كيف نعلم الطفل الحفاظ على البيئة؟.. اليابانيون في مونديال قطر "نموذجًا"

على الأهل البدء منذ الصغر بتحميل الطفل مسؤولية تحضير نشاطاته اليومية الروتينية (بيكسلز)

يستلهم اليابانيون سلوكهم وعاداتهم من حبهم للطبيعة، وغالبًا ما يخرجون بأنماط عيش "خضراء" من خلال تبني منظومة أخلاقية واعية وإيجابية مؤسسة على المعرفة العلمية تجاه البيئة العالمية.

هذا ما رآه العالم خلال متابعة مونديال "قطر 2022″، عندما انتشرت فيديوهات الجمهور الياباني خلال جمعه للنفايات من المدرجات عقب انتهاء عدة مباريات في كأس العالم، كما بادر لاعبو المنتخب الياباني إلى توضيب الأمتعة في غرفة الملابس عند المغادرة.

اكتساب السلوك السليم نحو البيئة تعبر عن سلوك تراكمي يبدأ من العائلة الصغيرة لتتبناه المؤسسات العامة (بيكسلز)

اليابان "بطلة العالم" في الحفاظ على البيئة

وتحت عنوان "فاز مشجعو اليابان بالثناء على تنظيف الملاعب (الإستادات) في كأس العالم 2022" قالت النسخة الإنجليزية من موقع "الجزيرة"، إن مشجعي اليابان "ساموراي بلو" (Samurai Blue) نالوا الثناء في قطر على تقليد خارج الملعب يبدو أنه ياباني فريد: "تنظيف الملاعب بعد مغادرة مشجعي كرة القدم الآخرين".

فقد أصبح مشهدا مألوفا بشكل متزايد، حيث لم يغادر المشجعون اليابانيون بعد فوز فريقهم على ألمانيا، وساعدوا في تنظيف ملعب خليفة الدولي. فبمجرد أن بدأ الملعب يفرغ، شوهد المشجعون اليابانيون وهم يأخذون أكياس القمامة ذات اللون الأزرق الفاتح التي تستخدم لمرة واحدة ويذهبون إلى العمل.

قال دانو، مشجع ياباني، لقناة "الجزيرة" باستهجان: "ما تعتقد أنه خاص ليس في الواقع شيئًا غير عادي بالنسبة إلينا".

وأضاف: "عندما نستخدم المرحاض، نقوم بتنظيفه بأنفسنا… عندما نترك الغرفة نتأكد من أنها مرتبة (…) لا يمكننا مغادرة مكان من دون تنظيفه، إنه جزء من تعليمنا".

View this post on Instagram

A post shared by SHEIKH FC (@sheikh.fc)

سلوك تراكمي منذ الصغر

وهنا، يتبادر إلى الأذهان ضرورة وجود قدوة فاعلة وملهمة لتعليم الطفل الحفاظ على البيئة منذ الصغر، داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع؛ لتُبنى لديهم معرفة بيئية بناءة تغرس فيهم القيم الفضلى كأفراد، وبناء الفكر التشاركي مع المجتمع.

تقول الاستشارية النفسية والتربوية رانية الطباع إن مسألة الحفاظ على البيئة تعني المجتمع ككل، إذ يتشارك فيها جميع الأفراد، لأنها تعبر عن سلوك تراكمي يبدأ من العائلة الصغيرة لتتبناه المؤسسات العامة الكبرى.

وتوضح رانية، خلال حديثها للجزيرة نت، أن "أساس تكوين السلوك يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة التي يكتسب خلالها الطفل معالم شخصيته مستقبلاً. لذا على الوالدين، أو من يقوم بدور الرعاية، الاهتمام بالطفل في هذه المرحلة ومحاولة تعليمه السلوك الإيجابي، على أكثر من صعيد، ليكون شخصًا فاعلاً مستقبلاً".

وتشرح أن أهم الطرق التي يتعلم بها الطفل في هذه المرحلة هي أن يشكل الوالدان نموذجًا حيًّا لأطفالهم، فقد وجد علماء النفس، ومنهم الكندي ألبرت باندورا، أن الطفل يتعلم بالتقليد أكثر مما يتعلم بالوسائل الأخرى.

وكلما كان النموذج إيجابيًّا، وتعلم الطفل منه السلوك الصحيح، أطلق عليه "القدوة". فمثلاً، من خلال رؤية الطفل والديه أو المعلمين يحافظون على ممتلكاتهم الشخصية ونظافة المكان المحيط بهم، يكتسب السلوك ذاته تلقائيا، خصوصا إذا لقي الطفل تقديرًا لعمله عند قيامه بذلك، وفق رانية الطباع.

رانية الطباع: يجب على الأهل تعزيز الطفل عند قيامه بأي سلوك إيجابي ولو كان صغيرا (الجزيرة)

كيف تربي طفلك على الاهتمام بالبيئة؟

وتقدم الطباع نصائح لتسهيل تعليم الطفل الحفاظ على البيئة، ليصبح مجتمعنا محافظًا على الممتلكات الخاصة والعامة:

  • البدء في عمر مبكر بإثارة انتباه الطفل على ممتلكاته وأدواته الخاصة. فعندما يلعب الطفل بألعابه، على الوالدين تعليمه كيفية اللعب بها والحفاظ عليها من دون تكسيرها، ثم إعادتها إلى أماكنها الصحيحة.
  • تحميل الطفل مسؤولية تحضير نشاطاته اليومية الروتينية، مثل: تجهيز الأدوات الخاصة بالاستحمام، من منشفة وصابون وملابس، ووضع الثياب المتّسخة في الأماكن الخاصة بها، وإعادة أدوات الاستحمام إلى أماكنها عقب الخروج من الحمام. هذا السلوك الروتيني الصغير يعكس شخصية مسؤولة مستقبلاً ومحافظة على المحيط.
  • تقدير الطفل عند قيامه بأي سلوك إيجابي، ولو كان بسيطًا، لأن الطفل في حاجة إلى التقدير المستمر ليتشكل لديه السلوك الحسن، ويكون ذلك عبر الكلمة الطيبة، والتصفيق له، والدعاء، والهدية، والحضن والتقبيل.
  • تصحيح السلوك الخاطئ، فعلى الوالدين أو المعلّمين تنبيه الطفل عند قيام أي أحد بسلوك سلبي، من رمي نفايات من نافذة السيارة أو تكسير أو أي شيء من هذا القبيل، ومحاولة تصحيحه، ليتعلم الطفل دوره الإيجابي الفاعل لبناء المجتمع.

    الدكتور حسين محادين: اكتساب الأطفال السلوك السليم تجاه البيئة ينطلق أولاً من تقليد الأبوين والبيئة الأسرية (الجزيرة)

البيئة لجميع الأجيال

بدوره، يقول المتخصص في علم الاجتماع الدكتور حسين محادين: "من الواضح علميا وعمليا أن اكتساب الأطفال السلوك السليم تجاه البيئة ينطلق أولاً من تقليد الأبوين واهتمام البيئة الأسرية بموضوعات النظافة داخل المنزل والمحيط الجغرافي الحاضن لهذه الأسرة أو تلك، ومن ثم تعميق القيم المجتمعية للأطفال داخل المدرسة من خلال تقويم سلوكهم في المحافظة على بيئة المجتمع ككل".

ويضيف، في حواره مع الجزيرة نت، أنه "وفق هذه الإستراتيجية التعلمية والتعليمية، نوسع حضور البيئة كمشترك إنساني وكوني لدى الأجيال، والتي تمثل تطوير وعيهم وسلوكهم ليتجاوز الأمر حدودهم الفردية نحو الحفاظ على النظام البيئي وطنيا وعالميا".

الطفل يتعلم بالتقليد أكثر مما يتعلم بالوسائل الأخرى (بيكسلز)

ويختم بأن موضوع التلوث وغياب البيئة المتوازنة أصبح تحديا بشريا وجغرافيا يهم الإنسانية بكل لغاتها، خصوصا في ظل ما نشاهده من احتباس حراري كتحدٍّ بيئي – مناخي عابر للجغرافيا.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية