طفلي يكره اسمه.. عندما يقع الآباء في فخ سوء اختيار الأسماء
عمّان- يحرص بعض الآباء على تسمية المولود على اسم الجد أو الجدة، إرضاء أو وفاء لعطائهما في هذه الحياة، أو اتباعا للعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع، بغض النظر عما إذا كان هذا الاسم يتناسب مع أطفال جيله ووقتنا الحاضر، مهملين لما قد يحمل من سلبيات على نفسية الطفل بين أقرانه إن كان اسم الجد مضحكا أو غريبا أو غير مألوف بين الأطفال، مما يعرضه للإحراج والتنمر من قبل الآخرين وخاصة طلاب المدرسة.
وللحديث عن ثقافة الأسماء، وكيف يواجه الأهل كره الطفل لاسمه، حاورت الجزيرة نت اختصاصين بشأن سوء اختيار اسم الطفل، إضافة إلى آباء وقعوا في هذا الفخ .
الاسم أول انطباع عن الشخص
تعلق اختصاصية الطب النفسي للأطفال الدكتورة أسماء طوقان على تسمية الأطفال بقولها "يجب على الأهل التأني وعدم التسرع في اختيار اسم الطفل وعدم إهمال ما يحمله هذا الاسم من السلام الداخلي والراحة النفسية، لأنه سيظل مقترنا به طوال حياته".
وتشرح طوقان أن الاسم هو أول انطباع عن الشخص والواجهة الأولى لشخصيته أمام المجتمع، وقد تقود الأسماء الغريبة إلى مشاكل كثيرة، وتدفع الطفل للشعور بالاستياء والغضب من والديه، لأنهما كانا السبب الأول في تعرضه للتنمر في المجتمع.
وتشير إلى أن سوء اختيار الاسم قد يؤثر على نفسية الطفل، كعدم تقبله نفسه وانعدام ثقته بنفسه وخجله وشعوره بأنه منبوذ ومرفوض اجتماعيا، وقد تنتج عن ذلك اضطرابات نفسية كالقلق بأنواعه والاكتئاب.
عدم الاكتراث للكلام السلبي
وتوضح الاختصاصية أسماء طوقان أن من أهم الأمور التي يجب غرسها في الأبناء منذ مراحل طفولتهم الأولى هي الثقة بالنفس وتقبلها، وعدم الاكتراث والاهتمام بكلام الناس السلبي وانتقاداتهم، لأن الطفل الذي يثق بنفسه لا يتأثر بانطباع الناس عنه، لمجرد معرفتهم باسمه.
وتضيف "يجب التركيز على أن الشخصية والأخلاق والسلوك أهم بكثير من اسم الشخص أو مظهره، وإن كان الطفل مستاء من اسمه أو يشكو لكثرة تعرضه للسخرية ويطلب مساعدته على تغيير اسمه، عليهم تقبل الأمر وعدم رفضه أو تجاهله".
هل يختار الطفل اسما جديدا لنفسه؟
عندما ينتهي الأمر بكراهية الطفل لاسمه، سيكون الوالدان أمام ضرورة معرفة سبب عدم إعجاب الطفل باسمه، ومرافقته لتقبل الاسم أو استخدام اسم بديل إذا رغب في ذلك.
ووفق ما نشر موقع "ستاي آت هوم مام" (stay at home mum) الأسترالي، يمكن التوضيح للطفل بأن الأسماء مجرد تسميات، ويستطيع اختيار ما يريد منها، وإذا فشل كل شيء، فيمكن للأهل ترك الصغير يختار اسما جديدا لنفسه، ربما لا يكون الأمر تقليديا، لكنه على الأقل سيكون سعيدا به.
ويقول عالم النفس وخبير العلاقات دير أتكينز "إذا ترك اسم طفلك أثرا سيئا في كل مرة ينادى بها، فيمكن أن تبحث عن بدائل، والألقاب بعض الخيارات الرائعة لتحقيق ذلك".
ثقافة الأسماء
وعن ثقافة الأسماء، تقول الباحثة والمستشارة الاجتماعية الدكتورة فاديا إبراهيم "يفضل أن تكون تسمية الأبناء برضا وتشاور بين الأب والأم، ولكن هناك ظاهرة اجتماعية قد تكون مزعجه بالنسبة للأبناء في المستقبل، وهي ظاهرة توريث الاسم خصوصا الابن البكر، فيصبح إلزاما تسميته باسم الجد، وهذا ينطبق على المولودة الأنثى أيضا فقد تسمى باسم جدتها".
وتضيف "لا ضرر في ذلك، إلا إذا كان الاسم غريبا أو غير جميل وغير مناسب أو معناه قبيح، فقد يُعرض هذا الموضوع الطفل للحرج، وأحيانا التنمر عند كبره، وقد يتحول هذا الاسم إلى عقدة عند الطفل".
موروث اجتماعي
وتبين الدكتورة فاديا أن "الموروث الاجتماعي الخاص بتوريث الأبناء أسماء أجدادهم له جذور تاريخية اجتماعية قديمة مرتبطة بحب وتفاخر العرب بالنسب منذ الجاهلية الأولى، وكنوع حسب اعتقادهم بعدم موت الأسماء وإبقائها حية. وامتدت هذه الظاهرة حتى يومنا هذا، وإن كانت قد خفت بنسبة قليلة، أيضا قد تكون هذه الظاهرة الاجتماعية كنوع يثبت فيه الأبناء حبهم ووفاءهم لآبائهم وأجدادهم".
وتضيف "من حق أبنائنا علينا أن نكون أكثر حرصا وتأنيا في اختيار أسمائهم، حتى لا نتلقى اللوم منهم في المستقبل، يجب أن نعي ونفهم أن المجتمعات والعادات تتطور وتتغير، وكذلك الأسماء، كل حقبة زمنية تظهر فيها أسماء جديدة أكثر حداثة وملائمة لتلك الفترة، وتجب مجاراتها وأن نتماشى معها".
ازدواجية الأسماء
ووفقا للدكتورة فاديا، فإن حصل وتم اختيار أسماء غير مناسبة للأبناء، يجب أن نواجه الواقع ولا نخجل منه ونزرع الثقة في نفوس أبنائنا لقبول هذه الأسماء والنظر لها بشكل إيجابي وعدم الخجل منها أبدا.
وأضافت أن الآباء مطالبون بتعليم الأبناء طرق الرد المناسبة إن تعرضوا للانتقاد أو التنمر بسبب أسمائهم، وأن يشرحوا معنى التسمية وسبب اختيارها، وأن نعمل على أن يحب الطفل هذا الاسم لأن جده كان يحمل هذا الاسم، وأن هذا الجد شخص رائع ويستحق أن نفخر باسمه ونعجب به.
وتشير إلى رفضها لازدواجية الأسماء بمنح الطفل أكثر من اسم من باب الهروب من الاسم الأصلي، واعتبرت الأمر حالة من الهروب وعدم الثقة تشتت الأطفال وتكون أحيانا متعبه بالنسبة لهم.
الاسم الجميل حق من حقوق الطفل
وبدوره، يقول أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون إن الاسم الجميل الدال على معنى فريد أو جميل أو محبوب حق من حقوق الطفل في الإسلام، وقد أوصى الرسول (عليه الصلاة والسلام) بحسن اختيار أسماء الأبناء بقوله "إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم".
ويضيف أن الاسم مثل العنوان الجميل، ينقل للآخرين حدسا بأنهم سيجدون هذا الجمال بداخل هذا الشخص، ولذلك فإن النبي (عليه الصلاة والسلام) لعلمه بأن الاسم له تأثير على الإنسان وعلى سلوكه وعلى تكوينه النفسي، كان إذا عرف شخصا باسم غير محبب أو فيه معنى سلبي، كان يغير اسمه، فغير مثلا اسم أحدهم من حزم إلى سهل، وغير اسم برة إلى زينب، وذلك تيمنا بالمعنى الطيب، وحتى يبعد عنهم فكرة التشاؤم أو الحزن أو الاستياء من الاسم.
ويبين الدكتور زيتون أن "من حق أي طفل أن نسميه بأسماء جميلة، وأن نبتعد عن أسماء الحيوانات أو التشبه بأشخاص سيئين، والأسماء العجيبة التي كان يعتقد بأنها تطرد الشيطان أو تطرد العين، وفي الوقت ذاته، لا نفضل أن يسمى الطفل بأسماء أجنبية، حتى يشعر بالانتماء لهويته العربية".
آباء يقعون في فخ سوء اختيار الاسم
وعن أخطاء وقع بها آباء وتسببت في كره الطفل لاسمه، حاورت الجزيرة نت أمهات وآباء للحديث عن تجاربهم، ومنهم الأم سلوى التي قالت إن زوجها أصر على تسمية ابنتهم "سهام"، ونشبت بينهما خلافات بسبب ذلك، وبادر بتسجيلها بمجرد ولادتها، موضحة أن الابنة كبرت وبدأت تعبر عن كرهها لهذا الاسم، وعليه اتفق أفراد العائلة على مناداتها بـ"سوسو".
تشرح الأم أن الجميع من الأقارب والمعارف والأصدقاء استخدموا اللقب الجديد، مبينة أنها توجهت للمدرسة وطلبت من المعلمات مناداتها باللقب ذاته، تجنبا للإحراج أو التنمر.
في حين يعبّر والد الطفلة "إسعاف" عن شعوره بالندم تجاه اختيار هذا الاسم لابنته، ويقول "حقيقة لم أدرك أنني ارتكبت خطأ كبيرا، إلا عندما كبرت صغيرتي وسخر منها الأطفال، وللأسف العديد من الكبار".
ويشرح سبب التسمية قائلا "توفيت والدتي قبل مجيء سيارة الإسعاف بدقائق، وهذا قضاء الله وقدره، وكانت زوجتي على وشك الولادة، وحينها تم نقلها للمستشفى بذات السيارة، ورزقت بابنتي التي أطلقت عليها هذا الاسم من دون تفكير".
من "فتوح" إلى "مسك"
الجزيرة نت حاورت صاحبة تجربة في تغيير اسمها، وهي المحامية مسك الفقيه، التي تقول، "منذ صغري، وأنا لا أحب اسمي كونه اسما غريبا وغير مألوف في المدارس، وببيئتي بشكل عام، فمثلا عندما كنت بالمدرسة ويطلب مني أن أعرف عن اسمي، اضطر لتكراره أكثر من مرة حتى يتسنى للآخرين فهم الاسم، وفجأة يسألونني: ما معنى اسم "فتوح"، وكان جوابي في ذلك الحين "معناه جمع فتح وهي فتوح".
وتضيف، والدي حفظه الله، قام بتسمية أختي الكبرى باسم فتحية، على اسم والدته رحمها الله، كون العرف والعادة يتطلب ذلك واحتراما وتقديرا لها، وعليه جاء سبب تسميتي من تصريفات الاسم، ومع الوقت كبرت والتحقت بالجامعة، وبالفعل كانت المعاناة نفسها مع الاسم.
وتكمل، "في يوم تخرجي من تخصص الحقوق وفي أثناء قيام عميد كلية الحقوق بمناداة المتخرجين تم ذكر اسمي على أنه لطالب، وليس طالبة، وهذا الموقف من أكثر المواقف التي دفعتني للبدء بالتفكير في تغيير اسمي، وبعد ذلك انتقلت إلى مرحلة التدريب على مهنة المحاماة، وتكرر الأمر في المحكمة، فعندما يتم ذكر اسمي من قبل الحاجب لحضور الجلسات، يتم ذكره على أنه اسم محامي وليس محامية".
وأضافت "عندما قررت البدء بإجراءات تغيير الاسم كان أول من شجعني والدي ووالدتي حفظهما الله، وبدأت رحلة البحث عن اسم جديد وجميل، وقمت باختيار اسم مسك، لأنه من الأسماء الجميلة التي تحمل معناها، وتم اعتماد الاسم، وبعد ذلك قمت برفع دعوى أمام محكمة صلح نابلس، كونها صاحبة الاختصاص بهذا النوع من الدعوى".
وتعبر عن فرحتها بالقول "حصلت على قرار تغير اسمي في الجلسة الأولى، وبعد الحصول على حكم نهائي، هنا بدأت المرحلة الثانية، وهي تغيير اسمي في جميع المعاملات الحكومية، كتغيير اسمي في شهادة الثانوية العامة، وفي وزارة التربية والتعليم العالي، وتغيير شهادة البكالوريوس بالحقوق من جامعة النجاح الوطنية، وأيضا تغير بطاقتي الشخصية وشهادة ميلادي، واسمي لدى نقابة المحامين الفلسطينيين".
وتختم المحامية مسك "عندما تزوجت، أكرمني الله بإنجاب طفلة جميلة، وعند اختيار اسمها أخذت بعين الاعتبار أن يكون الاسم جميلا، من أجل أن تحبه ابنتي عندما تكبر، واخترت لها اسم "كنز"؛ تجربتي غيرت حياتي، فأصبحت أحب نطق اسمي على الملأ وافتخر به".