رائدة السعو.. أيقونة التحدي الجديدة للاحتلال في الشيخ جراح
"أخشى إذا كنتُ ضعيفة أو التزمت الصمت إزاء ما يجري في الحي أن أكون سببا في تمرير هذه المخططات، لذا قررت أن أقف في خط الدفاع الأول ليس عن منزلي فحسب، بل عن أبنائي والمتضامنين والمنازل الأخرى". رائدة السعو.

القدس المحتلة – "السعو" 5 أحرف يتكون منها اسم عائلة تعيش في الشق الغربي من حي الشيخ جرّاح، بات ترديدها على لسان الكثيرين يشكل قلقا لمخابرات وشرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي في القدس.
أمام منزل العائلة حركة متضامنين لا تخفت إلا لساعات قليلة بعد منتصف كل ليلة، وهو الوقت الذي تستغله صاحبة المنزل رائدة السعو لتنظيفه وتهيئته لاستقبال المتضامنين والفرق الصحفية التي باتت تجد فيه محطة لأخذ قسط من الراحة في ظل ساعات العمل الطويلة.

يوم في حياة رائدة السعو
داخل مطبخها، وقفت لتجهز كميات كبيرة من الشاي والقهوة مع بدء تزايد أعداد المتضامنين عصرا، واضطرت مرارا لمغادرة المطبخ تلبية لطلب أحدهم بمدّ سلك كهربائي لمكبرات الصوت التي تصدح بالأغاني الوطنية الفلسطينية من منزلها، وآخر احتاج لفرشاة لإتمام أعمال الدهان لجدار المنزل الخارجي لتهيئته لرسم الجداريات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقبل أن تكون شهيدة أو أسيرة.. الأم الفلسطينية مربية أجيال تدافع عن الوطن
تشق طريق التعليم بصعوبة.. الاحتلال يعمق معاناة المرأة البدوية في النقب
أسمته “سولار فود”.. مهندسة فلسطينية تنجح بابتكار جهاز للتجفيف الشمسي للأطعمة
تُلبّي رائدة السعو الطلبات بهدوء ودون تذمر، وتقول إنها فخورة بخدمة كل من يتوافد إلى الحي للتضامن معهم ضد إخلاء منازلهم لصالح المستوطنين.
الجزيرة نت زارت هذه المرأة المقدسية التي تحولت خلال الأسبوعين الأخيرين لأيقونة تحدّ جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الشيخ جرّاح، وعقابا لها يستهدفها الاحتلال وأفراد أسرتها بشكل يومي بالاعتقال والتنكيل حتى باتت أمنيتها الوحيدة أن يجتمع أفراد أسرتها دون أن يكون أحدهم داخل الزنازين.
ولدت رائدة في القدس عام 1971، وترعرعت في بلدة صور باهر جنوب المدينة قبل أن تتزوج بمحمود السعو، وتنتقل للعيش معه بحي الشيخ جراح عام 1991.

حياة هادئة شوهها الاستيطان
عن الحياة في الحي قديما، قالت رائدة السعو إن كافة المقدسيين كانوا يتمنون العيش فيه لموقعه الإستراتيجي القريب من الأسواق والمسجد الأقصى، وللهدوء الذي يتمتع به السكان، لكن منذ إخلاء أول عائلة مقدسية لصالح المستوطنين في حي "كرم الجاعوني" المقابل، انقلبت حياة السكان رأسا على عقب وفقما تؤكد السعو.
وصفت السعو الجمعيات الاستيطانية بالخلايا السرطانية، "فبعدما تنتهي من نهش أحد المنازل تهاجم غيرها بشراسة كبرى في محاولة لتهجير سكانها بشكل طوعي، لكنها تفاجأت بقوتنا وإصرارنا على التشبث بعقاراتنا وأراضينا، فردّت علينا بزرع أكثر المستوطنين تطرفا داخل البؤر الاستيطانية".
تتشبث السعو بمنزلها وتقول إن "خطط الاحتلال إجرامية، وإذا تمكن من الاستيلاء على الشيخ جراح ووادي الجوز وسلوان وجبل المكبر فإنه سيطوق المسجد الأقصى ويحكم السيطرة على محيطه".
"أخشى إذا كنتُ ضعيفة أو التزمت الصمت إزاء ما يجري في الحي أن أكون سببا في تمرير هذه المخططات، لذا قررت أن أقف في خط الدفاع الأول ليس عن منزلي فحسب، بل عن أبنائي والمتضامنين والمنازل الأخرى".

ذاكرة الاعتداءات
كثيرة هي الاعتداءات التي تعج بها ذاكرة هذه السيدة، ليس أولها اعتداء أرييه كينج نائب رئيس بلدية الاحتلال بالضرب عليها، ولا آخرها استدعاؤها وزوجها للتحقيق في أحد مراكز الشرطة وتهديدها بالتوقف عن استقبال المتضامنين وخدمتهم.
منذ أكثر من شهرين لم تنعم السعو وأفراد أسرتها بساعات نوم متواصلة ليلا، إذ تقتحم مخابرات وجيش الاحتلال المنزل لاعتقال أبنائها رمضان ومعتز ومحمد وأحمد بشكل شبه يومي، وتتهمهم بحرق سيارة المستوطن الذي يسكن بقوة الاحتلال في الحي، أو بحرق البؤرة ذاتها أو برشق الحجارة.
يُفرج عن أحدهم بشرط الحبس المنزلي، ويبقى الآخرون خلف القضبان، وهكذا تمر الأيام على رائدة السعو وزوجها محمود بين المحاكم ومراكز الشرطة، وبين المهمة الأساسية في الوجود بالحي في ظل الحراك المتواصل إسنادا لعائلة سالم المهددة بالإخلاء.
رغم انشغالها، فإن هذه السيدة لم ترفض طلب حفيدها اللعب معها رغم التوتر الذي كان يسود الحي بعد لحظات من إعلان محامي عائلة سالم تجميد قرار الإخلاء.

الطريق لا تزال طويلة
لعبت معه لدقائق ثم خرجت مسرعة وشاركت في الهتافات التي أطلقها المتضامنون أمام منزلها "من الشيخ جراح طلع القرار.. استشهاد أو انتصار" و"ارفع ايدك وعلّي.. الموت ولا المذلة".
تبدو ملامح الإرهاق جليّة على وجه هذه السيدة المقدسية، لكن ابتسامتها تبعث السكينة في نفوس أفراد أسرتها والمتضامنين مع قضية الحي.
"ابني معتز يقبع في الزنازين منذ أسبوعين، أتمنى لو أنه هنا لمشاركتنا فرحة تجميد قرار الإخلاء.. لكن علينا الثبات والاستمرار في الحراك حتى نحصل على قرار من المحاكم بإلغاء إخلاء جميع منازلنا المهددة في الحي.. حينها سيصبح كل ألم مررتُ وأمرُّ به الآن مجرد ذكرى".