متى يتعرف الأطفال على أمهاتهم وآبائهم وأفراد أسرتهم الآخرين؟

منذ اللحظة التي تحملين فيها طفلكِ للمرة الأولى بين يديك، وأنت ما زلت تعانين آلام الولادة ومتاعبها، تشعرين بالسعادة؛ فأنت تعلمين منذ تلك اللحظة الأولى أن هذا طفلك، لك أنت، وأنك على استعداد كامل للعناية به ورعايته، والاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تتعلق به، كما أنك تعرفين أن هذا الكائن الصغير يعتمد تماما عليك، سواء كان في إرضاعه أو نظافته وحمايته والسهر عليه، ومع ذلك يلمع في ذهنك دائما سؤال صغير: هل يعرفني؟ هل يعرف أني أمه التي تحبه أكثر من أي أحد آخر في هذا العالم؟
حسنا، إليك الخبر السار: طفلك يتعرف عليك منذ الولادة، حسبما تقول الدكتورة ليزا بي هوانغ، طبيبة الأطفال التي تعمل في مستشفى بروفيدنس ميشن في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وهي أيضا أم لطفل عمره 4 سنوات.
وتضيف هوانغ "يبدأ دماغ طفلك بالنمو في الرحم، وبحلول الوقت الذي يصل فيه للدنيا يمكنه التعرف على صوت أمه، ومع تقدمهم في العمر تستمر أدمغة الأطفال في النمو والتطور، وتزداد قدراتهم على التعرف على الأشخاص من حولهم وتذكرهم"، وفق ما ذكرت منصة "فيري ويل فاميلي" (very well family) في تقرير لها عن هذا الموضوع مؤخرا.
وفي الواقع، يستطيع الأطفال التعرف على والديهم بسهولة أكبر عندما يتحدث آباؤهم معهم في أثناء فترة الحمل، ولهذا ينصح كثير من الأطباء الآباء والأمهات بالحديث مع أطفالهم وهم في الرحم في أثناء فترة الحمل.
ومنذ لحظة ولادتهم ومع تقدمهم في العمر، يصبح لدى الأطفال قدرات أكثر وأفضل لتحديد ومعرفة الأشخاص من حولهم، حيث يتعدى الأمر معرفة وتمييز صوت الأمهات إلى تمييز الأشكال والأجسام، وفق منصة "ستيب تو هيلث" (steptohealth).
وفي الحقيقة، وكما أسلفنا فإن لدى الأطفال حديثي الولادة قدرة معينة على التعرف منذ لحظة ولادتهم، ومع ذلك لا يكون الآباء والأمهات على يقين تام بأن أطفالهم يعرفونهم حقا، لكن لا يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يتعلم الأطفال كيفية التعرف على والديهم بشكل كامل وبالصوت والصورة. فمتى يحدث ذلك وكم من الوقت يحتاج؟

كيف تتطور ذاكرة الطفل؟
يبدأ دماغ طفلك بالنمو خلال الأسبوع الثالث من الحمل، عندما تبدأ الخلايا التي ستشكل الجهاز العصبي -في النهاية- في الازدهار، وبحلول الأسبوع التاسع من الحمل، يكون الطفل قد طور بنية ناعمة يمكن التعرف عليها على أنها الدماغ، ومن هناك، يستمر الدماغ في النمو والتشكل بمعدل سريع حتى يبلغ طفلك من العمر حوالي العامين.
يتكون دماغ الإنسان من 3 أجزاء رئيسية: المخ الذي يضم القشرة المخية، وجذع الدماغ، والمخيخ، وهناك أيضا هياكل أصغر داخل الدماغ، بما في ذلك الجهاز الحوفي، الذي يتكون من الحُصين واللوزة.
وتقول الدكتور هوانغ: "الجهاز الحوفي والفص الجبهي في القشرة الدماغية هما اللذان يتحكمان بالذاكرة".
وفي حين أن التطور البدني لدماغ طفلك هو ما يحرك وظيفة الذاكرة، فإن البيئة المحيطة والتحفيز الذي يتلقاه من الأبوين لا يقلان أهمية عن ذلك خلال الأشهر والسنوات القليلة الأولى من حياته.
وتضيف الدكتورة هوانغ أن "الانخراط مع طفلك والتفاعل معه وتوفير بيئة محفزة -مع الكثير من الفرص للمشاهدة والتعلم والتفاعل مع الألعاب والأشياء والأشخاص- تساعد كلها في تعزيز نمو الدماغ".
الحواس الخمس
يولد الأطفال وقد تم بالفعل تشكل حواسهم الخمس، ولكن هذه الحواس -بما فيها حاسة البصر- لا تكون قد تطورت بعد بشكل كامل، حيث تكون الرؤية محدودة للغاية لدى الأطفال حديثي الولادة، وهم في البداية لا يرون سوى كتل ضبابية، وبالكاد يستطيعون التمييز بين الضوء والظلام، حسب ما ذكر تقرير منصة "ستيب تو هيلث".
فعلى سبيل المثال، إذا أصبح الضوء ساطعا جدا، فإن الطفل سيدير رأسه الصغير، ومع ذلك، يمكنه فقط إدراك ما هو على مسافة 25 سنتيمترا أو أقل، ويبدو أن هذه هي المسافة بين وجه الأم والطفل عند الرضاعة الطبيعية، أو المسافة بين وجه الأب والطفل في المهد.
ومع ذلك فإن الأطفال -منذ لحظة الولادة- لديهم القدرة على التعرف على آبائهم، على الأقل عن طريق الصوت، لقد سمعوا ذلك منذ أن كانوا في الرحم، ولذا يبدو الأمر مألوفا لديهم، وهو ما يؤكد ما قالته الدكتورة هوانغ في بداية هذا التقرير.
شيء آخر غير الصوت وهو الرائحة، حيث يستطيع الأطفال التعرف على آبائهم وأمهاتهم عن طريق الرائحة، فإذا حمل الأب ابنه بشكل دائم فسيصبح الطفل قادرا على تمييز رائحته والتعرف عليه.

الأطفال يتعرفون على أمهاتهم أولا
يشعر المولود الجديد براحة أكبر مع الأم؛ ليس لكون رائحة الأم وصوتها مألوفين فحسب، ولكن لأنها كذلك أكثر من يراه الطفل ويتعامل معه طوال اليوم، أكثر من الأب أو باقي أفراد الأسرة، وهذا هو السبب في أن الأطفال يتعرفون على أمهاتهم أولا، حسب منصة "فيرست كراي بيرنتنغ" (firstcry parenting).
وبشكل عام، يصبح الأطفال قادرين على التعرف على آبائهم في عمر شهرين، إلا أنهم لا يتمكنون من ذلك إلا عندما يرون الوجوه من الأمام، لكنهم عندما يرون الوجه من الجانب، ستكون لديهم مشكلة كبيرة في التعرف عليهم.
هذه القدرة ستظهر في عمر 6 أشهر، كما ذكرت دراسة علمية أجرتها "جامعة تشو" (Chuo University) اليابانية عام 2018، حيث تم تحليل سلوك 14 طفلا تتراوح أعمارهم بين 3 و8 أشهر، ووجد العلماء أن الأطفال قادرون على تحديد الوجوه من الجانب بعد 6 أشهر.

متى يبدأ الطفل التعرف على باقي أفراد الأسرة؟
يمكن للأطفال التعرف على وجوه والديهم في وقت مبكر إلى حد ما كما أسلفنا، لكن الأمر قد يستغرق من بضعة أشهر إلى عام للتعرف على باقي أفراد الأسرة الآخرين والأصدقاء المقربين، وقد يتعرف الطفل على أفراد الأسرة الذين يراهم بانتظام بشكل أسرع مقارنة بالأقارب البعيدين الذين لا يزورونهم كثيرا، حسب ما ذكرت منصة "فيرست كراي بيرنتنغ".
الأطفال يميزون الجمال ويتعرفون على الأكثر جاذبية بشكل أسرع
يجد الأطفال أيضا الأشخاص الجميلين أكثر جاذبية، ويتعرفون عليهم بشكل أسرع من غيرهم، ولهذا السبب قد تجدين طفلك يحدق أو ينظر لفترة أطول في الوجوه التي يجدها أكثر جاذبية وجمالا من الآخرين، وهذا لأن الأطفال أيضا مفتونون بأنواع معينة من الوجوه.
وفي دراسة أجريت عام 2017، وجد الباحثون أن الأطفال قادرون على تفضيل الوجوه التي يرغبون في رؤيتها حتى قبل ولادتهم، وهذه التفضيلات موجودة مباشرة في أثناء وجودهم في الرحم!
وفي هذه الدراسة تمت متابعة ردود فعل 39 جنينا في الأسبوع 34 من الحمل، حيث تم عرض محفزين بصريين يمثلان أشكال للوجه على رحم الأم، أحدهما مقلوب.
ولوحظت حركة رأس الجنين باستخدام صوت رباعي الأبعاد عالي الجودة، حيث لوحظ أن الجنين يحرك رأسه لتتبع إسقاط شكل الوجه، لكنه لم يفعل ذلك بالنسبة للشكل المقلوب، وهذا يثبت أن الجنين لم يحرك رأسه ليتعرف على النمط، بل على الشكل الذي وجده جذابا!
أخيرا ، إن الأطفال هم بهجة الدنيا وزينتها، وكلما أحسنا التعامل معهم وتربيتهم بشكل سليم، أصبحوا قادرين أكثر على رؤيتنا ومعرفتنا ليس بعيونهم فقط، لكن بقلوبهم وعقولهم التي نشأت على المحبة والحنان.