعي" والقلق الشديد (بيكسلز)

مخاوف وقلق اجتماعي

خبيرة النطق واللغة وتعديل السلوك لأطفال التوحد والمرشدة التربوية مريم رسلان تذكر أن الأطفال المصابين بهذا الاضطراب عادة ما يكون لديهم مخاوف أخرى وقلق اجتماعي، كما أنهم قد يكونون مصابين بصعوبات في النطق واللغة، غالبا ما تبدأ قبل أن يبلغ الطفل الخامسة من العمر، ولكن قد لا يلتفت الأهل للمشكلة حتى يدخل المدرسة، وذلك لزيادة التفاعل الاجتماعي والمهام الوظيفية.

فالصمت في هذه الحالة يعد اختيارا من الطفل، وعندما يتجاوز صمته مدة أكثر من شهر داخل الصف الدراسي بعد مشاركته في بعض الأنشطة المدرسية والاجتماعية مع أقرانه، ولا نجد أي استجابة كلامية، فهنا يجب التدخل الفوري من قبل فريق عمل يضم معلم الصف والاختصاصي النفسي والاجتماعي وبمشاركة الأهل.

وهناك عدة أسباب قد تؤدي للصمت الاختياري عند الأطفال منها:

  • العوامل الوراثية التي اكتسبها من والديه.
  • قلقه الشديد من المشكلات الأسرية كانفصاله عن والديه أو وفاة أحدهما، أو تعرضه في السنوات الأولى لصدمة نفسية نتيجة لتوبيخه باستمرار والاستهزاء به.
  • ضغط الأهل عليه بعدم التحدث أثناء كلامهم أو أمام الآخرين.

كل الأسباب السابقة تؤثر على مستقبل الطفل وصحته، وإذا استمرت الحالة بعد سن العاشرة دون علاج فقد تصبح مزمنة.

وبحسب رسلان، هناك أعراض تدل على وجود هذه الحالة منها:

  • تدني المستوى التحصيلي والاجتماعي.
  • الشعور بالقلق الشديد عند الذهاب للمدرسة.
  • ظهور صفات مزاجية سلوكية منها الكبت، والحركة الجامدة، وصعوبة التواصل البصري مع الآخرين، ونوبات الغضب، وحالات العصبية والتوتر، والخوف من الإحراج أمام المجموعة.
  • الخجل المفرط.
  • العزلة الاجتماعية مع كره الأماكن المزدحمة.
  • عدم حب التغيير والتجديد.
مريم رسلان تعتمد على أنواع عديدة من العلاج من أهمها العلاج باللعب والعلاج النطقي (الجزيرة)

الصفات الإيجابية

في المقابل، أوضحت خبيرة النطق واللغة وتعديل السلوك لأطفال التوحد والمرشدة التربوية أن هؤلاء الأطفال لديهم صفات إيجابية مثل:

  • ارتفاع مستوى الذكاء لديهم.
  • حب البحث والتفكير والتأمل.
  • أنهم مبدعون في الفن والرسم والموسيقى.
  • قادرون على التعاطف مع غيرهم بصدق.

كيف يعالج الصمت الاختياري؟

وفقا لرسلان، يشمل العلاج مزيجًا من العلاج النفسي والأدوية التي تعطى للمصابين بالكآبة، والعلاج باللعب والرسم، والعلاج السلوكي الإدراكي لإعادة تكيفه مع سلوكيات جديدة بها شيء من التحفيز والرغبة والتعبير، والعلاج النطقي، علما أن العلاج النفسي هو التوصية الأولى بشكل عام، مزامنة مع العلاج النطقي.

وتنصح رسلان بتجنب الاستهزاء بالطفل، وعدم القسوة في معاملته، وإتاحة الفرصة له لتعلم مهارات مختلفة وإشراكه في نشاطات رياضية واجتماعية مناسبة لسنه، وعدم الضغط لتشجيع الطفل على أن يتكلم، فضلا عن منحه الحب والدعم والتشجيع اللفظي.

لا بد من تجنب التسلط والقسوة في معاملة الطفل مع عدم استخدام أساليب الضغط لتشجيعه على الكلام (بيكسلز)

صمت أم رهاب؟

بحسب ما نشره موقع "سيليكتيف موتيزم سنتر" (Selective Mutism Center)، فإن 90% من الأطفال الذين يعانون من الصمت الاختياري يعانون أيضا من الرهاب الاجتماعي، ويعانون صعوبة في النطق، ويكونون في أقصى درجات الخجل، ولديهم أيضا استعداد وراثي للقلق، فتظهر لديهم نوبات الغضب والبكاء الشديد وتقلّب المزاج ومشاكل النوم.

وأظهرت الدراسات، بحسب الموقع، أن 20% إلى 30% من الأطفال لديهم صعوبة في النطق ومشاكل اللفظ، والتأتأة، والتلعثم، ويمنعون أنفسهم من التحدث.

وتشير الأبحاث في مركز أبحاث وعلاج الصمت الانتقائي (SMart Center) إلى أن هناك نسبة من الأطفال المصابين بالصمت أو الخرس الانتقائي ينتمون إلى أسر ثنائية اللغة/متعددة اللغات، وقد أمضوا وقتًا في بلد أجنبي أو تعرضوا للغة أخرى خلال تطور لغتهم التكوينية (بعمر 2 إلى 4 سنوات). وعادة ما يكون مزاج هؤلاء الأطفال مثبطا بشكل طبيعي، لكن الضغط الإضافي الناجم عن التحدث بلغة أخرى وعدم الأمان في مهاراتهم كافٍ لزيادة مستوى القلق والخرس.

الخصائص الأكثر شيوعا للمصابين بالصمت الاختياري

يصف آباء الأطفال المصابين بالصمت الاختياري أبناءهم بأنهم فضوليون ومزعجون وكثيرو الكلام والصخب ومتسلطون وعنيدون عندما يكونون في المنزل. ويسرد الموقع بعض الخصائص المشتركة الأكثر شيوعا لدى الأطفال المصابين بالصمت الاختياري:

قلق الطفل الشديد والعوامل الوراثية التي اكتسبها من والديه والمشاكل الأسرية من أسباب اختياره "الصمت" (بيكسلز)

أعراض القلق الاجتماعي:

  • الخوف من الانفصال والخجل، والشعور بعدم الاستقرار، والحذر من الأماكن الجديدة وغير المألوفة.
  • نحو 90% من هؤلاء الأطفال يعانون من القلق وعدم الشعور بالراحة مع أناس جديدين، والخوف من ارتكاب خطأ لدرجة الحرج من تناول الطعام مع الآخرين.
  • يفضلون العزلة الاجتماعية.
  • معاناة من مهارات الكلام والنطق والمهارات الاجتماعية.
  • ظهور الأعراض الجسدية منها وجع البطن والغثيان والصداع وضيق التنفس والشعور بالتوتر والخوف.
  • التجمد وعدم إظهار التعبيرات أثناء الفترات التي لا يستطيعون التحدث خلالها.
  • عدم الشعور بالارتياح لدرجة تسبب توترًا عضليا وشللا في الأحبال الصوتية. وقد يقوم بعضهم بحركات محرجة مثل مضغ أو لف الشعر، وتجنب النظر بالعين، أو ينسحبون بعيدا.
  • تأخر النمو العاطفي، وقد يتم تشخيصهم بالخطأ على أنهم مصابون بالتوحد.
  • ومن أكثر الأعراض الشائعة داخل البيئة الدراسية: الانسحاب واللعب بمفرده، ووضع اليدين فوق العينين والأذنين لتجنب الأضواء والأصوات العالية.

كيف يتم علاج الصمت الاختياري؟

من أهم طرق العلاج التي يتم اعتمادها هي العلاج السلوكي المعرفي "سي بي تي" (CBT) الذي يساعد الشخص على التركيز على طريقة تفكيره في نفسه، وعلى العالم والأشخاص الآخرين. ويتحدى العلاج المعرفي السلوكي أيضًا المخاوف والمفاهيم المسبقة من خلال التعرض المتدرج.

وأما العلاج السلوكي فيركز على استبدال العادات السيئة وتمكين العادات الجيدة، مع استخدام التعزيز الإيجابي والسلبي لتتم الاستجابة بشكل إيجابي لجميع أشكال الاتصال، واعتماد طريقة إزالة التحسس هي تقنية تتضمن تقليل حساسية الشخص تجاه الآخرين الذين يسمعون صوتهم من خلال مشاركة تسجيلات الصوت أو الفيديو.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان